عودة البريق إلى مهرجان فينيسيا في دورة حضورية

عاد البريق أخيرا إلى مهرجان فينيسيا السينمائي بعد دورة فاترة أقيمت العام الماضي في ظل جائحة كورونا، حيث شهد حفل افتتاح دورته الثامنة والسبعين مرور نجوم السينما على السجّاد الأحمر لمسرح سالا غراندي الذي بُسط على الخطّ الشاطئي لفينيسيا قبالة البحر أمام عدسات الكاميرات، لكن في غياب الجمهور، بحكم تدابير احتواء كوفيد - 19.
فينيسيا (إيطاليا) - أطلق الوجهان البارزان في السينما الإسبانية بيدرو ألمودوفار وبينيلوبي كروز مساء الأربعاء السباق إلى جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا الذي يزخر في دورته الثامنة والسبعين بأعمال سينما المؤلف وأسماء لامعة في هوليوود، من ريدلي سكوت إلى دوني فيلنوف.
ولا شكّ في أن ألمودوفار صاحب الأفلام الشهيرة مثل “كل شيء عن والدتي” و”الحديث معها” لم يخيّب آمال محبّيه بفيلمه الجديد “أمهات متوازيات” (مادريس باراليلاس) الذي يروي قصّة امرأتين تنجب كل منهما مولودها في اليوم ذاته.
وتؤدّي كروز في هذا الفيلم دور جانيس (في لفتة إلى المغنية جانيس جوبلين)، وهي مصوّرة أربعينية تحمل من صديق متزوّج هو عالم آثار وعدها بالعثور على رفات والد جدّها الذي فُقد أثره في بداية الحرب الإسبانية الأهلية في مسقط رأسه.
عوالم متقلبة
وصف مدير مهرجان فينيسيا ألبرتو باربيرا الفيلم بأنه “لوحة مكثفة وملموسة لامرأتين تواجهان مشاغل الأمومة وسط تقلبات ومنعطفات لا يمكن التنبؤ بها، وأيضا للتضامن النسوي ولحياة تُعاش بحرية ودون نفاق”.
وقدّم ألمودوفار بعض الأفلام الراديكالية والمتجاوزة في مسيرته، ولكن من العدل القول إن “أمهات متوازيات” ليس واحدا منها. لكن هذا ليس ذمّا، كما أكّد ذلك عدد من النقاد بعد مشاهدتهم الفيلم الأربعاء، إذ رأوا أن العمل يوفّر العديد من المسرّات لعشاق ألمودوفار، من بينها توجيههم إلى بيئته المألوفة المريحة.
"أمهات متوازيات" عدّه النقاد واحدا من الأعمال الدرامية المرحة، ومن أكثر أفلام ألمودوفار نضجا خلال مسيرته الفنية الطويلة
فمرة جديدة يستقرّ المُشاهد في تلك الشقق الأنيقة ومقاهي الأرصفة في مدريد المشمسة، حيث تدور أحداث الفيلم بين عامي 2016 و2018، إلى جانب الأثاث والملابس الأنيقة التي تحتوي على بعض الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء والصفراء النابضة بالحياة. كما يسمع المتابعون موسيقى الأوركسترا الخافتة لألبرتو إغليسياس بينما تتقلب الحبكة وتضيق.
وأكّد النقاد أن “أمهات متوازيات” يعدّ بلا شك واحدا من الأعمال الدرامية المرحة، ومن أكثر أفلام ألمودوفار نضجا لغاية الآن.
ومشى المخرج ألمودوفار وممثّلته المفضّلة كروز، وكلاهما تزيّا بالأسود، على السجّاد الأحمر لقصر السينما الذي بُسط على الخطّ الشاطئي لفينيسيا قبالة البحر، أمام عدسات الكاميرات لكن في غياب الجمهور، بحكم تدابير احتواء كوفيد - 19.
وستحضر كروز أيضا خلال الدورة الحالية بفيلم آخر ينافس على الأسد الذهبي وهو فيلم “كومبيتانسيا أوفيسيال” لغاستون دوبرات، والذي تؤدّي فيه النجمة الإسبانية دور مخرجة تواجه ممثّليْن تصعب إدارتهما، أحدهما أنطونيو بانديراس.
وخلال حفل الافتتاح، مُنحت جائزة أسد ذهبي تكريمية للمخرج والممثل الإيطالي روبرتو بينيني عن مجمل أعماله، وهو صاحب الفيلم الشهير “الحياة جميلة” (لا فيتا إيه بيلا).
وأهدى بينيني الجائزة لزوجته نيكوليتا براشي، وأعرب في كلمته بالمهرجان، عن سعادته بالحصول على هذه الجائزة، قائلا “أشعر الآن بإحساس هائل تجاه الجميع”. وأضاف مازحا “استحققت قطة صغيرة، أما الأسد فهو لإنجاز على مدى الحياة.. هنا في فينيسيا أفضل جائزة من الممكن أن أتمناها”.
