غياب مشاعر الحب والمودة يهدد مؤسسة الأسرة بالانهيار

الطلاق النفسي هو حالة زوجية تفتقد فيها العلاقة بين الشريكين لجميع مقومات الأسرة، من مودّة وحب واحترام وتفاهم وحوار، لتصبح علاقة مدمرة من الداخل، ونمطاً من التنافر بين الزوج والزوجة، حتى تكون أقرب إلى حياة زوجية شكلية، وإن توافرت الشروط الموضوعية وترك الخيار لأحد طرفي هذه العلاقة أو للطرفين معا لاتخذا قرارهما بالانفصال.
تبدأ خطوات الطلاق النفسي عندما تسيطر الرتابة والبرود على العلاقة الزوجية، وتنضب المودة والحب، ولا يعني ذلك وجود نزاع أو مشاجرة بين الزوجين، ولكن حياتهما تفتقر للتوافق النفسي ودفء العاطفة وتصبح فارغة من فحواها ومضمونها، فيسيطر عليها الجفاء والرفض المتبادل.
ويتميّز هذا النوع من الأسر بسطحية مشاركتهما في الأنشطة الاجتماعية والأسرية وفقدان المتعة والبهجة معاً، لكن في هذا النوع فإن الزوجين يحترمان دورهما الجنسي إلا أنه يكون قليل الحدوث، وعندما يحصل فإنه يكون خالياً من المتعة الطبيعية وبارداً في تفاعله.
ويظل المناخ المجتمعي والشرعي هو ما يحول دون تحوّل الطلاق النفسي إلى طلاق حقيقي وانفصال الزوجين، فتفضل نسبة كبيرة من الأزواج الطلاق النفسي على الطلاق الشرعي وتتحمل نتائجه، رغماً من أن الطلاق النفسي يساوي كل الشروط التي تؤدي في النتيجة إلى الطلاق الشرعي.
هذا وتكثر العوامل المؤدية إلى الطلاق النفسي، وتنقسم بين عوامل منظورة وأخرى غير منظورة، فالعوامل المنظورة قد يتحدث بها الزوج أو الزوجة للأهل والأصدقاء كمحاولة لا بد منها، أملاً في إلغاء الثغرات القائمة، إلا أن هناك عوامل غير منظورة قد لا يقولها الزوج لا لزوجته أو لأهله أو أصدقائه وكذلك الزوجة، وعلى هذا يتراكم الضغط النفسي على الزوجين، لأن الصراحة في العديد من الأمور الخاصة قد تؤذي المشاعر، ولكنها تفتح مجالاً لتخطي الخلافات.
يعتبر عدم الثقة من أبرز عوامل انهيار كيان الأسرة نفسياً، فإذا فقدت الثقة بين الزوجين ضعف الولاء والارتباط بالأسرة، وحينها تتحطّم وتفقد مصداقيتها، كذلك فإن الاحترام المتبادل بين الزوجين ضروري لزيادة المحبة الزوجية، وإلا تحطمت الأسرة وأصبح الزوجان كأنهما عدوان في البيت الواحد يترصد كل واحد منهما الآخر بسبب عدم وجود الاحترام بينهما، وهنا تفقد العلاقة الزوجية ودها وولاءها، ويتمنى كل من الزوجين الفراق قبل كل شيء.
عندما تترك الخلافات لتتفاقم فإنها سوف تخلق في النهاية مشاعر سلبية تماماً، وتبقى الأمور مكبوتة دون علاج، وتتراكم إلى أن تصبح العلاقة الزوجية مدمرة من الداخل، وينعكس هذا التدمير على الحياة الأسرية بكل مكوناتها، وينتقل هذا التأثير بشكل أو بآخر إلى المجتمع، كما ترى الدكتورة سامية الجندي، أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة الأزهر، والتي توضح أنه من العوامل الرئيسية للتنافر وقطع التواصل النفسي بين الزوجين نجد عدم الإشباع العاطفي، وغياب المشاعر والأحاسيس، وذلك من خلال عدم تبادل مشاعر الحب كسلوك بشري طبيعي بين الزوجين، ومن ثم ضرورة اعتماد لغة التعبير العلني والمتبادل عن الحب لبعضهما البعض، لأن ذلك يعود عليهما بالسعادة ويساهم في ديمومة زواجهما. كما تشير الجندي إلى الدور الهام الذي يلعبه الحوار في سير الحياة الزوجية، بأن تكون هناك قنوات للحوار بين الشريكين مفتوحة ومفهومة وفي كل الأمور.
