"فاطمة.. السلطانة غير المنسية" فيلم مغربي يعيد للسيرة ألقها

السينما المغربية لم تنتج أفلام سيرة بالزخم الكافي.
الاثنين 2022/03/28
استعادة أيقونة مغربية وتاريخ كامل

تؤرخ سينما السيرة الذاتية لهويات متعددة وتقاليد مختلفة للمجتمع من خلال التركيز على شخصيات أدبية أو فكرية أو سياسية كان لها الأثر في معرفة السلوكيات التي انبنت عليها الثقافة المحلية باعتبارها جزءا من الذاكرة الوطنية، فهل وفّقت السينما المغربية في هذا التوجه، هذا ما سنجيب عليه انطلاقا من فيلم “فاطمة.. السلطانة غير المنسية”.

يعرض حاليا فيلم “فاطمة.. السلطانة غير المنسية” للمخرج المغربي عبدالرحمان التازي، ويقارب السيرة الحياتية والمعارك الفكرية لعالمة الاجتماع المغربية المعروفة فاطمة المرنيسي.

ويوثق العمل لحياة وأعمال الباحثة في علم الاجتماع ذائعة الصيت والمحيط الذي عاشت فيه الكاتبة ومعاركها التي خاضتها دفاعا عن رؤيتها للمرأة المغربية في مجتمع محافظ، ويبدو أن المخرج أراد إبراز الصورة التي عايشها في فترة السبعينات والثمانينات مجتمعا وقيما وعمرانا وعلاقات اجتماعية.

أفلام لكن قليلة

فيلم "فاطمة.. السلطانة غير المنسية" يقدم السيرة الذاتية لعالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي وجانبا من تاريخ المغرب

رغم صعوبة وتركيب الشخصية إلا أن الممثلة مريم الزعيمي قامت بجدارة وباعتراف المخرج بتقمص شخصية عالمة الاجتماع المرنيسي، بصوتها ولهجتها وطريقة عيشها وحركاتها، والتي قالت في تصريحات صحافية إن التجسيد تطلب منها الاطلاع على العديد من الأشرطة التي توثق لمحاضراتها في الجامعات واللقاء بالعديد من الشخصيات الذين عاشروا الراحلة للتمكن من التعرف على شخصيتها عن قرب، هذا بالإضافة إلى الخضوع لتعديلات تجميلية من طرف طبيبة مختصة، من أجل تشبيهها بالكاتبة المرنيسي.

فعندما نتحدث عن السينما وعلاقتها بالسيرة الذاتية لا يمكننا أن نغفل عن استحضار السينما الهندية أو الآسيوية التي قدمت أعمالا مختلفة في هذا الصدد، وتصدرت المشهد إلى حد ما، غير أن السينما المغربية، حسبما يؤكد الناقد والسيناريست محمد مجاهد، ربما بقيت محتشمة في تطرقها لهذا الموضوع، وقد يعتبر الفيلم المذكور “السلطانة غير المنسية” لمخرجه الفنان عبدالرحمن التازي من الأفلام التي ستدخل بالسينما المغربية هذا الباب، وهي مساهمة مهمة لكنه يتساءل هل ستجد ترحيبا معينا يؤهلها لاستمرارية هادفة؟ فهناك أفلام سابقة لكن بقيت معدودة.

فيما يعتبر المخرج ورئيس مركز سجلماسة للدراسات والأبحاث السمعية البصرية عزالعرب العلوي أن العمل على مواضيع السيرة الذاتية في السينما المغربية هو رهان فني وثقافي كبير، يسعى المبدع، مخرجا كان أو كاتب سيناريو، أن يحققه في مساره، خاصة في بلد يسير بخطى بطيئة للتأسيس لإنتاج سينمائي يعبر عن هويته الوطنية المستمدة من روافد تاريخية وثقافية وفكرية واجتماعية متنوعة.

ويوضح العلوي في تصريح لـ”العرب” أن المتتبع لتاريخ السينما المغربية، وفي محاولة لتصنيفها حسب الثيمات، يلاحظ أن سينما السيرة الذاتية قليلة جدا، لأسباب منها عدم وجود جرأة كافية وحس المغامرة، ليس لدى المخرج، بل لدى الجهات المنتجة والممولة للحقل السينمائي ببلادنا لخوض غمار تجربة نقل السير الذاتية من الكتب والمذكرات الشخصية ومن مناحي الحياة الأدبية أو السياسية أو العلمية نحو الشاشة الكبرى.

 وفيلم سيرة عالمة الاجتماع المغربي المرنيسي في نظر الناقد السينمائي محمد مجاهد، في تصريح لـ”العرب”، سيكون بداية متميزة لهذا النوع من السينما، فالمشكلة أن الجهات المعنية ليس في مصلحتها التعامل مع الكاتب الأديب الفنان، فهي تحتاج إلى كتاب من نوع ٱخر، كتاب عاديين يعالجون سطح المظاهر وليست لهم دراية أدبية وتاريخية أو حتى بمعرفة الأعلام والأشخاص، أما الإمكانيات فهي متوفرة سواء منها المادية أو اللوجيستية أو البشرية.

نافذة على التاريخ

Thumbnail

هناك من يعتبر الفيلم السينمائي "نور في الظلام" يدخل ضمن أفلام السيرة الذاتية، وهو فيلم مطول للمخرجة المغربية خولة أسباب بنعمر، الذي عرض الأربعاء التاسع من مارس الجاري بالمدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن بالرباط، حيث يحكي قصة حب بين شاب كفيف (منير) الذي يحلم بأن يصبح مقدم نشرة أخبار، وطالبة في معهد السينما (نور)، شخصان يمثلان عالمين متناقضين، لكنها متكاملان.

