فاضل عبدالكافي لـ"العرب": نحتاج إلى "شرودر تونسي" حتى ننقذ الاقتصاد

النقاشات التونسية حول الأزمة الدستورية الناتجة عن التعديل الوزاري الذي رفض الرئيس قيس سعيد قبوله على اعتبار أنه يضم شخصيات تتعلق بها شبهات فساد -وما تلا ذلك من تصعيد بين الرئاسة والبرلمان- دفعت شقا من السياسيين للدعوة للإسراع في تغيير نظام الحكم. ومع أن هذا الطرح يأخذ حيزا من الجدل يعتقد الوزير الأسبق فاضل عبدالكافي أن الأولوية المغيبة في خضم ذلك هي الاقتصاد. ويرى رئيس حزب آفاق تونس الذي يتسلح بتاريخ طويل في عالم الأعمال خلال حوار مع “العرب” أن الدولة بحاجة إلى “شرودر تونسي” لتفادي كارثة قد تأتي في أي لحظة.
تونس- أدخل التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي المشهد السياسي ببلاده في متاهات أزمة دستورية يصعب الخروج منها، حيث أسست لقطيعة بين أقطاب السلط التشريعية والتنفيذية.
وتزامنت هذه القطيعة مع تفاقم التوتر الاجتماعي وتأزم الوضع الاقتصادي، ما أثار تساؤلات عن الحلول التي يمكن أن يلجأ إليها أطراف الأزمة لإخراج تونس من مأزقها الراهن.
وفي حوار أجرته معه “العرب” أكد وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في حكومة يوسف الشاهد والمنتخب حديثا رئيسا لحزب آفاق تونس ورجل الأعمال فاضل عبدالكافي أن حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية تتحمل مسؤولية تعكير الحياة السياسية في البلاد.
ويشدد عبدالكافي -خريج كلية العلوم الاقتصادية في جامعة باريس 1- على أن الأوضاع الاقتصادية يمكن تغييرها بـ”جرة قلم” من خلال تغيير “القوانين البالية” التي لم تعد تتماشى مع متطلبات الواقع التونسي اليوم، علاوة على “تحرير الطاقات” لدفع عجلة النمو.
مأزق سياسي ودستوري
السيرة الذاتية لفاضل عبدالكافي
• تم ترشيحه رئيسا للحكومة التونسية بعد استقالة إلياس الفخفاخ
• انتخب رئيسا لحزب آفاق تونس في ديسمبر 2020
• رئيس مجلس إدارة بنك تونس العربي الدولي منذ 2020
• وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي بين أغسطس 2016 وأغسطس 2017
• وزير المالية بالوكالة إثر إقالة لمياء الزريبي بين أبريل وأغسطس 2017
• رئيس مجلس إدارة بورصة تونس بين عامي 2011 و2014 ثم عين مجددا في 2017
• عين مديرا للشركة التونسية للأوراق المالية التي تعمل وسيطا في البورصة في 2005
عجل تمرير التعديل الوزاري الذي أجراه المشيشي في البرلمان والذي صادق عليه 144 نائبا بحدوث شرخ عميق في العلاقة بين الرئاسات الثلاث، ما كشف عن المزيد من الهنات في نظام الحكم في تونس.
ودفعت هذه الثغرات راشد الغنوشي -رئيس البرلمان الذي يرأس أيضا حركة النهضة الإسلامية- للدعوة مطلع هذا الشهر إلى تغيير كلي في نظام الحكم من شبه برلماني إلى برلماني كامل، وقال إن “دور الرئيس قيس سعيد رمزي وليس إنشائيا” في تصريح أثار جدلا واسعا. وقد لاقى هذا التصريح استنكارا من قبل قوى تونسية معارضة لاسيما أنه يتنزل في خضم أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة تشهدها البلاد.
وفي تعليقه على كلام الغنوشي يقول عبدالكافي “هذا لا يمكن إلا أن يعمق الأزمة السياسية بين السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية) والسلطة التشريعية، لكن الأهم الآن هو المضي في حوار وطني في إطار مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل” -في إشارة إلى المبادرة التي طرحها الاتحاد، المركزية النقابية ذات النفوذ الواسع في تونس- التي لا تزال تراوح مكانها بعد أن حظيت بقبول الرئيس قيس سعيد.
ويعتقد أن “نجاح هذا الحوار يبقى رهين مشاركة جميع الأطراف فيه وأن تكون أهدافه واضحة، ويجب أن يتطرق إلى الملفين السياسي والاقتصادي وأن ندخله دون خطوط حمراء، وينبغي أن يتطرق إلى الميادين التي يجب أن تكون الدولة قوية فيها على غرار الأمن القومي والصحة والتربية والتعليم والنقل والثقافة وغيرها”.
