عيسى حياتو الحاكم الأبدي للكرة الأفريقية

السبت 2015/04/18
دكتاتور رياضي يعدل الدساتير ويعتقل الخصوم

من أبرز سمات مواليد برج الأسد العناد وتصلب الرأي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأشياء التي يعتقد أنه أفضل من يعرفها، هاتان السمتان تلخصان الكثير من الأزمات التي تسبب فيها الكاميروني عيسى حياتو رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم لزملائه ومساعديه وحتى خصومه في أكبر الاتحادات الكروية القارية.

ما قام به حياتو قبل وخلال اجتماعات الجمعية العمومية واللجنة التنفيذية لـ”الكاف” التي عقدت في القاهرة مؤخراً لم يكن سوى فصل من مسرحية ممتدة الأحداث زمنيا، منذ العام 1988، ومكانيا بين ثلاث قارات، بطلها الوحيد هو الكاميروني العجوز صاحب النظرة الزائغة.

لذلك كانت من الصفات الرئيسية في حياتو التصميم على الفوز والنصر، والقدرة على تحويل فشله إلى نصر.

حياتو رأى الفشل بأم عينيه في معركته على رئاسة الفيفا مع السويسري الداهية جوزيف بلاتر صيف العام 2002، هناك في أقصى شرق العالم، حيث أقيمت الانتخابات قبل أيام قليلة من بدء نهائيات المونديال في كوريا الجنوبية واليابان، عرف حياتو أن ما أقنعه به بعض الرياضيين الأوروبيين، لا سيما رئيسهم السويدي لينارت يوهانسون لم يكن واقعيا ولا دقيقا، وإنما فقط أرادوا به دفع الأسد الكاميروني الطموح للوقوف في وجه بلاتر.

فإذا نجح في إقصائه، وهو ما فشل فيه يوهانسون نفسه قبل ذلك بأربعة أعوام، سوف يكون مطية لهم طوال مدة رئاسته ومدينا لهم بالفضل في وصوله إلى المنصب الأهم في عالم كرة القدم، وإذا فشل فلن يتحمل وزر إخفاقه سواه، ومعه الكرة الأفريقية وهي أيضا نتيجة تصب في صالح أوروبا التي كانت قد بدأت تستشعر الخطر القادم عليها من الجنوب.

يحسب لحياتو نجاحه السريع في لعق جراح فشله الكبير، حيث حصد 56 صوتا مقابل 139 للثعلب السويسري، ففي اللحظة التي تلت إعلان نتائج الاقتراع تجنب الكاميروني التعليق على ما حدث فيه، وطوال ثلاثة عشر عاما لم نر تصريحا له يقترب فيه من الموضوع، على العكس عاد حياتو سريعا إلى القاهرة لافتتاح المقر الفخم الجديد للكاف في مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة)، في محاولة لتذكير أصحاب البشرة السمراء بإنجازاته للكرة الأفريقية.

حياتو وبذكائه الخاص يحوّل بوصلة تحركاته بعد فشله أمام بلاتر مدركا أن تحقيق طموحه الكبير يبدأ بتعزيز هيمنته على الاتحادات الأفريقية

منذ ذلك التاريخ حوّل حياتو بذكاء شديد بوصلة تحركاته وأدرك أن تحقيق طموحه الكبير يبدأ بتعزيز هيمنته على الاتحادات الأفريقية التي وقف بعضها ضده في انتخابات الفيفا، ولكي تتمكن من التأهل إلى الأدوار التالية في منافسات النفوذ والقوة ضد بلاتر والأوروبيين يجب أن تحقق كل النقاط المتاحة لك على ملعبك، لهذا ألقى حياتو بثقله الكلي على أفريقيا وآل على نفسه تعزيز مكاسب الكرة السمراء طوال مدة رئاسته.

خاض الرجل العديد من المعارك لتوسيع حصة منتخبات القارة في المونديال، ودخل في حروب متواصلة مع اليويفا والاتحادات المحلية الأوروبية التي حاولت تغيير روزنامة كأس الأمم الأفريقية لتقام كل 4 سنوات من دوريتها الحالية كل عامين، لعدم التفريط في اللاعبين الأفارقة الذين يلعبون في كبريات الدوريات الأوروبية.

جيكل وهايد معا

على طريقة دكتور جيكل ومستر هايد الدرامية الشهيرة، يُظهر المسؤولون في الفيفا والاتحادات القارية، مواقف متشددة انتصارا للديمقراطية، ومنع تدخل الحكومات في عمل مجالس الاتحادات المنتخبة، لكن على الوجه الآخر ينتهي احتفاء هؤلاء المسؤولين بالديمقراطية حين تقترب من مكاسبهم.

فهذا بلاتر يتحايل ويخرج من “جرابه” عشرات الحيل للبقاء في منصبه رئيسا للاتحاد الدولي لكرة القدم وهو الذي تعهد قبل الانتخابات السابقة بعدم الترشح مجددا، وفي أفريقيا يتنافس حياتو مع زعماء الدول الأكثر دكتاتورية لتفصيل القوانين وتعديل مقاساتها لتناسب وضعه، مهما بدا مخالفا للقواعد الديمقراطية التي يتشدق بها.

