فتوى بلا عمامة

مصر ابنة إفتاءات المفتين، وليس المنظومة التعليمية أو الأكاديمية أو الفكرية للحلول. إن مجرد التفكير في الأمر يبدو متعبا.
الخميس 2025/02/06
فراغ فكري وعلمي

العالم متذمر. ما يجمع الناس الآن على الاحتجاج أكثر مما يجمعهم على أي شيء آخر. لسبب ما قرر الناس أن كل ما يحدث اليوم هو خطأ، متراكم أو جديد. الأصوات نفسها في الغرب والشرق، حتى وإن كانت بنبرات مختلفة، تُجمع على أن مسيرة العالم خاطئة مهما كانت الغاية منها أو الإرادات التي تسيّرها.

وصول الشعبويين إلى السلطة كما نعرف هو تجسيد لهذا الاحتجاج. لا تهم الرسالة التي يحملها الشعبوي، طالما أنها تقول الكلام نفسه الذي أجمعت عليه الأكثرية. وسواء أسمعنا كلاما من هرطقات دونالد ترامب أم الكلام المنمق للزعماء الأوروبيين الشباب الصاعدين، فإن النتيجة واحدة.

هل لدينا طريقة لمواجهة التذمر. لا شك أن العالم يواجه عجز الإمكانيات. كلما رتبت الكرة الأرضية معطياتها لتواجه مليارا سكانيا زائدا، وجدت أن مليارا آخر في الطريق. المشكلة سكانية بالدرجة الأولى، بكل ما يعنيه هذا من طلبات في الخدمات والأمن والغذاء والطاقة، وعد ولا تحص.

نقف أمام مفارقات مذهلة. تصور أن بلدا مثل مصر جند جيشا من المفتين للإفتاء في كل صغيرة وكبيرة تمس حياة الأفراد. ليس هذا وحسب، بل هو يقدم ذلك من ضمن الإنجازات، سواء حسبته تدخلا من السلطة لترتيب الأمور أو اعتبرته تدخلا منها لمنع تسلل الإفتاءات المتطرفة. مصر ابنة إفتاءات المفتين، وليس المنظومة التعليمية أو الأكاديمية أو الفكرية للحلول. إن مجرد التفكير في الأمر يبدو متعبا. كيف تعالج مشاكل 110 ملايين مصري بسلسلة فتاوى. سنصل، هذا إذا لم نكن قد وصلنا بعد، إلى السؤال إن السماد العضوي –أو الكيمياوي– الذي يصنّع أو يستخدم حلال أم حرام، وليس فكرة انعكاساته على الصحة العامة، إن كان يتسبب في أخطار تهدد حياة الناس.

هذه المنظومات الاستبدالية خطيرة لأنها غير مبنية على منظومة علمية أو فكرية حقيقية. ربما تكون قائمة على منظومة قيمية دينية، تحول الاحتجاج والتذمر إلى مطالبة بالإفتاء “لكي تستريح نفسي”. لكن هذه الأشياء واردة في نطاق محدود ولا تقدم حلولا حقيقية ولا طويلة الأمد مثلما يدرك الجميع.

خذ هذا العمود الذي كتبته؛ نتيجة للوضع الذي دفعنا إلى هذا الفراغ الفكري والعلمي، صارت كلمات العمود تسوق الكاتب إلى مجال التنفيس، وتحولت إلى ما يشبه الإفتاء الثقافي المفتعل في محاولة العثور على حلول.

التقنيات تقدم لنا الكثير من الأدوات ونحن نسعى لتسخيرها في إنجاز ما يفيد. ها نحن نستفيد منها لكي تصبح التغريدة، أو البوستة من منبر السوشيال ميديا، فتوى بلا عمامة. الفرق ربما أنها غير ملزمة أو لا تورط كاتبها مع سلطة. تذمروا وسأفتي بطريقتي الخاصة لعلنا نجد سواء السبيل.

18