ولم يتردد عبدالكافي في تحميل النهضة مسؤولية تأزم الأوضاع في بلاده قائلا “النهضة حكمت طيلة عشر سنوات، وما نعرفه على الأقل أنها كانت موجودة في كل الحكومات المتعاقبة. هنا نستنتج أنهم (النهضويين) مسؤولون عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية اليوم بما أنهم حكموا”.
وحتى قبل الأزمة الحالية التي توصف بـ”الخانقة”، نظرا إلى الصدام الذي بات يلوح في الأفق بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان من جهة والرئيس من جهة أخرى، دار نقاش صاخب حول نظام الحكم المعتمد -وهو نظام شبه برلماني- حيث طالته عدة انتقادات. وكرس هذا النظام وفقا لمنتقديه المزيد من التشتت والتشرذم بين الفاعلين السياسيين، ما تسبب في أزمة سياسية تعاني منها تونس منذ سنوات.
وبالنسبة إلى عبدالكافي هذا النظام “معقد” لذلك ينبغي تغيير القانون الانتخابي في مرحلة أولى لتتم إعادة النظر في تمويل الأحزاب والجمعيات. وأشار إلى أنه “بعد عشر سنوات من اعتماد هذا النظام اكتشفنا التجاذبات التي قد تحصل في ظل هذا النظام الذي يعد الأصعب. نتفهم مخاوف البعض من العودة إلى الدكتاتورية، لكن ذلك لا يمكن لأن ثورة 2011 حررت الأشخاص -بعد التحرر من الاستعمار في 1956- والتونسيون لن يقبلوا بالعودة إلى الدكتاتورية”.
ويرى أنه من البديهي القول إن النظام البرلماني زاد من تأزيم الوضع في تونس. وقال لـ”العرب” “أنتم تتابعون الفسيفساء؛ الحكومة يساندها حزام سياسي لا يتبنى نفس الأيديولوجيا والنظام البرلماني تبقى القاعدة فيه أن رئيس الحزب الحاكم الذي يفوز بغالبية تجعله يحكم هو من يتقلد منصب رئيس الحكومة، وهذا ما لم نره في تونس حيث لا توجد غالبية لحزب معين لذلك يتغير الحزام بسهولة”.
ومؤخرا اقترح رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد -الذي عين عبدالكافي في منصب وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في أغسطس 2016 وبقي في منصبه حتى أغسطس 2017 مع توليه حقيبة المالية بالوكالة في أبريل 2017- تنظيم انتخابات سابقة لأوانها وتغيير القانون الانتخابي، علاوة على تقليص عدد النواب في البرلمان. وهنا يعتقد عبدالكافي أنه قبل الحديث عن انتخابات مبكرة يجب انتظار ما سيحدث بخصوص حكومة المشيشي لأن البلاد في حاجة إلى استقرار سياسي.
وانتخب عبدالكافي في ديسمبر الماضي رئيسا لحزب آفاق تونس الذي تأسس بعد 2011 وحقق نتائج متذبذبة، حيث دخل إلى المجلس الوطني التأسيسي بأربعة مقاعد فقط قبل أن يحصل في انتخابات 2014 على ثمانية مقاعد، لكنه حقق في الانتخابات الأخيرة أسوأ نتيجة عندما حصل على مقعدين من مجموع 217 مقعدا في البرلمان، وهو ما يتطلب إصلاحا للبيت الداخلي لهذا الحزب.
ويقول عبدالكافي إنه “مصمم على تجميع ما يمكن تجميعه من العائلة الوسطية (الأحزاب ذات المرجعية المدنية في تونس) إلى جانب إعادة تجميع كافة القيادات التي غادرت الحزب ونحن نرى أننا قادرون على استرجاعها لدعم الحزب”.
وفي رده على الانتقادات التي طالته، بعد انتخابه رئيسا للحزب في مؤتمر استثنائي وبعد أن ربطه البعض بالصعود المستمر للحزب الدستوري الحر الذي ترأسه عبير موسي التي تخوض صراعا مع النهضة، نفى عبدالكافي لـ”العرب” أن يكون ذلك صحيحا وأنه ليس لديه أي مشكلة مع أي سياسي على الساحة.
