"فتح أبواب السينما" يحتفي بمسيرة محمد ملص

التظاهرة تضم عرض خمسة أفلام مكرسة لخمسة من السينمائيين في العالم والذين حقّقوا مكانة كبيرة في سينما أوطانهم.
الثلاثاء 2019/11/26
محمد ملص الإنسان والفنان سيّان

استحدثت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في دورته الحادية والأربعين، برنامجا جديدا بعنوان “بانوراما خاصة: مواهب سينمائية”، حيث يتم من خلاله عرض لتاريخ خمسة سينمائيين عرب وعالميين، منهم المخرج السوري محمد ملص، الذي شارك في عدة دورات سابقة لمهرجان القاهرة، حيث عرض المهرجان فيلما يتناول تاريخه السينمائي، من إنتاج لبناني إماراتي، بعنوان “فتح أبواب السينما: محمد ملص” إخراج نزار عنداري.

البداية كانت مع كتاب “سينما محمد ملص: رؤى مخرج-مؤلّف سوري” الذي صدر في الولايات المتحدة عن سلسلة “دراسات بالغريف في السينما العربية” بتوقيع كل من الأميركية سميرة القاسم من صندوق القدس للتعليم وتنمية المجتمع ونزار عنداري المخرج السينمائي والأستاذ في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة زايد في أبوظبي. ثم تطور الأمر لأن صار المشروع فيلما سينمائيا أخرجه نزار عنداري وكان موضوعه محمد ملص.

من هناك، قدّم المخرج نزار عنداري في النسخة الحالية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي فيلمه “فتح أبواب السينما: محمد ملص” في عرضه العالمي الأول، وذلك ضمن تظاهرة “بانوراما خاصة: مواهب سينمائية” والتي كان هدفها الإجابة على سؤالين: ماذا يعني أن تكون مبدعا؟ وما الأثر الذي يتركه فنان السينما في عالمه؟

تضم هذه التظاهرة عرض خمسة أفلام مكرسة لخمسة من السينمائيين في العالم والذين حقّقوا مكانة كبيرة في سينما أوطانهم، وهم: الفيلم البرازيلي “بابينكو: أخبرني عندما أموت” من إخراج بربرا باز، وتدور أحداثه حول المخرج الراحل هيكتور بابينكو. وفيلم “شغف آنا مانياني” من إخراج إنريكو شيراسيولو، ويتناول قصة الممثلة آنا مانياني أيقونة سينما الواقعية الجديدة في إيطاليا.

أما الفيلم الثالث، فهو “فورمان ضد فورمان” من التشيك، إخراج هيلينا تريشتيكوفا وجاكوب هيجنا، ويتناول سيرة المخرج العالمي ميلوش فورمان. فيما يتناول الفيلم الرابع مرحلة من حياة المخرج الإسباني الشهير لوي بونويل، وهو بعنوان “بونويل في متاهة السلاحف” من إنتاج إسباني هولندي ألماني مشترك للمخرج سلفادور سيمو.

"فتح أبواب السينما: محمد ملص" رصد بكثير من التأني مراحل متعددة في حياة محمد ملص فنيا وفكريا وسياسيا
"فتح أبواب السينما: محمد ملص" رصد بكثير من التأني مراحل متعددة في حياة محمد ملص فنيا وفكريا وسياسيا

فيلم مكرس

الفيلم الخامس الذي تناولته تظاهرة “بانوراما خاصة: مواهب سينمائية”، هو الفيلم اللبناني الإماراتي “فتح أبواب السينما: محمد ملص”، الذي أتى بوحا شفافا في خبايا حياة المخرج السوري محمد ملص المبدع والإنسان، الأمر الذي خلق فيه أمزجة مختلفة تتساوق من بعضها البعض، ترجمها المخرج نزار عنداري باستخدام أكثر من لغة سردية سينمائية في الفيلم.

وعن هذا التفصيل يقول عنداري “حاولت أن أقدّم الفيلم بطريقة عصرية مستخدما طرائق سينمائية تعرف الآن في وثائقيات تتحدث عن شخصيات محددة. الفكرة التي كانت تؤرقني، أنني أريد الوصول بالمشاهد لأن يعي بأن في هذه الرحلة السينمائية إبحارا في بيت السينما، حيث الإنسان المفعم بالعلم والثقافة الفنية والسينمائية”.

ويضيف “عندما أنهيت العمل كانت لديّ ست ساعات من المواد المصوّرة وحوالي العشرين ساعة من سينما محمد ملص، وهذا ما كان يدفعني لأن أنفّذ الفيلم بزمن أكبر، ربما في تسعين دقيقة أو حتى أكثر، ولكنني توقفت بحزم هنا تجاه حالة التماهي الفني وأردت أن أصنع شيئا جديا ووافيا وموضوعيا، فكان الفيلم قرابة الساعة، حاولت فيها أن أشعر المتلقي بأن ما يتابعه عن محمد ملص يشبه إلى حد بعيد أي إنسان عادي، لذلك قدّمته باللقطات السينمائية العائدة له وفي ما يشبهها: انعكاس الماء، السمكة، الباب، النافذة وتفاصيل أخرى. أردت من خلالها أن أثبت حالة التكامل بين سينما ملص وسينما الفيلم الذي نقدّمه”.