ويواجه ألمودوفار، الوجه البارز في النهضة الثقافية الإسبانية والحائز على جائزتي أوسكار والطامح إلى الفوز بالجائزة الكبرى في فينيسيا، منافسة من عشرين فيلما آخر في الدورة الثامنة والسبعين من مهرجان فينيسيا السينمائي.
وتعود الكلمة الفصل للجنة التحكيم التي يرأسها هذه السنة الكوري الجنوبي بونغ جون - هو الحائز على السعفة الذهبية سنة 2019 عن “طفيلي” (باراسايت) ثم أوسكار أفضل فيلم بعد سنة عن الفيلم ذاته.
وقال بونغ جون - هو “واجه المخرجون فترة صعبة هذه السنة والسنة الماضية، لكن إذا ما التفتنا إلى الوراء يتبيّن لنا أن الأمر أشبه بمحنة أبرزت حيوية السينما”.
وتضمّ اللجنة أيضا الممثلة الفرنسية البلجيكية فيرجيني إيفيرا والمخرجة الأميركية من أصل صيني كلوي جاو.
وقد حصدت جاو ثلاث جوائز أوسكار عن فيلمها “نومادلاند” من بينها جائزة أفضل فيلم، بعد بضعة أشهر من نيلها الأسد الذهبي العام الماضي.
ومسار جاو يحلم به الكثير من المخرجين المشاركين في المنافسة، من السينمائيين المخضرمين مثل النيوزيلندية جين كامبيون بفيلمها الجديد “قوة الكلب” (ذي باور أوف دوغ) إلى المبتدئين مثل ماغي غيلنهال التي تقدّم في “الابنة المفقودة” (ذي لوست دوتر) تجربتها الأولى خلف الكاميرا مع فيلم مقتبس عن رواية الكاتبة الشهيرة إيلينا فيرانتي.
بين الأفلام المتنافسة ثلاثة فرنسية هي “عالم آخر” (آن أوتر موند) لستيفان بريزيه و”إيلوزون الضائع” لغزافييه جيانولي و”الظاهرة” (ليفينمان)، وهو اقتباس عن رواية آني إيرنو عن موضوع الإجهاض من إخراج الفرنسية اللبنانية أودري ديوان.
خمس مخرجات
تحظى السينما الأميركية - اللاتينية بتمثيل جيد مع فيلم “كومبيتانسيا أوفيسيال” للأرجنتيني غاستون دوبرات و”سانداون” للمكسيكي ميشال فرانكو مع فريق دولي من الممثلين بينهم تيم روث وشارلوت غينسبور.
وخمسة أفلام من الأعمال المتنافسة على جائزة الأسد الذهبي هي من توقيع نساء، إذ لم يبذل المهرجان هذه السنة الجهد نفسه الذي بذله العام الماضي في مجال تحقيق التكافؤ بين الجنسين، فقد ضم برنامجه عام 2020 ثمانية أفلام لنساء من أصل ثمانية عشر فيلما.
ومن المرتقب الإعلان عن الفائز في الحادي عشر من سبتمبر لهذه الدورة الثانية التي تعقد في زمن كورونا. ولم ترتق دورة العام الماضي إلى مستوى التطلعات بسبب الجائحة التي عقّدت الأمور وحالت دون حضور الفائزة الكبرى كلوي جاو وبطلة فليمها فرانسيس ماكدورمند لتسلّم الجائزة.
ويبدو جوّ المهرجان هذا العام أكثر ارتياحا بفضل اللقاحات، ولو أن تطبيق الإجراءات الصحية الصارمة سيستمر، والتصريح الصحي سيكون إلزاميا.
وسيكون في إمكان نجوم كثر المشي على السجادة الحمراء حتى الحفل الختامي، من كريستين ستيوارت في دور الليدي ديانا في فيلم “سبنسر” للمخرج بابلو لارين، إلى بنديكت كامبرباتش مرورا ببينيلوبي كروز وأنطونيو بانديراس.
وتشكّل “موسترا 2021” عودة كبار أسماء السينما والأستوديوهات الهوليوودية إلى فينيسيا، حيث ستعرض أفلام من تسعة وخمسين بلدا.
وقال باربيرا “الكلّ يريد المجيء للترويج للأفلام ومشاهدتها في الصالات والعودة إلى الحياة الطبيعية، ولم يكن من الصعب إقناع أحد بالقدوم”.
ولاحظ أن “نوعية الأفلام عالية جدا هذه السنة، كما لو أن الظروف الصعبة حفّزت إبداع المخرجين.. ما يعني أن هذه النسخة ستكون على الأرجح من أفضل دورات السنوات الأخيرة”.
ومن الأنشطة الأخرى المرتقبة في الدورة الجديدة من المهرجان الإيطالي العريق عرض النسخة الجديدة من رواية “دون” الخيالية في فيلم من توقيع الكندي دوني فيلنوف، خارج إطار المسابقة، فضلا عن “المبارزة الأخيرة” (ذي لاست دويل) الذي أعاد فيه ريدلي سكوت جمع مات دايمون وبين أفلك بعد ربع قرن على “غود ويل هانتينغ”.