وقال “لست غواصة لأي حزب أو اتجاه سياسي، عدت للسياسة من معناها ومن تعريفها الموجود في العالم والذي يضع من خلاله الشخص نفسه على ذمة بلاده وخدمتها فقط، وهذا واجب لأن السياسة ليست شعارات فضفاضة. بالنسبة إلي النهضة خصم سياسي ومكانها المعارضة لأني لا أؤمن بالإقصاء لأي كان”، في إشارة إلى السياسة التي تتبناها موسي باستهدافها إخراج الإسلاميين من المشهد السياسي.
وبما أن نخبة من التونسيين تنتمي إلى حزب آفاق تونس يسعى عبدالكافي إلى تحقيق امتداد شعبي للحزب. وقال “هذا لن يحدث إلا بتفسير برنامجنا للتونسيين، فتونس لديها آفاق اقتصادية هامة تنتظر فقط ترتيب البيت الداخلي لأن المواطن سئم الشعارات الفضفاضة التي يطلقها البعض على غرار ‘الشعب يريد’ (في إشارة إلى الشعار الذي رفعه الرئيس قيس سعيد خلال حملته الانتخابية ومازال يرفعه إلى الآن)، أيدينا ممدودة أيضًا للجميع حتى المحافظين لأنه ليس كل المحافظين ينتخبون النهضة أو يؤيدون سياساتها”.
جرة قلم تُنعش الاقتصاد
تصاعدت الاحتجاجات الشعبية التي لم تخل من أعمال الشغب خلال التظاهرات الليلية التي شهدتها البلاد والتي تطالب بتغيير الطبقة السياسية الحاكمة، علاوة على رفعها شعارات تترجم تزايد الاحتقان الاجتماعي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد. وعجزت الحكومات المتعاقبة منذ انتفاضة 2011 عن حل هذه الأزمة التي تعاظمت بعد تعطل بعض مواقع الإنتاج وغيرها، ما دفع السلطات إلى المزيد من التداين الخارجي.
ويقول عبدالكافي الذي كان مرشحا مرتين من أحزاب حركة النهضة وقلب تونس وغيرهما لرئاسة الحكومة عقب استقالة إلياس الفخفاخ إن “خروج الاقتصاد التونسي من أزمته يبقى رهين جرة قلم. هذه ليست أوهاما أو شعبوية أو غير ذلك، كيف ذلك؟ لنأخذ مثال ماليزيا أو سنغافورة أو اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، هذه البلدان غيرت ترسانتها القانونية لتحرير طاقات الشباب”.
وبنبرة استغراب تساءل عبدالكافي الذي يعمل في المجال المالي والاقتصادي منذ عام 1994 “لماذا بعض القوانين ترغم إلى حد الآن الدولة على تسيير الموانئ الترفيهية أو المواقع الأثرية، على سبيل المثال؟ هذا علاوة على ضرورة تغيير قانون الصرف، وهي قوانين إذا تم تغييرها سننجح في إخراج الاقتصاد الوطني من أزمته”.
وتابع الوزير الذي عين في عام 2005 مديرا للشركة التونسية للأوراق المالية التي أسسها والده -وهي تعمل وسيطا في البورصة- أن “هناك معضلة حقيقية تتمثل في ترسانة القوانين. هناك قوانين بالية لا تزال سارية في تونس منها حتى ما يعود إلى زمن الإمبراطورية العثمانية أو حقبة الاستعمار؛ مثلا تفطنت مرة وأنا في وزارة المالية إلى وجود قانون تم سنه عام 1930. لا يمكن أن نتقدم في القرن الواحد والعشرين بقوانين تعود إلى مثل هذه الحقب الزمنية”.
عجل تمرير التعديل الوزاري الذي أجراه المشيشي في البرلمان وصادق عليه 144 نائبا بحدوث شرخ عميق في العلاقة بين الرئاسات الثلاث
ويؤكد رئيس حزب آفاق تونس أن الأمر ينسحب أيضاً على الأراضي الاشتراكية والدولية، حيث يقول “هذه الأراضي سن المعمر قانونا بشأنها في 1909 تقريبا ثم في سنة 1960 قمنا بسن قانون وفي 2016 تم سن قانون آخر، لكن إلى حد الآن لم نصل إلى حل بشأنها وهذا غير معقول لأن هناك حلما حقيقيا بأن تكون هناك مناطق سياحية في تونس وأن يصبح لدينا سياح مستقرون مثل مالطا والبرتغال وغيرهما لأن السائح المستقر أفضل عشرات المرات من بقية السياح”.
ويواصل “عندما يتم الانفتاح بشكل أكبر ويأتي سياح للسكن سينتعش الاقتصاد، أيضا علينا تحسين الفلاحة من خلال حل هذه القضية: قضية الأراضي الدولية والاشتراكية، علاوة على تمويل الفلاحين لأنه مثلا ليس لدينا بنوك تمول الفلاحين. فالقروض لا تُمنح للفلاحين في تونس”.
