فكرة عميقة

"قائم على فكرة عميقة"، كان ردّا لوزيرة سودانية ليبرالية "مدافعة" عن حقوق النساء و"مناهضة" لتعدد الزوجات خاصة، بعد سؤالها عن سبب زواجها من إسلامي شرس، وزير هو الآخر، له من الزوجات اثنتان أو ربما أكثر وهو بدوره مدافع شرس عن تعدد الزوجات ومناهض لحقوق النساء.
احترت وأنا أفكر في ماهية "الفكرة العميقة" التي جعلت هذه الوزيرة تضرب بكل مبادئها عرض الحائط.
وجدتني في الأخير لا أجد سببا منطقيا لما فعلته إلا أنها سوف “تنتقم” لبنات جنسها بـ”تطيين” حياة السيد الوزير وجعله يعيد التفكير في زيجاته المتعددة ويعدل عن الدفاع عن تعدد الزوجات أو أنه قد يعيد تقييم مؤسسة الزواج أصلا.
لكن من أين تأتي أفكارنا؟
كلنا نعرف الفكرة الجيدة حينما نصادفها. قد تأتي دون سبب، وأحيانا تأتي بها الحاجة.
هناك نظرية أولى يعتقد بها كثيرون مفادها أن الأفكار تأتي من اللامكان في لمحة مفاجئة من الإلهام، في الحمام مثلا كمعظم الناس.
لكن هناك نظرية ثانية علمية أكثر صيغت بعد أكثر من مئة عام، درس من خلالها الأكاديميون في مجالات عديدة كعلم النفس وعلم الأعصاب، كيف يقوم العقل البشري بخلق الأفكار. وتوصلوا إلى أن الأفكار، خاصة الإبداعية منها، على الأغلب لا تراودنا تلقائيا من لحظة إلى أخرى، على الرغم من أن هذا هو ما يبدو لنا. إن عقولنا تبني هذه الأفكار من سلسلة من العلاقات والصلات، أحيانا يستغرق تكوينها فترة طويلة من الزمن.
أميل إلى التفسير الثاني، فدوري الأمم الأوروبية مثلا كان فكرة عبقرية لميشيل بلاتيني، أحد أساطير كرة القدم في عصره! والأكيد أن الأفكار التي تطور كرة القدم لا يأتي بها ويقترحها إلّا من عاش حياته في الملعب! أما النظرية النسبية وهي من أشهر نظريات الفيزياء الحديثة، التي طوّرت من قبل ألبرت أينشتاين وهو عالم فيزياء وليس أديبا أو محاميا. لننتهي في الأخير إلى أن الأفكار العميقة، إلا في ما ندر، هي تخصصات أصلية لأصحابها لم تأت من اللامكان أو اللازمان.
وإذا ركزنا فقط على الأسباب السابقة، فزواج الليبرالية من الإسلامي، فكرة عادية جدا، حيث تمّ وفق أفكارها العميقة الباطنية، التي صنعت قناعاتها بأن الرجل يتزوج عاديّا مثنى وثلاث ورباع إذا لزم الأمر، أليس “رجلا” والرجل مباح له كل شيء.
لنستنتج في النهاية أن الفكرة العميقة أحيانا ليست إلا فكرة عقيمة لن تغيّر شيئا.
برأيي إن أعظم اكتشاف قد يقوم به هذا الجيل هو اكتشاف أن تطبيق أفكاره "الثورية" وليست العادية أو العقيمة، هو الكفيل بتغيير حياته.