عودة مهرجان مسرح الهواة في الجزائر تنهي حقبة من التأويلات

أعرق مهرجان مسرحي يئن تحت الصراعات وشح الإمكانيات.
الثلاثاء 2022/09/06
عروض مسرحية افتقدها الهواة

لم يسلم المهرجان الوطني الجزائري لمسرح الهواة من الخلافات الداخلية التي كانت، ومعها جائحة كورونا، سببا في تأجيل انعقاده لسنوات وحرمت هواة الفن المسرحي من موعد سنوي يصقل مواهبهم ويفتح أمامهم أبواب الاحتراف والانتشار العربي. وقرار عودته للانعقاد هذا العام ينهي حقبة من الضبابية والتأويلات التي كانت ترهن مصير المهرجان للخلافات والصراعات الداخلية والمصالح الذاتية الضيّقة.

الجزائر - تنفس عشاق المسرح الهاوي في الجزائر الصعداء بعد إعلان إدارة المهرجان الوطني لمسرح الهواة عن تنظيم الدورة الثالثة والخمسين خلال شهر أكتوبر القادم، وذلك بعد شكوك تسربت إلى جمهور الفن الرابع حول أفول نجم أعرق المهرجات الثقافية في البلاد، والذي يعود تأسيسه إلى منتصف ستينات القرن الماضي، خاصة في ظل المشاكل التنظيمية والمالية وتداول الوصايات عليه، وهو ما كان سيثير ضجة لدى النخب المسرحية الهاوية التي لا تملك من الفضاءات إلا هذا المحفل الوحيد.

وكشف محافظ المهرجان الوطني لمسرح الهواة محمد نواري عن تنظيم الطبعة الثالثة والخمسين نهاية شهر أكتوبر وبداية شهر نوفمبر القادمين، حسب المقترح الذي تقدم به إلى السلطات المحلية لمحافظة مستغانم، وهو ما يؤكد عودة المهرجان إلى النشاط بعد سنتين من التوقف ترددت خلالهما العديد من الروايات حول إرادة خفية لتوقف التظاهرة الوحيدة في البلاد لمسرح الهواة.

واختارت إدارة المهرجان الموعد المذكور لاستغلال رمزية العيد السنوي لثورة التحرير(الأول من نوفمبر)، وإعطاء الطبعة زخما تاريخيا لستينية الاستقلال التي خصصت لها تظاهرات فنية وثقافية عديدة، الأمر الذي ينهي الشائعات التي راجت حول خلافات ومصالح ضيقة وفساد في التسيير وتبديد للمال العام.

وتعتبر العودة المنتظرة للمهرجان بعد عدة أسابيع عودة إلى الحياة في مختلف الفعاليات الفنية والثقافية في البلاد بعد انتفاء ذريعة الجائحة الصحية والعودة التدريجية إلى الوضع الصحي الطبيعي في ربوع البلاد، ولو أن الدورة جاءت متأخرة لأن الجمهور ألف تنظيمها في شهر أغسطس من كل عام، فإنها تشكل خاتمة المهرجانات الوطنية العائدة كـ”تيمقاد” و”جميلة” الموسيقيين ومهرجان “الكازيف” الترفيهي، والمهرجان الوطني للمسرح المحترف وغيرها.

وحسب بيان أصدرته محافظة المهرجان، فإن “هيئة التنظيم عقدت اجتماعا لتقييم ما تم إنجازه واقتراح تاريخ الدورة، بناء على توجيهات وزارة الثقافة الحريصة على إحياء الستينية بعدة تظاهرات ثقافية وفنية، وقد عرف اللقاء إجماع الحضور على إنجاح الدورة وتجاوز كل الصعوبات، والتطوع لخدمة الإرث المسرحي”.

وقد تم تعيين لجنة تتكون من الأساتذة والمختصين في الفن المسرحي محمد قادة والفنان عبدالرحمن هوش وخولة بوجمعة، وذلك بغرض مشاهدة وتقييم الأعمال المرشحة للعرض ويقدر عددها بأربعين عرضا مسرحيا ستتنافس على تأشيرة المرور إلى العرض في الطبعة الثالثة والخمسين.

المهرجان عرف تغيّرات جعلت منه تظاهرة متذبذبة بين أن تكون جزائرية أو في المغرب العربي أو العالم العربي

وكانت محافظة المهرجان قد أعلنت العام الماضي على موقعها الإلكتروني عن فتح باب الترشيحات أمام الفرق المسرحية الهاوية للمشاركة في الدورة الثالثة والخمسين، غير أن المهرجان تم تأجيله بسبب جائحة كورونا، ليكون جمهور المسرح الهاوي بدون مهرجانهم للمرة الثانية على التوالي.

