فنانة سعودية تحول السيارات والأشياء اليومية إلى لوحات

شاليمار شربتلي فنانة تشكيلية ترى أن الفن أقوى من الروبوت.
الثلاثاء 2021/10/05
الفن لن يغيب لأنه إحدى النوافذ الرئيسية للبشرية

ليس للجمال عنوان ثابت. لا مدارس مُحددة ترسم خطاه أو قوالب مُخصصة ولا إشارات مرور تُحدد مسارات كل صانع جمال وصائغ دهشة ومُنتج إبداع. ولا شروط مسبقة أو قوانين خاصة، إنما هي لحظات فيض إنسانية يُثبت فيها الجمال قدرته على غزو عوالمنا. بهذا المنطق ترسم الفنانة التشكيلية السعودية شاليمار شربتلي كل شيء حولها. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الفنانة.

تمر الفنانة التشكيلية شاليمار شربتلي بريشتها على الأشياء الساكنة والمتحركة، فتطبع بصمة الإنسان المُبهجة عليها، كأنها تستكمل مشاهد الحُسن في العالم، متغلبة في ذلك على أي مشاعر سلبية يثيرها أي طارئ.

وترى أن “الفن هو المعادل الأقوى والأبقى للتقدم التكنولوجي البارد، المُبهر ظنا في أدواته وماديته، والخاوي روحا وعاطفة وإحساسا”. هذا ما تقوله شاليمار شربتلي في حوارها مع “العرب” بالقاهرة في محاولة لطرح فلسفتها الخاصة بدور الإنسان في مقاومة القبح، وقدرة الإبداع على مواجهة المادية القاسية الناتجة عن التقدم التكنولوجي المذهل.

الرسم على السيارات

كانت الجائحة الأخطر التي غزت العالم منذ عامين بداية لاستيعاب فكرة تستحق التأمل مفادها أن التطور المادي وحده لا يخدم الإنسانية، وهناك حاجة ماسة، بل وحاجات للخيال والإبداع لإسعاد الإنسان.

وتقول شربتلي لـ”العرب” إن جائحة كورونا نزعت الأقنعة عن بلدان متطورة، ومتقدمة تكنولوجيا وعلميا ومعرفيا، وأبانت جوهرها المادي المفتقد للاستقرار المجتمعي لتبدو تعاملات البشر هناك أقرب للتعاملات الباردة، القاسية، والخالية من أي مشاعر محبة أو تعاطف إنساني.

وأوضحت أن مشاهد توابيت الموتى مصفوفة في الأماكن الأوروبية التي كانت عنوانا للجمال أثبتت لها ببساطة أن التفوق العظيم في العلوم مجرد وهم كبير، وأن كل شيء قابل للانهيار في لحظات، والفن لا يُمكن أن يغيب عن البشرية، لأنه إحدى نوافذها الرئيسية للإطلال على الجمال.

التكنولوجيا تقتل البشرية
التكنولوجيا تقتل البشرية

وفي تصورها أن التكنولوجيا تقتل البشرية وتعطل كل شيء. فالتقدم المادي يحول الإنسان مع الوقت إلى روبوت، كل خطوة له محسوبة سلفا، وكل فرحة مغلفة بوجوه زائفة، لذا لم ترسم أبدا على “تابلت” كما يفعل بعض الرسامين، ولم تقبل أفكار برمجة الفنون لأن الإنسان هو أصل الجمال.

وبدا تصور الفنانة شربتلي مُتسقا مع السحر البصري الحاكم لمنزلها، والذي لعبت ريشتها الفنية دورا عظيما في ترسيخه، حيث رسمت ولونت كل جدار حولها، كل مائدة، كُرسي، مثلما فعلت مع سياراتها عند بدايات انطلاقها للعالمية، مُتخصصة في فن جديد هو “الموفنغ آرت” ومحققة السبق فيه في عالمنا العربي، ما جعلها جديرة بنيل جوائز عالمية عديدة فيه.

وبدأت مسيرة شربتلي، المولودة من أب سعودي وأم مصرية في القاهرة في سن الثالثة عشرة من عمرها، عندما ذهبت إلى مجلة صباح الخير القاهرية، وكانت على مدى عقود طويلة مركزا لفنون الرسم، والتقت بالفنان التشكيلي عبدالعال حسن وطلبت التعلم مع كوكبة من المبدعين الكبار، وفي ما بعد افتتح الفنان التشكيلي الراحل صلاح طاهر أول معرض لها، وهي في السادسة عشرة من عمرها.

وفازت الفنانة في سنة 2011 بجائزة حفيد رينوار الفرنسية، قبل أن تُطلق مبادرتها للرسم على السيارات في السعودية، وعرضت سيارتها الملونة في عدة معارض دولية للسيارات لتحظى بكثير من الجوائز، كما عُرضت الكثير من لوحاتها في معرض اللوفر بباريس ونالت استحسان الجمهور.

لدينا مساحات عديدة في حياتنا لا تستغل مثل الثلاجات والغسالات والأجهزة الكهربائية في المنازل يمكن رسمها جميعا

وتقول شربتلي إن جائحة كورونا نشرت الفزع والحزن ودفعت الناس جميعهم للتشاؤم والتباعد الاجتماعي، ما أنتج تباعدا نفسيا أوجد في ما بعد مساحات أكبر من الفراغ تحتاج منا جميعا إلى ملئها، وهو ما يدفعنا للسعي للرسم والتجميل والتلوين.

وتذكر أن العرج النفسي لدى البشرية لن ينتهي سريعا، حتى لو تخلصنا من كورونا ماديا عبر الأمصال والأدوية فالنسيان الجمعي لما حدث صعب جدا، قائلة “أنا لا أحتمل الكمامة أو التباعد، وأخاف من القيود والأماكن الضيقة والمغلقة، والفن هو الحرية الحقيقية”.