مقاييس القرب منه تنحصر في قدرة الشخص على تقديم ما يلزم لبقاء الحاكم الأبدي للكرة الأفريقية في منصبه، والشخص نفسه يتحول بسرعة الضوء إلى عدو إذا أقدم على مجرد التفكير في مزاحمة حياتو على منصبه، مثلما حدث للجزائري روراوة والعاجي أنوما اللذين لن يكون إقصاؤهما من تنفيذية الفيفا، آخر عواقب جرأتهما على الأسد الأفريقي.

الغريب أن الرجل الذي يحكم سيطرته على كرة القدم في القارة السمراء لم يلمس الكرة في حياته، فقد كان فقط لاعبا مغمورا لكرة السلة في بلاده، أهم إنجازاته كلاعب كانت وجوده ضمن تشكيلة المنتخب الكاميروني المشارك في دورة الألعاب الإفريقية ببرازافيل عام 1968.

لكن حياتو الذي نشأ في أسرة ميسورة الحال تملك السلطة والجاه في مدينة جارو الصغيرة، المتاخمة للحدود مع تشاد والتي ينتمي لها فريق القطن الكاميروني، استفاد من نفوذ عائلته التي ارتبطت بعلاقات قوية مع أحمد أهيدجو أول رئيس للكاميرون.

في أفريقيا يتنافس حياتو مع زعماء الدول الأكثر دكتاتورية لتفصيل القوانين وتعديل مقاساتها لتناسب وضعه، مهما بدا مخالفا للقواعد الديمقراطية التي يتشدق بها

قبل أن يكمل عيسى عامه الثامن والعشرين كان قد خطا أولى خطواته في العمل الإداري فتولى منصب الأمين العام لاتحاد الكرة الكاميروني عام 1974، ثم مدير الشؤون الرياضية في وزارة الشباب والرياضة عام 1983، ومنها إلى رئاسة اتحاد الكرة المحلي عام 1986، وقبل أن يستقر في مقعده خدمته الظروف برحيل الأثيوبي تسيما رئيس الاتحاد الأفريقي.

وقرر أن يحقق انطلاقته الكبرى نحو الهيمنة على أكبر منظمة كروية في القارة السمراء بمساعدة قوية من حكومة بلاده التي نجحت في تجييش دول الغرب الأفريقي لترجيح كفة حياتو الذي قبض على الفرصة بيد حديدية لا يبدو أن شيئا بخلاف الموت سينجح في إرخائها.

نجاح حياتو في القاهرة لم يكن فقط في قيادة ممثلي الاتحادات المحلية بالقارة السمراء لإقرار ما يريده، إنما في أن ما قام به ينسب إليه بمفرده من دون مساعدة الجزائري روراوة الذي كان حاضرا وداعما في السابق لكل الإجراءات التي تكرّس بقاء حياتو حاكما أبديا للكرة الأفريقية، بل كان من المفارقات أن إجراءات حياتو التي تم تمريرها في الاجتماعات الأخيرة كان من بينها بدء خطوات تحجيم رئيس الاتحادية الجزائرية نفسه، ليتحول الحاج روراوة بين عشية وضحاها من صديق الكاميروني إلى سجينه الذي ينتظر لحظة إعلان الحكم عليه.

وكان الأسد الأفريقي وفيا لإحدى سمات برجه وهي التحول إلى شخص عدواني عند الهجوم عليه، فنسي مساعدات الحاج روراوة له ومنها دوره في تعديل نص يمنع رؤساء الاتحادات المحلية غير المنتمين للمكتب التنفيذي من الترشح لرئاسة الاتحاد الأفريقي، ثم إقناع أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد بالموافقة على النص المعدّل خلال اجتماعاتهم في سيشل عام 2013، ليقضى على آمال جاك أنوما رئيس الاتحاد العاجي وقتها في منافسة الكاميروني العنيد على المنصب.

أما في اجتماعات القاهرة فقد نجح حياتو في توجيه أعضاء المكتب التنفيذي للتصويت بالإجماع على إلغاء السن القانونية لرئيس الكاف، والتي كانت محددة بـ70 سنة، وهو النص الوحيد الذي كان سيحول دون استمرار الكاميروني في منصبه وهو الذي سيبلغ السبعين في أغسطس من العام المقبل.

عداء حياتو لمحمد روراوة والعاجي جاك أنوما، قد تبدو أسبابه واضحة، فأنوما لم يخف عداءه لحياتو، من خلال محاولته المعلنة المنافسة على رئاسة الكاف قبل عامين، ولم يمنعه وقتها سوى روراوة الذي يبدو عداء الكاميروني له غير مفهوم كونه كان أحد أقرب المقربين منه حتى وقت قريب، فضلا عن حرصه الشديد على تجنب كل ما يمكن أن يغضب ابن مدينة جارو الكاميرونية وهو ما انعكس في حرصه على نفي نيته الترشح إلى رئاسة الكاف فور أن انتشرت شائعات عن ذلك صيف العام الماضي.

