"فتوى" الغنوشي الدستورية عن دور الرئيس تفاقم الشقاق في تونس

تونس - دفع رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي الذي يرأس أيضا البرلمان التونسي، برسالة سياسية تتضمن نزعة نحو تعميق الأزمة بين الرئاسات الثلاث عندما اعتبر دور الرئيس قيس سعيد رمزيّا.
وقال الغنوشي في هذه الرسالة التي جاءت على شكل “فتوى” دستورية، إن دور الرئيس التونسي في الدولة “رمزي وليس إنشائيا”، وذلك في قراءة للواقع لا تخلو من الاستفزاز المباشر للرئيس قيس سعيد، عبر الانتقاص من صلاحياته التي ضمنها دستور البلاد في فصوله من 72 إلى 88.
وذهب الغنوشي في كلمة ألقاها خلال حوار افتراضي مباشر على تطبيق “زوم” مع مجموعة من الناشطين على فيسبوك، إلى اتهام الرئيس قيس سعيد ضمنيا بالتلاعب بالدستور، قائلا إن تعطل إنشاء المحكمة الدستورية “فتح باب تأويل الدستور من قبل رئيس الجمهورية”.
وأقر في المقابل بأن تونس تعيش اليوم صعوبة المزج بين النظاميْن الرئاسي والبرلماني، مقترحا أن يتم تغيير النظام السياسي والذهاب إلى نظام برلماني بالكامل يتم فيه الفصل بين السلطات الثلاث وتكون السلطة التنفيذية كلها بيد الحزب الفائز في الانتخابات الذي يقترح رئيس الوزراء.
وتشير تصريحات الغنوشي من خلال هذا الاتهام الضمني للرئيس سعيد، وما رافقه من إقرار بفشل النظام السياسي المعمول به حاليا في البلاد، إلى أن رئيس البرلمان لا يجنح نحو التهدئة السياسية بعد تفاقم الأزمة بين رئاسات الجمهورية والحكومة والبرلمان.
وانتقد الغنوشي الرئيس قيس سعيد بسبب تلويحه برفض أداء عدد من الوزراء الجدد الذين شملهم التحوير الوزاري الأخير اليمين الدستورية أمامه، قائلا “إنه (قيس سعيد) يمتنع عن قبول أداء القسم للفريق الجديد من الوزراء وبالتالي هو رافض للتعديل الوزاري، ويعتقد أن له الحق في أن يقبل بعض الوزراء ويرفض البعض الآخر”.
ودافع عن الوزراء الجدد في حكومة هشام المشيشي الذين تُلاحقهم شبهات “الفساد وتضارب المصالح”، قائلا إن “تهمة الفساد حكم يصدره القضاء”، واعتبر أن الاتهامات الموجهة إليهم “مجرد مكائد هدفها إسقاط التعديل الوزاري”.
ويعترض الرئيس سعيد على أربعة وزراء جدد في حكومة المشيشي، ويرفض أن يمثلوا أمامه لأداء اليمين الدستورية قبل مباشرة مهامهم، وذلك بعد خمسة أيام من حصول التعديل الوزاري على ثقة البرلمان بأغلبية مريحة، الأمر الذي أدخل البلاد في أزمة دستورية تهدد بشلل مؤسسات الحكم في البلاد.
وينطوي الخلاف بين الرئاسات الثلاث على تداعيات ترفع من منسوب الأزمة المُرشحة للمزيد من التفاقم، وسط سجالات حادة تباينت فيها المواقف والآراء.
واعتبر محسن النابتي، الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي التونسي، ما قاله الغنوشي “صبَّ الزيت على النار، وكشفًا لنواياه الانقلابية المُبيتة من خلال تفسير أحادي للدستور، ويؤكد أن طموحه أكثر من رئيس برلمان، ويريد أن يكون خليفة للدولة يتصرف في كل شيء وبكل شيء”.
ودعا النابتي في تصريح لـ”العرب” الرئيس قيس سعيد إلى “الثبات وعدم تمكين الغنوشي من رقاب الشعب، وأن يبقى بعيدا عن أسلوب التسويات واقتسام الغنائم الذي مارسه الغنوشي مع العديد من السياسيين، ذلك أن البلاد في مفترق طرق يتطلب مواقف وطنية حاسمة للقطع مع المخاتلة والتمكين”.
ومن جهته، اعتبر الباحث السياسي التونسي خالد عبيد أن ما ذكره راشد الغنوشي في كلمته “يندرج ضمن إطار الأزمة – القطيعة بين رئاسة الجمهورية من جهة ورئاسة الحكومة والبرلمان من جهة أخرى”.
وقال عبيد في تصريح لـ”العرب”، إن ما يجري “هو إحياء لأمل قديم عندما كانت حركة النهضة في الحكم، ودفعت كي يكون النظام برلمانيا خالصا في الدستور المزمع كتابته وقتها، لكنها فشلت في ذلك، وها هو الغنوشي اليوم يحاول ذلك على خلفية الانسداد الحالي الذي يريد من خلاله تحميل المسؤولية حصريا لرئيس الجمهورية والتنصل منها”.
ورأى محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس، كلام الغنوشي عن دور رئيس الجمهورية، بغض النظر عن شخص الرئيس، “تعبيرا صادقا عن فكره الانقلابي”.
واعتبر مرزوق في تدوينة نشرها الأحد في حسابه على فيسبوك، أن ما قاله الغنوشي حول ضرورة إرساء نظام برلماني كامل “هو تعبير أصدق عن رغبة الإخوان في هذا النظام الذي يفكك الدولة الوطنية”.
وشاطر هذا الرأي عبيد البريكي، رئيس حركة تونس إلى الأمام؛ إذ وصف في تدوينة له نشرها الأحد كلام الغنوشي بـ”الانقلاب”، قائلا “إن الغنوشي الذي انتخبه بضعة آلاف يدعو إلى الانقلاب على رئيس انتخبه ما يقارب ثلاثة ملايين ناخب”.