وعرفت الطبعة الثانية والخمسين عرض 22 عملا مسرحيا من بينها 12 مسرحية ضمن المنافسة الرسمية والباقي خارج المنافسة، فضلا عن تنظيم ثلاث ورشات في فن التمثيل والسينوغرافيا بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح وفي فن الكوريغرافيا فضلا عن عرض فيلمين وثائقيين عن فقيدي المسرح ولد عبدالرحمن كاكي وبلمقدم عبدالقادر للمخرج عبداللطيف مراح.

وتم تتويج العرض المسرحي “الخيش والخياشة” من إخراج فارس عبدالكريم وأداء فرقة “ملائكة الخشبة” لجمعية نجدة شباب الباهية من مدينة وهران بالجائزة الكبرى “سي الجيلالي بن عبدالحليم”.

وفي دلالة على تعلّق الجمهور المسرحي بالمهرجان الذي ارتبطت به مدينة مستغانم الساحلية في غرب البلاد، كتب الفنان وليد عبدالله في منشور له “تعرفت على أبجديات المسرح في هذا المهرجان وشخصيا عرفني الجمهور المسرحي كمنشط على خشبته”.

وأضاف “لقد فتح لنا المحافظ السابق الراحل جمال بن صابر الأبواب كشباب هواة في أولى تجاربنا الإخراجية وثمّن مجهوداتنا هو ومن كان معه في المحافظة.. كان حقيقة مهرجانا وازنا ولا أحد يقول يا وليد أنت تتكلم عندما كانت البحبوحة، صحيح ربما الغلاف المالي تغير لكن 500 مليون (35 ألف دولار)، يمكن أن ننظم دورة محترمة جدا دون الدخول في تفاصيل أخرى”.

◙ استعراض لتجارب الهواة المسرحية
◙ استعراض لتجارب الهواة المسرحية

ولفت المتحدث إلى أنه لا يعقل ألا تمتلك الوزارة الوصية لجنة متخصصة للرقابة والتدقيق ومعرفة السبب وراء الديون التي تراكمت على كاهل المهرجان الذي يعتبره الهواة قبلتهم الوحيدة منذ العام 2019، وكانت من بين أسباب غيابه. وإذا كانت مدينة مستغانم هي الثابت الوحيد في المهرجان الذي تأسس العام 1967، فإن المحفل عرف الكثير من التغيرات التي أثرت على مساره وجعلت منه تظاهرة متذبذبة بين أن تكون للمسرحيين الهواة في البلاد، أو في المغرب العربي أو العالم العربي، وذلك بسبب الصراع على الوصاية بين من يريد أن يكون مهرجانا رسميا تابعا لوزارة الثقافة وبين من يريد أن يكون مستقلا وفاء لروح مناضلي الفن المسرحي في المنطقة.

وتابع الفنان في منشوره “أنا أتكلم بصفتي واحدا من الشباب الهواة الذين بدأوا خطواتهم في هذا المهرجان، وأضرب بيد من حديد على كل من يحاول أن يحجب هذا المهرجان الوحيد بالجزائر الخاص بنا.. لا يهم من سيواصل ومن سيقود المحافظة ومن سيستمر، المهم أن المهرجان لا يخرج عن إطار الهواة”.

وتأسس المهرجان الوطني لمسرح الهواة بمدينة مستغانم في الفاتح من سبتمبر 1967 تحت مسمى “المهرجان الوطني للفن الدرامي” على يد الفنان الراحل الجيلالي بن عبدالحليم، وأصبح في ما بعد يُعرف باسم المهرجان الوطني لمسرح الهواة، والذي يعد أقدم وأعرق المهرجانات في أفريقيا، كما ظل يعتبر خزانا ضخما لصناع العروض أمثال محمد أدار، عمر فطموش، محمد فلاق وغيرهم.

وأقام المهرجان اثنتين وخمسين دورة بين 1967 و2019، وفي 2004 تم إنشاء محافظة للمهرجان وتم تعيين محمد نواري محافظا له، ثم تعاقب عليه بعد ذلك كل من الممثل والمخرج الراحل جمال بن صابر، ثم رشيد جرور ومحمد تكيرات قبل عودة محمد نواري مجددا منذ العام 2016.

15