مقاييس القرب من حياتو تنحصر في قدرة الشخص على تقديم ما يلزم لبقائه في منصبه، والشخص نفسه يتحول إلى عدو إذا أقدم على مجرد التفكير في مزاحمة حياتو

بل إن روراوة في عز شعوره بالمرارة والهزيمة مؤخرا تجنب انتقاد حياتو، رغم خداعه له عندما أقنعه بعدم الترشح لعضوية المكتب التنفيذي للفيفا لإفساح المجال أمام التونسي طارق البوشماوي، مقابل أن يدعم حياتو ملف الجزائر لتنظيم كأس أمم أفريقيا (كان 2017) حيث نفذ “الحاج” الجزء الخاص به بينما تنصل “الأسد” من وعوده في سلوك يخالف كلية سمات برجه، التي تقول إن صاحبه ملتزم بكلمته ومباشر وصريح، نادراً ما يلجأ إلى المواربة والخداع والطعن في الظهر.

عــدو العرب

علاقات عيسى حياتو مع الدول العربية في الشمال الأفريقي اتسمت غالبا بالتوتر، ورغم أنه الملام دائما في وجود هذا التوتر، إلا أن الحقيقة أن أغلب الاتحادات العربية لم تسع لبناء جسور الثقة معه.

ولا يمكن تجاهل الدور الذي قام به الساعدي القذافي رئيس الاتحاد الليبي لكرة القدم سابقا ضد حياتو ومع بلاتر في انتخابات رئاسة الفيفا عام 2002، حين كان يوزع حقائب جلدية مليئة بملايين الدولارات على رؤساء الاتحادات الأفريقية في غرفته بأحد فنادق كوريا الجنوبية من أجل أن يصوتوا لبلاتر، ضمن اتفاق مع الأخير يقتضي نصفه الثاني أن يساعد بلاتر لاحقا في الإطاحة بحياتو من رئاسة الاتحاد الأفريقي ودعم الساعدي لخلافته، فسقط حياتو ونجح بلاتر وتنكر كعادته لوعوده، فبقي الكاميروني رئيسا للكاف وخرج الساعدي من مولد الانتخابات بلا حمّص.

ولا يمكن نسيان معركة حياتو مع المغرب التي طلبت تأجيل بطولة الأمم الأفريقية الأخيرة، بسبب انتشار فيروس الإيبولا لكن حياتو قاوم ذلك بشدة، وحمل على عاتقه إيجاد دولة تقبل تنظيم البطولة، رغم ضيق الوقت الفاصل بين اعتذار المغرب رسميا في نوفمبر 2014 وموعد البطولة في يناير 2015، شرع في فتح قنوات اتصال مع عدد من الدول لكن الردود جاءت بالرفض، فلم يجد سوى الاستنجاد بإحدى دول الغرب الأفريقي.

وطار إلى غينيا الاستوائية ليتفق مع رئيسها على تنظيم البطولة، قبل أن يستدير لإدارة معركته مع البلد العربي، من موقع القوي فيوقع على المغرب عقوبات مجحفة كانت كفيلة بالقضاء على أجيال كروية كاملة هناك، لولا قرار محكمة التحكيم الرياضي الدولية بإلغاء العقوبات.

ما يهم حياتو نجاحه في إثبات وجهة نظره التي تقول “لن نسمح لأحد أن يقضي علينا، ومن المستحيل أن نترك المجال لأحد أن يدمر ما بنيناه في عقود طويلة”.

هناك أيضا معركته قبل تسعة أعوام لنقل مقر الاتحاد من مصر التي تستضيفه منذ أن ساهمت في إنشائه عام 1956 بالاشتراك مع السودان وأثيوبيا، بدعوى الصعوبات التي يواجهها جراء عدم تعامل الحكومة المصرية مع الاتحاد على أنه منظمة دولية لها حق التمتع بعدد من الامتيازات، منها الإعفاء من الضرائب والجمارك، إضافة إلى عدم إبرام اتفاقية التأسيس مع الاتحاد الأفريقي مثلما يحدث مع كل المنظمات الأخرى، وهي الأزمة التي احتواها رئيس الحكومة وقتها أحمد نظيف باستقبال حياتو وتنفيذ طلباته.

أخيرا أزمته مع الاتحاد التونسي في أعقاب خروج نسور قرطاج من ربع نهائي كأس أمم أفريقيا الأخيرة أمام غينيا الاستوائية، بعد احتساب الحكم ركلة جزاء غير صحيحة، حيث شن المسؤولون والإعلاميون التونسيون حملة ضد حياتو وفساده، في حين بادر الأخير بتوقيع غرامة مالية ضخمة على المنتخب الوطني، ومطالبة الاتحاد التونسي بتقديم رسالة اعتذار للكاف أو مواجهة عقوبات إضافية على الأندية والمنتخبات التونسية، الأمر الذي رفضه المسؤولون لتتجه الأمور نحو الاشتعال قبل أن ينجح طارق البوشماوي في نزع فتيل الأزمة وإقناع الطرفين بالجلوس وجها لوجه لتصفية الخلاف.

15