فتحي المزين: نحن بين دولة الأصنام ودولة الشباب

الكتابة بوح وشفاء ووجهة نظر، لا حياد في الكتابة أبدا فمن خلالها يتمّ تسجيل المواقف الواضحة، هكذا يبدأ الكاتب المصري فتحي المزيّن حديثه لـ”العرب” التي التقته في ظلّ ارتباك المشهد الثقافي المصري مؤخرا، حيث أتى إصدار كتابه “18 يوم” ليسجّل من خلاله موقفه من ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، وكذلك عمله الثاني “واحد من الميدان” الذي قدّم له وزير الثقافة المصري عماد أبوغازي وصدّره الروائي الطبيب علاء الأسواني، ليأتي عمله الثالث “خالد ومينا” الذي شكّل حالة في الساحة المصرية من خلال ظروف كتابته وإصداره الذي سبقه اتفاق بين عائلتي الشهيدين خالد سعيد ومينا دانيال، هو اليوم يعمل على رواية تحمل اسم “حزنك ليس سيئا” التي قد ترى النور خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته القادمة.
المشروع التوثيقي
في كتابه الأوّل “18 يوم” يقدّم فتحي المزيّن روايته التاريخيّة لحدث عايشه في ميدان التحرير بالقاهرة من خلال انحيازه التام لجانب الثورة المصرية التي أسقطت نظام حسني مبارك، بينما في كتابه الثاني “واحد من الميدان” لم يعمد إلى استعراض موهبة الكتابة بينما حرص على توثيق تلك الفترة الحرجة من عمر مصر التي تلت نجاح الثورة المصرية بين الحادي عشر من فبراير عام 2011 حتى الثاني من يونيو، من العام ذاته، وفي هذا الإطار الذي اتّخذه ضيفنا لمشواره الأدبي أتى إصدار “خالد ومينا”، الذي يدور حول توثيق كل ما يمت بصلة إلى أحداث وفاة ما يعرف بأيقونة الثورة المصرية خالد سعيد فضلا عن تفاصيل ما حدث في ماسبيرو بالقاهرة ووفاة مينا دانيال، من خلال تقديم مستندات خاصة وحصرية في قضيّتي خالد ومينا.
الأديب الذي يمرر مواقفه ضمن أعماله الأدبية عليه انتظار نضوج الأحداث، بينما كاتب المقالات عليه ألا ينتظر ذلك
يعترف ضيفنا أنّه يسعى إلى التوثيق في الأدب الذي يقدّمه، فالأدب عنده تقييم وتأريخ وتوثيق، ومن هنا جاء الاهتمام بالرواية التي تحتفي بالأوطان وأحزانها وأعمارها وبطولاتها وكل ما له علاقة بالوطن، ضيفنا يرى أنّ الألم خاضع للتوثيق أيضا ليحدث الأمل في ما بعد، وهنا يضرب مثالا بالراحلة رضوى عاشور، التي قامت بتوثيق آلام الفلسطينيين.
رؤيته للأدب لا تقتصر على هذا بل تتعدّاه إلى اعتباره وثيقة تاريخية، لأنّ المزيّن يدرك الفرق بين التاريخ السياسي والتاريخ الأدبي، فالسلطة تكتب عن السلطة ومن هنا يغيب المعيار الواضح للحقيقة، فالكتّاب بالرغم من وقوع الكثير منهم في فلك السلطة إلّا أن الأدب يبقى وثيقة تاريخية تخبر بما حصل، وفي عصرنا الحديث يعتقد الكاتب المصري أنّ الأدب ساهم وبقوة في التقديم لثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، فالشباب الذي يقرأ هو من قام بالثورة، وهنا يستذكر المزيّن مقولة الخديوي إسماعيل “إنّ قيادة الشعب الجاهل أسهل بكثير من قيادة الشعب المتعلّم”، يجزم ضيفنا أنّه من المبكر جدّا القول إنّ الأدب واكب ما يحدث في مصر لأنّ الثورة لم تمرّ عليها فترة زمنية تجعل الحكم واضحا.
|
دولة الأصنام
حديثه قادنا لسؤاله عن موضوعية الرأي حول ضرورة انتظار اكتمال الحدث ليكتب عنه من خارج دائرة الوقوع، وهنا يفرّق ضيفنا بين الأديب والكاتب، فالأديب الذي يمرّر مواقفه ضمن أعماله الأدبية عليه الانتظار لنضوجها مع نضوج الحدث، بينما الكاتب الذي يمارس فعل الكتابة من خلال مقالات سياسية أو نوافذ دائمة فعليه الوضوح في المواقف دون مواربة ودون انتظار اكتمال الحدث.
ضيفنا المشتغل بالساحّة الثقافيّة المصرية يؤكّد وجود دولتين في مصر، بين ضفّة يسميها الدولة القديمة أو دولة الأصنام يقبع فيها المجلس الأعلى للثقافة ووزارة الثقافة المصريّة واتحاد الكتّاب الرسمي، تلك الضفّة تشهد صراعات غير مفهومة كما يقول، بينما تقابلها دولة الشباب التي تمثّلها دور النشر “الشبابية” التي انطلقت بعد ثورة يناير.
هذه الضفّة التي يعتبر نفسه منها حيث يروي بكثير من الحماس عن أقلام جديدة تمّ تقديمها إلى المشهد الثقافي المصري خاصة والعربي عموما وعن مبادرات ثقافيّة وورشات عمل مستمرّة ومعارض كتب شخصيّة وتكريمات عديدة لأقلام نسائيّة وشبابية أثّرت في المشهد عموما، فمن خلال وظيفته كمدير للنشر في دار ليان المصرية يحكي فتحي المزيّن عن رؤيته لعالم النشر التي يقع على عاتقها تقديم صاحب المنتج الأدبي إلى الساحة الثقافية، من خلال إيجاد قسم خاص بأدب الشباب الذي يقوم بالتالي على عاتقه النهوض بالمستقبل، ذلك المستقبل الثقافي الذي يحكمه الأمل في ظل ارتباك المشهد السياسي بمصر، فالسنوات المقبلة ستكون صعبة للغاية كما يرى ضيفنا الذي يعتقد بضرورة الأمل لأنّ التاريخ علّمنا ذلك.