عيد الفطر الحزين في فلسطين

تلجُ حرب الإبادة الإسرائيلية الشاملة ضد الشعب الفلسطيني أعنف مراحلها وأشرس تطوراتها، محققة أهدافا يمينية أكثر تطرفا من ذي قبل، وفي ذات الوقت نجد أن المقاومة أضحت منهكة ومكشوفة الظهر، وهي موزعة بين الخيام، ويتم اغتيال قياداتها بشكل متتابع، فهي إن صح التعبير “إبرة في كومة قش” وإسرائيل تحرق القش لتعثر على الإبرة.
لسان حال الحكومة المتطرفة يقول إن لها هدفين لا ثالث لهما، الإبادة أو التهجير، وهي وللأسف الشديد تمتلك المقومات والسبل لتحقيقهما وفي المقابل ماذا يمتلك الفلسطينيون لمنع هذين الهدفين؟
تعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي بخبث شديد مع حركة حماس، وجعل سحرها ينقلب عليها، فقد أضحى احتفاظ الأخيرة بالرهائن عبارة عن تكلفة باهظة تتجاوز أي مقابل ممكن أن تحصل عليه مستقبلا لقاء إطلاق سراحهم، فالرهائن هم عبء ليس فقط على حماس بل على عموم الشعب الفلسطيني، واستمرار احتجازهم في غزة يعني بالمنطق الإسرائيلي المشفوع بالموقف الأميركي، استمرار حرب الإبادة على غزة.
وفي ذات السياق، أضحى احتفاظ حماس بسلاحها الخفيف وقيادتها العسكرية المتبقية داخل غزة بعدما استهدفت إسرائيل غالبيتها، وخسرت أسلحتها النوعية والمتوسطة أثناء الحرب، أضحى عبئا كبيرا عليها أيضا، فهو شماعة لتواصل المجزرة اليومية ضد الشعب الفلسطيني.
◄ حماس تعيش اليوم أزمة وجودية بالغة الخطورة، وفي ذات الوقت نجد أنها قد عدمت الوسيلة ولم تتبق لديها خيارات واضحة، فاتورة استمرار بقائها في واجهة الحكم في غزة ضخمة جدا، وتتجاوز مقدرة أي شعب
منذ هجوم السابع من أكتوبر، راهنت حماس على أمور خاطئة، كونها تتكئ على تقديرات خاطئة، ومن المفيد تذكر مقابلة القيادي في حماس موسى أبومرزوق على قناة الغد الفضائية قبيل الهجوم الإسرائيلي على رفح، حيث صرّح بأن الإسرائيليين في ورطة لمعارضة مصر وأميركا والعالم بأسره للهجوم، وأن لواء رفح من مقاتلي حماس هو على أهبة الاستعداد وبحال أفضل من باقي الألوية العسكرية في المناطق الأخرى داخل غزة.
ما حصل فيما بعد، تم اجتياح رفح واحتلالها بشكل كامل، وارتكاب مجازر شبه يومية داخلها.
وبعد المجزرة القائمة منذ عام وأربعة أشهر، لا تزال حماس تقلل من قدرات الإسرائيليين وتضخم من قدرات عناصرها، والنتيجة وضع رقبة الشعب الفلسطيني تحت المقصلة، دون القدرة على حمايته أو إغاثته أو سحبه من تحت سكين الذبح الإسرائيلية.
والمشكلة لا تكمن فقط في عجز حماس عن حماية الشعب الفلسطيني، والتصرف بأسلوب حزبي ضيق، بل في عدم وجود خطة عمل واضحة لإنهاء ما يحصل للشعب الفلسطيني من قصة موت معلن.
فهي ما زالت تتصرف بطريقة قمعية دكتاتورية، تترك جيش الاحتلال الإسرائيلي يفتك بالشعب، وبدورها تلاحق وتستهدف وتهدد الناشطين ممن خرجوا في مظاهرات ضد حكمها الذي استقدم الويلات والكوارث والهزائم المتلاحقة على الشعب الفلسطيني الصامد.
ما حدث من مظاهرات ضد حماس وقادتها السياسيين ممن يتنعمون بالعواصم العربية والإقليمية الأخرى، حيث تمّ الهتاف ضدهم بالاسم، زاد من الشرخ بين الحركة وبين المواطنين الغزيين، وزاد من تمسك حماس بنظرية المؤامرة، كونها ترفض مراجعة تصرفاتها، باعتبار أن من خرجوا خونة أو مدفوعون من رام الله، مع أن كل الشعارات والمطالبات في المظاهرات كان هدفها الواضح هو إنهاء حكم حماس لقطاع غزة فقط لا غير، وليس الحديث عن البديل لها، أي بصريح العبارة هدم أي طريق ثالث يود الشعب الفلسطيني سلكه لينجو من المحرقة.
تعيش حماس اليوم أزمة وجودية بالغة الخطورة، وفي ذات الوقت نجد أنها قد عدمت الوسيلة ولم تتبق لديها خيارات واضحة، فاتورة استمرار بقائها في واجهة الحكم في غزة ضخمة جدا، وتتجاوز مقدرة أي شعب لو قدّ من الحديد على تحملها، وفي المقابل لا تكترث إسرائيل بأي معايير أخلاقية بالمطلق من إعدام المسعفين إلى قتل أطفال وهم في لباس العيد، وهل هناك ألم أكثر من الذي يحدث.. لا أعتقد ذلك.