كشفت دراسة مستجدة بحثت في 168 ثقافة مختلفة من أنحاء العالم، تبين أن 46 بالمئة فقط من الثقافات موضع الدراسة تمارس الحياة الزوجية بالمفهوم الرومانسي
وبحسب دراسة بحثت في 168 ثقافة مختلفة من أنحاء العالم، تبيّن أن 46 بالمئة فقط من الثقافات موضع الدراسة تمارس الحياة الزوجية بالمفهوم الرومانسي، والأغلبية الباقية ترى في مؤسسة الزواج مجرد نظام اجتماعي وجنسي يجب على الإنسان فعله، وهو ما زاد من نسبة الطلاق النفسي في الحالات التي بحثتها الدراسة إلى أكثر من 55 بالمئة. وأوضح الباحثون أن من أهم أسباب تدمير العلاقة الزوجية هي إهمال التعبير عن المشاعر، وعدم قول كلمات مودة وألفة واضحة وصريحة بين الزوجين.
وأشارت الدكتورة هيلين فيشر، الباحثة الأميركية في شؤون الأسرة، والتي أجرت الدراسة، إلى أن هناك ثلاثة أنظمة تؤثّر على عمل الدماغ في عملية الحب، فالنظام الأول هو النظام الجنسي وثانيها النظام الرومانسي وثالثها نظام الارتباط، لافتة إلى أن النظام الجنسي يدفعنا إلى البحث عن شركاء لإشباع الغرائز والتكاثر، في حين يدفعنا النظام الرومانسي إلى الاكتفاء بشريك واحد، أما نظام الارتباط فهو المسؤول عن قدرتنا على تحمّل هذا الشريك طوال الفترة الكافية لحصول التكاثر.
ونصحت فيشر الرجال باعتماد النظام الرومانسي، كونه الأنجح في استمرار الحياة الزوجية، وأن يكونوا أكثر حباً وتشاركاً مع زوجاتهم، خاصة في ظل صعوبة متغيّرات الحياة، ولذلك علينا أن نتذكر أننا بشر ولدينا أحاسيس وعواطف، ومن المهم أن ننتشل تعابيرنا الرومانسية من الضياع في زحام الحياة.
وتعليقاً على ذلك، تقول الدكتورة حنان أبو الخير، خبيرة العلاقات الزوجية: إن الطلاق النفسي هو عدم قبول أحد الطرفين للآخر، مع عدم الانسجام الفكري بينهما، لافتة إلى أن هذا النوع من الطلاق يمثّل المرحلة الأخيرة منه والأكثر صعوبة، لأنه يتضمّن انفصالاً داخلياً نفسياً تاماً وكاملاً بين الطرفين، وهو ما يتطلّب إعادة بناء ذات واحدة وليست مشتركة مع شريك بشكل مستقل غير مرتبط بشخص ثان، وتقوم هذه الذات المستقلة باتخاذ القرار بنفسها دون الاعتماد على طرف آخر، فتضع خططاً خاصة بالحياة المستقبلية التي تشوبها الحيرة والارتباك والخوف والتردد، لأنها تعوّدت على مشاركة طرف ثان في وضع مثل هذه الخطط، وهو ما يزيد صعوبة الأمر، وربما يؤدي الطلاق النفسي إلى تدمير حياة الشريكين سواء انفصلا أو بقيا معاً.
وتنصح الدكتورة إيمان عبدالله، المتخصصة في الإرشاد الأسري، لتجنّب الطلاق النفسي والرفض المتبادل بين الزوجين، بأنه لا بد من الكشف عن العوامل النفسية التي تدمر الزواج لتحوّله إلى طلاق وانفصال، فبعض هذه العوامل قد يكون سطحياً ولكن هناك عوامل أخرى مستترة في أعماق اللاشعور، مشيرة إلى أن افتقاد الرابط المشترك ولغة التواصل بين الزوجين، وكذلك سيطرة الروتين والملل على العلاقة الزوجية، هي من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تحوّل الزواج إلى علاقة اجتماعية شكلية تفتقد لكل معاني المشاعر والحب والمودة، والتي تكوّن في انسجامها وتلاحمها مضمون الزواج وصمام الأمان لاستمرار الحياة الأسرية ونجاحها.