رصد الفيلم بكثير من التأني مراحل متعددة في حياة محمد ملص فنيا وفكريا وسياسيا، بدءا من الطفولة في مدينة القنيطرة التي نشأ فيها وتعرّفه على فن السينما، مرورا بدراسته في موسكو ومشاركته نفس الغرفة مع الروائي المصري صنع الله إبراهيم، إلى استعراض مجموعة من أفلامه. فكانت كاميرا عنداري تتابع بحماس وأحيانا بمكر محبب حيثيات دقيقة في تلك الحياة.

يقول عنداري “في حياة محمد ملص مغامرات إنسانية وفنية كبرى، وتفاصيل تتداخل فيها أشكال الحياة، أرى أن السينما سجل كامل للحياة، بل هي الحياة بتفاصيلها. لم أنو أبدا أن أصنع فيلما دعائيا عنه، لذلك عندما صوّرت العمل اتجهت لأماكن مختلفة وحالات يبدو لي أنها لم تسجل معه سابقا”.

وعلى مستوى المونتاج يؤكد المخرج أنه عمل على إضفاء روح جديدة على مادته السينمائية تتناسب مع اللحظة السينمائية النادرة التي سجلها، ويقول “كنت موقنا أنني أمام قامة سينمائية مختلفة، بدأت مسيرتها النضالية في الحياة والسينما مبكرا. من يعرف سينما ملص سيعي أنه منذ فيلم ‘القنطيرة 74’ ينتقد الحالة الإعلامية والفنية وغيرها التي كانت سائدة، وأنه استمر على هذا النهج الذي ربما كلفه بعض الخسارات لكنه أكسبه رصيدا محترما عند السينمائيين”.

أيقونة عربية

ومضات عن مخرج سوري استثنائي في فيلم لبناني إماراتي
ومضات عن مخرج سوري استثنائي في فيلم لبناني إماراتي

شهد فيلم نزار عنداري خلال فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الحالي، تقديم العرض العالمي الأول له، وذلك أمام جمع من المهتمين والمتابعين لفن السينما في العالم.

وعن المهرجان يقول “القاهرة السينمائي هو أحد أهم المهرجانات السينمائية الدولية ويتمتع بمكانة مرموقة. وأن يقدّم لي فيلم في هذا المهرجان الكبير وعن قامة سينمائية كبيرة، فإن هذا أمر يشرفني ويسعدني طبعا. لن أقول إلاّ أن محمد ملص جدير بأن تصنع عنه أفلام، ولعل مسألة إنتاج أفلام عن آباء وأمهات السينما العربية جديرة بالاهتمام. فنحن نمتلك العديد من الأسماء التي يمكن أن تقدّم في سينما خاصة للاحتفاء بهم وبمكانتهم في سينمانا”.

يطالب نزار عنداري المسؤولين على صناعة السينما في العالم العربي بمزيد تشجيع تمويل مثل هكذا أفلام التي تروي سيرة ومسيرة أيقونات السينما العربية، وأن يقدموا جهدا أكبر في عملية ترميم سينما بعض الأفلام القديمة التي أصبحت جزءا من التراث السينمائي العربي، والتي وجب المحافظة عليها لأهميتها القصوى، مستشهدا بقوله “جميعنا يعلم عن الترميم الجيد الذي كان لفيلم المومياء لشادي عبدالسلام، حيث أرجو أن يمتد الاهتمام أكثر فأكثر لترميم أفلام أخرى لمخرجين آخرين”.

المخرج نزار عنداري يرى من الضروري أن يهتم صناع الأفلام العرب بإنتاج أعمال عن آباء السينما العربية وأمهاتها

وعبر دقائق الفيلم قدّم عنداري مادته من خلال الحديث المباشر لملص حينا والحركة حينا آخر، وكان حديث ملص متأرجحا بين الزمن الحالي والمفترض وبين الحقيقة والخيال والرؤى.

ويرى عنداري أن المزج في هذه الحالة يعطي الفيلم جمالا أكبر، قائلا “كم تمنيت لو أنني امتلكت زمنا أكبر في الفيلم، لأوجدت مزيدا من هذه السينما المليئة بالإبداع. فسينما محمد ملص وحياته الإبداعية كفيلتان بأن تقدّما مادة غنية لساعات طوال، يمكن من خلالها مزج الحقيقي بالواقعي بالحلم واليقظة”.

ويسترسل “في السينما السورية والعربية الكثير من المواضيع الهامة التي تصلح لتقديمها بهذه الشاكلة، فمن يعرف مثلا مرحلة سبعينات القرن الماضي، سيعلم أنه كان في سوريا محمد ملص وعمر أميرالاي وأسامة محمد وغيرهم، الذين أوجدوا حراكا سينمائيا هاما، منها النادي السينمائي الذي قدّم المئات من الأفلام وكذلك المحاضرات التي شكلت للكثير من المتابعين خلفية ثقافية كبرى في فن السينما. هذا النادي الذي قدّم الحركة السينمائية دون حواجز، وأنا أعرف أن هناك أفلاما قد تم عرضها من إثيوبيا مثلا في فعاليات هذا النادي”.

وعن الجهود التي بذلت في إنجاز الفيلم يؤكد نزار عنداري “لولا جهود وإيمان فريق العمل كاملا، بدءا من الجهة المنتجة وحتى أصغر فني لما وصلنا هنا، وأنا مدين لكل هؤلاء بكل الشكر، خاصة الفنان محمد ملص الذي لم يعتبر المشروع فيلما سينمائيا يحقّق عنه فحسب، بل كان حاضنا إنسانيا وإبداعيا له، حيث قدّم للفيلم الكثير من ثقافته وعلمه وفنه”.

15