عن أسباب اغتيال القيادي صالح العاروري

السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح لماذا اختارت إسرائيل الشروع في اغتيالاتها الخارجية بالشيخ صالح العاروري وذلك بعد أن هدمت بيته في مسقط رأسه قرية العارورة المجاورة لمدينة رام الله بنهاية شهر أكتوبر.
الخميس 2024/01/04
العاروري يعلم ما لا يعلمه الآخرون

من اليسير القول إنّ إسرائيل تبذل قصارى جهدها لإطالة أمد حرب الإبادة التي تشنها ضد الشّعب الفلسطيني وتوسعتها لتشمل الجنوب اللبناني أيضا، ومن اليسير القول أيضا إن إسرائيل مصابة بحرج وإحباط كبيرين لعدم تحقيقها أيا من أهدافها العسكرية المعلنة في مطلع الحرب مع علمها التّام أن غزّة ليست بلقمة سائغة وأنها أجبرت على الانسحاب منها في منتصف أغسطس – آب من العام 2005.

يبرز التصعيد العسكري الإسرائيلي جليا من خلال اعتزامها احتلال محور فيلادلفيا رغم الغضب المصري من خطورة هذه الخطوة، وأيضا استهدافها المتواصل لأهداف عسكرية مضادة لها خارج أرض فلسطين العربية، والذي تجلّى باغتيال القائد رضي موسوي في حي السيدة زينب في العاصمة السورية الأسبوع الفائت، وهو أحد كبار مستشاري الحرس الثّوري في سوريا، فاستهداف إسرائيل لهذه الشخصية القيادية الوازنة أمر مهم جدا لها من الناحية العسكرية ومحرج جدا للقيادة الإيرانية بذات الوقت، فهو ليس كالاستهدافات المتتابعة التي تتلقاها إيران في المنطقة، والتي باتت خبرا عاديا جدا بالنسبة إلى المشاهد العربي.

كما يبرز اغتيال الرجل الثاني في حركة حماس القيادي صالح العاروري في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية، سياسة إسرائيلية واضحة، تنعكس باستفزاز جبهات المقاومة خارج فلسطين، والعمل على جرّها أكثر وتوريطها بشكل أكبر في الدخول معها بمواجهة أعمّ وأشمل تتيح لها القضاء على أي مصادر للخطر أو القلق المستقبلي لها، كما يتيح لها ممارسة هواياتها بتدمير المدن العربية عن بكرة أبيها أسوة بالفلسطينية وتهجير أهلها وإدخال تلك البلاد في أزمات عميقة تحتاج إلى عدة عقود للخروج منها والبدء من الصفر.

◙ القيادة الإسرائيلية مصممة على المضي بعيدا في عمليتها العسكرية في قطاع غزة، ولهذا تبحث عن انتصار خارج الحدود من خلال الاغتيالات، للتغطية على العجز العسكري الذي أصابها

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، لماذا اختارت إسرائيل الشّروع في اغتيالاتها الخارجية بالشيخ صالح العاروري، وذلك بعد أنّ هدمت بيته في مسقط رأسه قرية العارورة المجاورة لمدينة رام الله بنهاية شهر أكتوبر الفائت. مع العلم أن رئيس وزراء إسرائيل هدد بتصفيته علنا بعد السّابع من أكتوبر.

كان بيّنا لأي متابع أن العاروري كان ملمّا بتفاصيل عملية طوفان الأقصى، وتتوفر لديه كامل المعلومات قبل الهجوم وبعده، الأمر الذي ظهر من خلال مقابلاته التلفزيونية فهو كان على النقيض تماما للقيادات الحمساوية في الخارج التي ظهرت على شاشات التلفاز وكأنها تقدم خُطب جمعة وليس لديها أدنى معلومة أو علم مسبق بخصوص الهجوم، لكن الاستثناء كان صالح العاروري طبعا، كما لا يستبعد أن العاروري شارك بالتخطيط لهذا الهجوم وذلك بسبب خبرته في هذا المجال فهو من مؤسسي كتائب القسام في الضفة الغربية وهذا هو السبب الأوّل. أما السبب الثّاني فالشيخ صالح العاروري كان ذا خطاب وحدوي، ولم يسجل عليه التورط بتصريحات مسمومة ضد السلطة أو حركة فتح، وخير آية على ذلك، تصريحه اللافت خلال لقاء متلفز حديث، الذي قال فيه “إننا نثق بكل الخطوات السياسية والدبلوماسية والقانونية التي تقوم بها قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير، فهم الأقدر على مخاطبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن والرباعية الدولية”. كما نعى رئيس الوزراء الفلسطيني محمّد اشتية الشهيد الشيخ صالح العاروري كما وصفه وأدان جريمة اغتياله، وفي سياق متصل، أعلنت أقاليم حركة فتح في الضفة الغربية يوم الأربعاء يوم إضراب شامل على جريمة اغتيال العاروري.

وعطفا على ما سبق، يبدو أن القيادة الإسرائيلية مصممة على المضي بعيدا في عمليتها العسكرية في قطاع غزة، والتي لم تحقق أي انتصار معلن بها، ولهذا تبحث عن انتصار خارج الحدود من خلال الاغتيالات، للتغطية على العجز العسكري الذي أصابها بعد السابع من أكتوبر، فمن المؤكد أن تصنيف جيشها بعد ذلك التاريخ لم يعد كما هو، ولم تعد مهابة عسكريا ولا استخباراتيا كما قبل، وأنّها لن تقتنع وترفض أن تقتنع بأن هذه الحرب ستنتهي إلى صيغة واحدة ألا وهي صيغة لا غالب ولا مغلوب وهي صيغة تتيح لكلا الجهتين القول بأنها قد انتصرت.

 

اقرأ أيضا:

      • ليست الدولة الفلسطينية اختراعا إيرانيا

      • شعوب انتحارية تمجد الموت

9