وأشارت مخرجة الفيلم إلى أن الفيلم، الذي يتطرق أيضا للفوارق الطبقية واختلافات ألوان البشرة، يطرح أسئلة حول المساواة والعوامل التي تساعد المعاق في تحسين ظروف عيشه، وليس سيرة ذاتية بل رؤية خاصة عن مكفوف يتكلم عن علاقته.

ومن خلال النماذج القليلة في السينما المغربية، فإلى جانب الفيلم الجديد “السلطانة غير المنسية” للتازي يمكن ذكر فيلم القمر الأحمر للمخرج حسن بنجلون حول الملحن عبدالسلام عامر، وكذا فيلم “نصف السماء” للمخرج عبدالقادر لقطع عن الشاعر والمثقف عبداللطيف اللعبي.

وهنا فسينما السيرة الذاتية هي نوع من إشراع النافذة على التاريخ، سواء القريب أو البعيد، حسب العلوي المخرج ورئيس مركز سجلماسة للدراسات والأبحاث السمعية البصرية، مشيرا إلى أنها تتطلب حذرا شديدا من السيناريست والمخرج على حد السواء في التعامل مع كل صغيرة وكبيرة مرتبطة بشخصية العمل المراد نقلها سينمائيا.

 كما يتطلب هذا النمط السينمائي، وفق رأيه، إضافة إلى كافة مقومات الدراما السينمائية لإنتاج فيلم متميز، من سيناريو ذي لغة وخطاب سينمائيين محكمين، أو طاقم فني مقنع ومختار بعناية، عناصر أخرى تتعلق بالإنتاج وبالتمويل وبالتسويق والإشهار الضخم؛ لذلك فالمخرج أو السيناريست يواجه إكراهات مرتبطة بالشق القانوني المتعلق بورثة الشخصيات المراد نقل تجربتها للسينما، وبمحدودية الدعم المرصود لها.

سينما السيرة الذاتية قليلة جدا في المغرب لأسباب منها عدم وجود جرأة كافية وحس المغامرة لدى الجهات المنتجة
سينما السيرة الذاتية قليلة جدا في المغرب لأسباب منها عدم وجود جرأة كافية وحس المغامرة لدى الجهات المنتجة

ويقول عدد من النقاد السينمائيين إن بعض الأفلام المغربية التي تدخل تحت مظلة الأفلام التجارية ويغيب فيها الإبداع الفني وتمعن في الابتذال لا تعنيها معالجة مواضيع تعنى بالسيرة الذاتية الملتصقة بالواقع وقضايا هامة ذات بعد فكري ومجتمعي وسياسي، كون تلك الأفلام تركز على بعض المشاهد الساخنة لاستقطاب المشاهد، وهو ما يؤثر في الغالب على جودة المنتوج السينمائي وتنخفض المنافسة في مسابقات المهرجانات السينمائية الدولية، مضيفين أنه إذا كانت كمية الأفلام الجادة معدودة حتى الكوميدية منها فإن المتخصصة في السيرة الذاتية تكاد تكون معدومة.

ويؤكد العلوي أن الرهان الأكبر يبقى هو التسويق والإشهار للعمل، لجذب جمهور للقاعات السينمائية لمشاهدة هذا النوع من المواضيع الدرامية السينمائية، الذي يمكن أن نصنفه في خانة سينما المؤلف أو سينما الإنتاج الثقافي الإبداعي غير التجاري المهتم بسير الأعلام والشخصيات بغض النظر عن الحقول التي أسهمت فيها.

وعلى العموم شهد إنتاج الأفلام المغربية وعرضها في القاعات السينمائية الوطنية تراجعا نسبيا بسبب حالة الطوارئ وما رافقها من إجراءات سنتي 2020 و2021 قلصت من فرص الاشتغال ومشاهدة الأفلام في القاعات والمهرجانات، كما شاركت بعض الأفلام المغربية الجديدة في المهرجانات السينمائية الدولية وحصل بعضها على جوائز، لكن لا تتحقق فيها شروط السيرة الذاتية، منها “باي باي فرنسا” (2021) لضحى مستقيم، و“مدرسة الأمل” (2021) لمحمد العبودي، و“لو كان يطيحو لحيوط” (2021) لحكيم بلعباس، و“أناطو” (2021) لفاطمة بوبكدي، و“جرادة مالحة” (2021) لإدريس الروخ، و“مرجانة” (2021) لجمال السويسي، و“أوليفر بلاك” (2020) لتوفيق بابا، و“لامورا أو الحب في زمن الحرب” (2020) للمخرج الراحل محمد إسماعيل.

ويقول الناقد السينمائي محمد مجاهد، في تصريحه لـ”العرب”، إنه “بالنسبة إلى السيرة الذاتية في معناها الأول الأدبي فلازلنا ندعو الى خلق المزيد من الفرص في استثمار الأدب/ الكاتب الأدبي الذي يحمل حسا فنيا، لأنه هو المؤهل للكتابة التأريخية والتاريخية، خصوصا وأن فيلم الرسالة: يعد الفيلم العربي الناجح والذي بقي ولا يزال يعرض بنفس الموضوع والشكل والذي تطرق لنوع من السيرة الذاتية العربية. هذا من جهة، ومن أخرى يمكننا قراءة السينما في كل أفلامها من حيث كونها تؤرخ لسيرة معينة سواء تعلق الأمر بالأشخاص أو بمختلف المظاهر الحياتية عبر مراحل من حياة الأشخاص كذلك، ذلك لأن معالجة كل الحالات تنبني على عمل الشخص”.

13