فزاعة فلول البشير لم تعد كافية لإسكات غضب السودانيين

الخرطوم - لم يعد قيام السلطة الانتقالية في السودان بفضح مخططات فلول النظام السابق كافياً لخفض مستوى الغضب السياسي والشعبي في البلاد بعد أن توالى الإعلان عن كشف العديد من الوقائع دون أن تثبت السلطة الحاكمة جديتها في التعامل مع روافد النظام السابق في ظل تزايد الخلافات داخل صفوف القوى المحسوبة على الثورة.
وكشفت لجنة إزالة التمكين عن مخطط جديد لإجهاض ثورة ديسمبر بالسلاح والمظاهرات تزامناً مع ذكرى انقلاب نظام الرئيس السابق عمر البشير على السلطة المدنية في الـ30 من يونيو 1989، واتهمت عناصر تابعة للنظام السابق من داخل سجن كوبر الشهير بتدبير مؤامرة وصفتها بـ”الخطرة”.
وقال عضو لجنة إزالة التمكين وجدي صالح “إن أنصار النظام السابق خططوا بالعمل المسلح، ومن خلال كتائب مسلحة، للإجهاز على الثورة”، لافتا إلى أن قيادات النظام السابق الموقوفة “متورطة في هذا المخطط، وتم ضبط أجهزة هواتف جوالة بحوزة عناصرها، وبينهم الرئيس المخلوع عمر البشير، فيها معلومات مهمة ستُكشف لاحقا”.
جاء الإعلان عن المخطط بعد أيام قليلة من طرح رئيس الحكومة عبدالله حمدوك مبادرة لتوحيد القوى الوطنية، ما أثار جدلاً لأن المنوط به الكشف عن مخططات تهديد الأمن والانقلاب على الثورة هو الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وليس لجنة إزالة التمكين، وهي لجنة تختص بتطهير الأجهزة الحكومية من فلول البشير.
وأوضح الباحث والمحلل السياسي محمد تورشين أن الإعلان عن مخطط للانقلاب على الثورة في غياب الأجهزة الأمنية يبرهن على حجم الخلافات بين أطراف الحكم، وأن ما يمكن تسميته بـ”شهر العسل” بين المكوّنين المدني والعسكري انتهى أو على وشك الانتهاء، لأن مسألة حفظ الأمن من اختصاص الأجهزة الأمنية المختلفة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن أنصار النظام السابق يستفيدون من هذه الخلافات ويكثفون تحرّكاتهم للانقضاض على المرحلة الانتقالية، مستغلّين علاقتهم مع أطراف داخلية وخارجية بدأت تمهّد لهم الطريق نحو تحقيق أهدافهم.
وأشار تورشين إلى أن تصاعد الحديث حول مخاطر “مخططات الدولة العميقة” و”الثورة المضادة” كلما اشتد الخلاف داخل السلطة يرمي إلى استعطاف الشعب أكثر من كونه محاولة للتعامل مع الأخطار الحقيقية التي تأتي من جهة فلول البشير.
والتزمت الأجهزة الأمنية الصمت حتى منتصف نهار الجمعة على ما جاء في المؤتمر الصحافي الذي عقدته لجنة إزالة التمكين، وتضمن الكشف عن تورط اثنين من مديري البنوك وموظفين كبار في الاتجار بالعملة وتوظفيها لصالح مخطط فلول البشير.
ويرى مراقبون أن المواطن العادي لم تعد لديه الثقة الكافية للتعامل مع فضح ممارسات أنصار البشير كخطر يهدد البلاد، لأن السلطة الانتقالية لم تضع خطة فاعلة لمواجهتهم، ولا توجد لديهم قابلية لتصديق كل ما تُعلن عنه لجنة إزالة التمكين.
ودخلت اللجنة في صراعات مع أجهزة حكومية وعسكرية الفترة الماضية، وبدت كأنها سلطة تنفيذية موازية بسبب افتقاد التناغم بينها وبين الجهات الرسمية الأخرى.

ولم تصدر أحكام رادعة بحق الكثير من عناصر النظام البائد، وتعرضت جهات قضائية لتجميد دورها ولم يجر التوافق بين أطراف السلطة على تعيين نائب عام ورئيس للقضاء، بينما بدت الحكومة منفتحة على قوى لها علاقة بنظام البشير، كذلك الحال مع المكون العسكري وكلاهما يريد عدم خسارة تلك الكتلة لدعم موقفه السياسي.
وينظر البعض إلى لجنة إزالة التمكين على أنها جهة لها أهداف سياسية خفية، ولا تحظى قراراتها بقبول واسع مثل الأجهزة العدلية، وتطغى على قراراتها الصيغة الإدارية مع أنها سدت الكثير من منافذ الحركة أمام فلول البشير في العديد من الوقائع.
ونوه رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل إلى أن السودان يقضي فترته الانتقالية من دون محكمة دستورية، وهناك اعتقاد بأن عرقلة تشكيلها يرجع إلى إفساح المجال أمام لجنة إزالة التمكين للمضي باتجاه اتخاذ قرارات ضد فلول البشير، ما وضع اللجنة في مواجهة انتقادات بشأن تجاوزها للدستور ومصادرة ممتلكات وأموال دون حكم قضائي.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الكثير ممن طالتهم قرارات اللجنة لم يتمكنوا من الاستئناف القانوني ضدها لأنها عطلت الاستئناف على إجراءاتها، في حين أن استكمال الجهات القضائية للقرارات الصادرة عنها أمر مطلوب لتكون نهائية.
ويعتقد مراقبون أن استمرار الوضع القائم لم يعد مقبولاً، وهناك اعتراف مباشر من جانب حمدوك بالفشل عبرت عن محتواه مبادرته الأخيرة، وحديثه عن مراجعة أداء لجنة إزالة التمكين ليس كافياً لإصلاحها لأنها تحمل وجها سياسيا، ما يفرض تكوين مفوضتي الفساد والخدمة المدنية وإحالة ملف اللجنة إليهما لمراجعتها.
وتمر القوى السياسية المحسوبة على ثورة ديسمبر بفترة تعد الأصعب منذ بدء المرحلة الانتقالية بعد أن وصلت الخلافات إلى تشظي مكونات قوى الحرية والتغيير، ما أفرز ثلاثة تيارات متصارعة.
الأول يتحالف مع الحركات المسلحة ويتمسك بالطريق الحالي، ويمثله المجلس المركزي للحرية والتغيير والجبهة الثورية التي وقّعت على اتفاق السلام.
والثاني يقوده حزب الأمة القومي ومعه أحزاب ومنظمات ناشطة في المجتمع المدني وشكلوا لجنة لإصلاح التحالف الحكومي، وقاد هذا التيار انسحاب إعلان تحالف نداء السودان من عضوية المجلس المركزي للحرية والتغيير أخيرا، ويرى ضرورة إدخال تعديلات شاملة على الحاضنة الحكومية وتوسيع قاعدتها.
والتيار الثالث انشق عن قوى الحرية والتغيير وينادي بإسقاط الحكومة ويقوده الحزب الشيوعي مع تجمع المهنيين، ويتخذ مواقف تتقارب أحيانا مع أهداف فلول البشير من جهة التخلص من الوضع القائم دون أن يكون هناك تعاون أو تنسيق مباشر بينهما.
ويقول متابعون إن حراك الشارع في الـ30 من يونيو (الأربعاء القادم) قد يجبر أطراف السلطة الانتقالية للذهاب إلى حلول لم يجر تداولها من قبل، مثل فض الشراكة بين المدنيين والعسكريين والعودة إلى شرعية الشارع ليقرر الشعب مستقبله.