وترى شربتلي أن الموهبة لا أسباب لها للتدفق ولا توقيتات ولا دوافع، قائلة “أنت ترسم لترسم، تبدع من أجل أن تبدع”، والرسم لديها ممارسة يومية لا تقصدها، ولا تحب تسمية لوحاتها الفنية بمسميات محددة، وإنما يقوم بعض النقاد والمتابعين بتسمية كل لوحة كل حسب تصوره.

وتؤكد أن الفنان لا يمكن أن يخضع لتأثيرات معينة، ولا يسير وفق قوانين بذاتها، الفنان الحقيقي لا يمكنه أن يقول لك ما يقصده في كل لوحة، وإلا فهو فن موجه وغير حقيقي، ولا حاجة له إلا في وقت الحروب.

وتعترف في حوارها بثراء الألوان المستخدمة في أعمالها، وهو ما يشيع حالة من البهجة والسرور، وتشعر بغبطة للتعامل مع الألوان المتعددة ودرجاتها، وتعتبر ذلك من التحديات التي لا يجب أن تهيبها، وهي تميل أكثر للمدرسة الإيطالية المفضلة لتعدد الألوان. وأشارت شربتلي إلى أنها تمارس الرسم بعفوية ودون سعي لتحقيق ريادة أو نيل مكاسب ما، ومع ذلك فإنها تهتم كثيرا بأي نقد أو قراءة لأعمالها.

مستقبل "الموفينغ آرت"

Thumbnail

تحكي شربتلي تفاصيل لجوئها إلى فن “الموفينغ آرت” موضحة أنها فكرت يوما في تغيير لون سيارتها، وقررت وضع بصماتها ومنظورها للجمال بنفسها، وأحضر لها شقيقها كافة الألوان المستخدمة لتلوين الأسطح المعدنية، وقضت أياما طويلة في التجربة، وفوجئت بتدفق الموهبة وتطورها لتلفت أنظار الكثير من مسؤولي المعارض الدولية للسيارات.

وتقول إن الأمر كان صعبا في البداية فيجب أن تسيطر على اللون تماما، لأنه يمكن أن يجف كل بضعة ثوان، ويجب أن تضع مثبتا، وتحرص على ذلك،  وتقول

“بعد فترة اكتشفت أنني الوحيدة التي تقوم بعمل ذلك، وفي سنة 2014 عرضت المشاركة في مونديال عالمي بسيارة ملونة بشكل يدوي، وكان سعرها مئتي ألف دولار ووصل سعرها بعد الرسم والتلوين إلى مليون ونصف مليون دولارا”.

وترى أن لدينا مساحات عديدة في حياتنا لا تستغل مثل الثلاجات والغسالات والأجهزة الكهربائية في المنازل، ويمكن رسمها جميعا لصناعة مشهد من الجمال والبهجة، لافتة إلى أن هذا اللون من الفن له مستقبل عظيم في عالمنا العربي ويسهم في ترسيخ مفهوم الجمال في الحياة.

وتكشف الفنانة السعودية أن مبادرتها لتجميل الأجسام المتحركة خاصة السيارات لاقت اهتماما وتجاوبا عظيمين في المملكة، التي تُبدي دعما وتشجيعا للفن والفنانين في مرحلة تحول مجتمعي عظيم تشهدها منذ سنوات.

الفنان الحقيقي لا يمكنه أن يقول لك ما يقصده في كل لوحة، وإلا فهو فن موجه وغير حقيقي

وتوضح لـ”العرب” أنها منبهرة بتحولات التحديث الواضحة التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتعتبرها مرحلة تاريخية عظيمة تُعيد ترسيخ حرية الإنسان وترتقي بالمجتمع.

وتكشف أنها كفنانة تشكيلية تعرضت خلال التسعينات وما قبلها لحركة عداء غير مبرر من جانب جماعات الوصاية على الدين الذين يرون الفن ضلالا، ويحرمون الفن ويعتبرونه شركا بالله، لقد كانوا متغلغلين في عدة مجتمعات عربية ويحاولون أن يدفعوها نحو التمزق والتشرذم تحت دعوات باطلة.

وتضيف أن الأفكار الإصلاحية التي تتبناها المملكة تدفع المجتمع إلى تطور معرفي وفهم أوسع للقيم الأخلاقية، وتفسير أكثر وسطية للإسلام، بعيدا عن الانغلاق والتطرف والتعصب.

 تعبر الفنانة السعودية عن امتنانها وتقديرها للمدرسة الفنية في مصر، والتي تعتبرها هي ومدرسة الفن العراقي مدرسة عظيمة للفنون التشكيلية، حيث أثر جيل الرواد بشكل مباشر في وجدان كافة الفنانين العرب وتركوا أعمالا خالدة يقدرها كل متذوق للجمال في أي زمن.

وأنها مازالت تنبهر بلوحات الفنان عبدالعال حسن، وتسعد بأعمال محمود سعيد، جمال كامل وصلاح طاهر، مرورا بعمر النجدي وفرغلي عبدالحفيظ، وحتى جيل الفنانين الصاعدين حديثا في كافة الدول العربية.

وترى شربتلي أن الساحة الفنية تشهد ميلادا وتجددا لأطياف متعددة من المواهب في كثير من الدول العربية، ما يبشر بفورة إبداع قادمة، وتشعر بامتنان حقيقي لكل هؤلاء، وعندما تسلمت جائزة ماتيس تذكرتهم وتذكرت مقولة الفنان عبدالعال لها بأنها متى احترفت وتحققت فنيا فلن يُصبح للرسم وقت محدد، إنما سترسم في أي وقت بعفوية.

الفن إبداع
الفن إبداع

 

15