فصائل دمشق: عودة بلا ضجيج لاجتماعات منظمة التحرير

القيادة السورية الجديدة ترفض التدخل في شؤون الدول العربية وطوت صفحة النظام السالف وتغوله على أشقائه العرب وهذا يظهر في تصريحاتها المطمئنة لكل من اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء.
الاثنين 2025/04/21
طويت صفحة النظام وتغوله

غني عن البيان أن الشعبين الفلسطيني واللبناني وقيادتيهما الوطنية عانى كل منهما أسوأ معاناة من تغوّل نظام الأسدين على وطنيهما. فإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء، لوجدنا أن النظام البائد كان يدّعي أنه فلسطيني أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، ولبناني أكثر من اللبنانيين ذاتهم. فقد تبجّح مرارا وتكرارا بأنه يعرف مصلحة القيادتين الفلسطينية واللبنانية أكثر منهما. ومن هذا الغرور غير المبرر والتعالي غير المنطقي، كان يجد المبرر والذريعة ليكون وصيا على لبنان وفلسطين، ويكون طرفا في الحروب الداخلية التي كان يشعلها ويؤججها، وينفذ اغتيالات بحق كل من يعارض وصايته ليفرض تغييرات قسرية. مع العلم أنه، في ذات الوقت، لم يكن نظاما وطنيا أو عربيا أو قوميا.

اصطدمت حركة فتح مرارا وتكرارا مع النظام البائد، وأريقت دماء المئات من الفلسطينيين ذودا عن القرار الوطني الفلسطيني المستقل. دفعت فتح سنوات عديدة من عمرها النضالي في سجون الأسدين. وإن كان الرئيس الشهيد ياسر عرفات في القرن الفائت قد تحدث عن أعضاء اللجنة المركزية واصفا إياهم بأنهم يجتمعون في الجنة، فإن أعضاء اللجنة المركزية الحالية اجتمعوا في معتقلات نظام الممانعة الكاذب، مثل الدكتور سمير الرفاعي سفير فلسطين في دمشق، وروحي فتوح رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، والقيادي عزام الأحمد، والقيادي توفيق الطيراوي، والقيادي محمد المدني، وغيرهم كثير.

ومن اليسير القول إن ما انطبق على الفلسطينيين انطبق أيضا على اللبنانيين، من قتل واعتقال وملاحقة. وإن خسرت فتح في تلك الحقبة الزمنية قائد قواتها سعد صايل، فقد خسر لبنان اسما وطنيا كبيرا ألا وهو كمال جنبلاط. ولعل خسارته الفادحة تمثلت في اغتيال الشهيد رفيق الحريري.

وفي سياق متصل، لا تتسع مقالة متواضعة لذكر أسماء وصفات ومناصب من فقدوا حياتهم قتلا على يد النظام السوري، أو فقدوا جزءا من حياتهم داخل معتقلاته، لكل من الفلسطينيين واللبنانيين على وجه التحديد. وعليه، كان خبر سقوط النظام بردا وسلاما على الجزء الغالب من كلا الشعبين، وكان نارا وجمرا على من رهنوا عقولهم ووطنيتهم له، وقاتلوا أبناء جلدتهم انصياعا لأوامره ونرجسيته المتغطرسة.

◄ خبر سقوط نظام بشار الأسد كان بردا وسلاما على الجزء الغالب من كلا الشعبين وكان نارا وجمرا على من رهنوا عقولهم ووطنيتهم له، وقاتلوا أبناء جلدتهم انصياعا لأوامره ونرجسيته المتغطرسة

فمن المؤكد أن سقوط النظام حقق المصالح العليا لكل من الفلسطينيين واللبنانيين، لأنه بكل بساطة لن يكون هناك من يفرّقهم ويغذي نزعات الانفصال والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد. ولهذا سيضطر من كان يسير في ركب نظام التشبيح أن يقفل عائدا إلى خيمة وطنه التي تتسع للجميع، والتي دعاهم لها إخوتهم من أبناء الوطن الواحد عدة مرات، ولكن الأسد كان يحول بينهم وبين وحدتهم الوطنية ليظلوا ضعفاء كي يظل يتحكم بأمرهم وقضاياهم العادلة.

الفصائل الفلسطينية الخمسة التي اتخذت من دمشق مركزا رئيسيا لها، فرّ بعض قادتها إلى لبنان بعد سقوط النظام، ومنهم من تبرّأ من قيادته. وأصدرت حركات بيانات لفصل البعض بشكل نهائي، كما فصلت القيادة العامة خالد جبريل، ابن مؤسسها وقائدها التاريخي أحمد جبريل، والذي كان يشغل منصب نائب أمينها العام طلال ناجي. وفصلت حركة فتح المنشقين رئيسها زياد الصغير، الذي يقال إنه فرّ إلى لبنان كما فرّ خالد جبريل. وإن كانت هذه الحركات قد جمّدت مشاركتها في اجتماعات منظمة التحرير بعد أوسلو، ورفضت العديد من الدعوات لحضور اجتماعات المجلس المركزي، كان آخرها قبل عامين عندما ترأس أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب وفدا من قيادات فتح واجتمعوا بفصائل دمشق وعملوا على إقناعها ولكن بلا جدوى.

وفي المقابل، نجد أن القيادة السورية الجديدة ترفض التدخل في شؤون الدول العربية، وطوت صفحة النظام السالف وتغوّله على أشقائه العرب. وهذا يظهر في تصريحاتها المطمئنة لكل من اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء.

تشير تطورات الأمور بعد خلاص الأمة العربية والإسلامية من نظام الأسد إلى أن الفصائل الفلسطينية آنفة الذكر ستساهم وبكل فاعلية في أي اجتماع مقبل قد تُدعى له من قبل القيادة الفلسطينية في الوطن، كونها لن تجد أي بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية. فهو خيارها الوحيد والأوحد، لا مناص. ولن تجد من يثير الفتن وينصر الفلسطيني على أخيه الفلسطيني، ليكونا لقمة سائغة أمام إسرائيل.

9