ويحمل عبدالكافي السياسيين مسؤولية فشل تطبيق الإصلاحات القانونية لحلحلة الأزمة الاقتصادية، مشيرا إلى أن “التركيز غائب. السياسة ليست شعارات، اليوم السياسي في أوروبا وفي الدول المتحضرة يعرف ميزانية بلاده والحلول الكفيلة بمعالجة الأزمات الاقتصادية، ولذلك فالسياسي يجب أن يقدم حلولا عملية وهذه حلول نملكها نحن في حزب آفاق تونس وسنقدمها للتونسيين، وهي حلول قابلة للنقاش”.
ويأتي هذا الحديث في وقت ترزح فيه تونس تحت وطأة ضغوط من قبل المانحين الدوليين، وقد تجلت في التوصيات الأخيرة لصندوق النقد الدولي الذي طالب فيها تونس بالإسراع في إصلاح شركات القطاع العام، مما يجعل فرضية خصخصة بعضها ممكنة خاصة أن وزير المالية ألمح إلى ذلك.
وهذه خطوة ترفضها النقابات بشدة، وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل -أكبر النقابات العمالية بالبلاد- الذي صعد بشكل لافتا تجاه حكومة المشيشي التي اتهمها بإعلان الحرب على الشعب على حد تعبير أمينه العام المساعد سامي الطاهري في معرض رده على نية الحكومة رفع الدعم عن المواد الغذائية وغيرها.
وبالنسبة إلى عبدالكافي “الأهم يبقى الصدق مع الشعب، عليهم (صناع القرار) أن يتوجهوا بخطاب إلى الشعب ويشرحون فيه وضع البلاد ويطرحون الحلول التي سيقدمونها”، ويرى أن “تونس بإمكانها أن تحقق نموا بنحو 9 و10 في المئة سنويا، ولكن هذا يبقى رهين تحرير الطاقات، وبمثل هذه القوانين على غرار قانون الاستثمار أحيانا الدولة تعطل الدولة من خلال بعض القوانين”.
واستنتج رئيس مجلس إدارة بورصة تونس بين عامي 2011 و2014 ليعود مرة أخرى في 2017 أن صناع القرار عليهم أن يحكموا ببراغماتية، لكن بحس اجتماعي على حد تعبيره إذ “لا توجد سياسات ليبرالية أو يمينية أو يسارية، هناك سياسات براغماتية، مثلا التراتيب الإدارية باتت تمثل دولة داخل الدولة حيث نجد في الباب الثاني من ميزانية الدولة 6 أو 7 مليارات مثلا لا يتم صرفها بسبب هذه التراتيب الإدارية”.
ولفت الوزير التونسي الأسبق إلى المعضلة التي يواجهها قطاع الفوسفات قائلا “بالنسبة إلى الفوسفات لدينا شركة يمكن أن تشغل ما بين 7 و9 آلاف عامل لكن هي الآن تشغل 27 ألف شخص لتنتج 3 ملايين طن، وهي نسبة يتم إنتاجها في عام 1927. بهذا تصبح هناك معضلة حقيقية”.
واستطرد “هل من المقبول أن تشهد تونس نقصا في الأمونيتر وأن نورد الفوسفات؟ العدو لا يفعل بعدوه هذه الأفعال التي حدثت بسبب توقف الإنتاج”، ولذلك يعتقد أن “البلاد في حاجة إلى شرودر تونسي” (نسبة إلى المستشار الألماني غيرهارد شرودر الذي أعاد هيكلة الاقتصاد الألماني).
تصاعدت الاحتجاجات الشعبية التي لم تخل من أعمال الشغب خلال التظاهرات الليلية التي شهدتها البلاد والتي تطالب بتغيير الطبقة السياسية الحاكمة
وفي تعليقه على نية الحكومة القيام بالمزيد من الاقتراض قال عبدالكافي “في تونس وزير المالية لا يملك أي خيارات غير التداين وهذا التداين ليس خطيرا. التداين في فرنسا مثلا تجاوز حوالي 120 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي”.
ويأمل في أن ينجح وزير المالية في تعبئة الأموال لأن هناك فرقا بين الاقتراض من الصناديق الدولية والاقتراض من الأسواق العالمية وخاصة أن ثمة إمكانية أن ينتهي هذا العام بمثل الظروف الراهنة، لكن “ماذا سنفعل في 2022 و2023 لأن الدين العام ولد زيادات في الأداءات التي خنقت الشركات وهذا سيجبر على اللجوء إلى السوق الموازية”.