"فجأة في الصيف السابق" مسرحية تثير الرعب في المشاهدين

تدور أحداث مسرحية “فجأة في الصيف السابق” التي كتبها الأميركي تينسي ويليامز وأخرجها للمسرح الفرنسي ستيفان برونشفيك في ثلاثينات القرن الماضي، وقد أثارت الكثير من الجدل حيث عرضت للمرة الأولى عام 1958 وخصوصا أنها تتطرق لموضوع المثلية الجنسية التي يُظنّ أن ويليامز كان “يتعالج” منها في تلك الفترة بوصفها مرضا، فهذا التابو الذي يناقشه ويليامز والذي نراه في عدد من نصوصه الأخرى كان في تلك الفترة محرّما حتى ذكره.
حديقة غرائبية
لا نرى في المسرحية أيّ ذِكر للمثليّة بصورة مباشرة بل مجرد إحالات وتوريات عنها، فسيباستيان الشاعر الحساس المرهف كتب خمسا وعشرين قصيدة لا نعرف منها شيئا، لكن حسب كلام والدته فهو في بحث دائم عن الإله، هو يتأمل ما حوله بحثا عن تجليّ مرئي له، هذه الحساسية ما نلبث أن نراها تنقلب وتتحول إلى رعب وقلق إثر تكشّف الأحداث شيئا فشيئا.
مسرحية “فجأة في الصيف السابق” التي تعرض حاليا على خشبة مسرح “الأوديون” الباريسي تبدأ بعد عام من موت سيباستيان وتدور أحداثها في الحديقة الغرائبية التي أنشأها بنفسه، حيث تستقبل والدته فيوليت طبيب أعصاب تريد التبرع للمشفى الذي يعمل فيه من أجل تطبيق علاج طبي جديد على كاثرين التي رافقت سيباستيان في رحلته، وهدف العلاج القائم على إدخال قضيب معدني في رأس كاثرين هو إسكاتها بوصفها تشوّه سمعة سيباستيان الشاعر حسب اتهام فيوليت.
نكتشف لاحقا أن حكاية سيباستيان ليست كما تقولها والدته، فالأخيرة التي كانت ترافقه كل صيف تتهم كاثرين بسرقته منها إثر الأزمة القلبيّة التي أصابتها، وأنه بعد اختياره لها لمرافقته، قامت بقتلته في أوروبا، إلا أن كاثرين التي أُودعت مصحّا عقليا إثر عودتها تمتلك الحقيقة كاملة والكل يحاول إسكاتها حتى والدتها وشقيقها.
المسرحية تترك انطباعا بالرعب، نتيجة الوحشية التي تتعرض لها البطلة إثر الممارسات الطبية المستخدمة
لوثة جنون
بعد أن يحقنها الطبيب بمصل الحقيقة نراها تخبرنا بما حدث، ففي ذات الحديقة التي كان سيباستيان يرعاها نستمع كيف تصف كاثرين أنها ووالدته كانتا مجرد واجهة له لتحميانه من مثليّته، بل حتى أنهما سهّلتا له التعرف على الشباب الصغار الذي كان يستلطفهم، وفي رحلتهما إلى أوروبا وبعد أن تعرّف على مجموعة منهم نراه في النهاية يتحول إلى وليمة لهم يلتهمونه في طقوس غرائبية تترك كاثرين مشدوهة وشبه فاقدة لعقلها.
تترك المسرحية انطباعا بالرعب لدى المتلقي فالوحشية التي قد تتعرض لها كاثرين إثر الممارسات الطبية المستخدمة تثير الفزع، يتصعّد ذلك إثر الجو المشحون دوما بانتظار اعتراف كاثرين وخصوصا أننا في فضاء الحديقة المبنية بعناية لتشبه جنة استوائية والتي ما تلبث أن تتحوّل إلى ما يشبه غرفة في مشفى حين تبدأ كاثرين بالكلام، وكأن جميع من يشهد ما يحدث أشبه بالممسوسين بلوثة من جنون، كل هذا ونحن أمام شجرة تصفها فيوليت بأنها من أقدم الأشجار في العالم، هي أشبه بانتصاب أبديّ ينتظر لحظة الإنزال، لحظة الانفكاك من كل التوتر وتجليّ الحقيقة عارية دون أيّ مواربات أو مقاومة تُذكر.
ترتبط المسرحية بويليامز شخصيا فهي تصور معاناته في العلاج النفسي من جهة، إلى جانب رفضه لمثليّته الجنسية من جهة أخرى، بل حتى أن المسرحية في أول عرض لها نالت الاستحسان من الأوساط المحافظة بسبب النهاية الوحشية التي تعرّض لها سيباستيان بوصفه مثليا جنسيا.
نحن نشهد ما حدث بعد عام من اختفاء سيباستيان، فالموت لا يحدث أمامنا على الخشبة، نحن نشاهد نتائجه وانهيار كل من كان متورّط فيه، ليكون سيباستيان أشِبه بمرض يعدي الآخرين، هو كالشِعر داء يصيب كل من يتعرض له، وفي حالة سيباستيان المصير هو انهيار كل من كان على تماس معه.