عنف الزوجات يستفحل في ظل خوف الرجل من النظرة الدونية

ينكر الكثير من الأزواج تعرضهم للعنف من زوجاتهم، خوفا من نظرة المجتمع الدونية لهم والتي تبخس رجولتهم في مجتمعات ذكورية. وتنتهي العديد من العلاقات الزوجية ومن ثمة تشتت الأسرة بسبب ممارسة الزوجة للعنف ضد زوجها، لكن غالبية الدراسات الاجتماعية والإحصائيات المرتبطة بالطلاق تتحدث عن عنف الزوج وتهمل عنف الزوجة لارتباطه بأبعاد ثقافية وتقليدية تجعل الرجال يفضلون عدم التصريح بتعرضهم للإهانة أو الضرب من زوجاتهم.
يعتبر مختصون في علم الاجتماع أن تداعيات التفكير الذكوري لا تقف عند المساس بحقوق النساء في المجتمعات العربية بل تمتد لتلحق الضرر بالذكور أنفسهم، ففي العديد من الحالات يتعرض الأزواج للتعنيف المعنوي أو اللفظي أو المادي من زوجاتهم ولكن أغلبهم يفضلون التكتم وعدم التصريح بذلك حتى وإن وصلت علاقاتهم الزوجية إلى الطلاق.
ومنذ الطفولة يغرس في الولد مقولات مثل أنت لا تبكي لأنك رجل وأنت لا تهان أو تضرب لأنك رجل ولا يمكن أن تتغلب عليك امرأة لأنك الرجل.. هذه المقولات التي تستند إلى مرجعيات ثقافية وتربوية تغرس في الرجل منذ صغره الإحساس بالعار والفضيحة في حال عنفته امرأة وهو ما يفسر به علماء النفس سكوت أزواج على تعرضهم للعنف من زوجاتهم.
ويُربط تصاعد وتيرة العنف في الوسط الأسري بارتفاع منسوبه في المجتمع ككل، وهو ما تؤكده العديد من البحوث والإحصائيات ولكن زيادة العنف في الوسط الأسري والذي ترتكبه الزوجة في حق شريكها في المجتمعات العربية تفتقد للدراسة المعمقة ويرجح الباحثون الاجتماعيون أن الأرقام لا تعبر عن حقيقتها كونها من التابوهات التي لا يصرح بها الضحايا أنفسهم.
وكثيرا ما نلاحظ في المجتمعات العربية زوجات يطلبن الطلاق بسبب إهانة أو ضرب الأزواج لهن وقد يلتجئن في بداية مواجهتهن لعنفهم إلى عائلاتهن أو عائلاتهم أو إلى أصدقائهم وأصدقاء الأسرة والمقربين منهم عموما، وتشتكي الزوجة من تفاصيل الاعتداء عليها دون حرج، في المقابل نادرا ما نرى أزواجا يلتجئون إلى الشكوى من تعرضهم للضرب مثلا من زوجاتهم للعائلتين المتصاهرتين أو المقربين في المحيط الاجتماعي. ويظل عدد الرجال الذين يقدمون قضايا طلاق لأنهم ضحايا عنف الزوجة قليلا مقارنة بالواقع بحسب ما ترجح العديد من الدراسات.
ويعتبر عامة الناس أن اعتداء الزوجة على زوجها قليلا ما يحدث بل يبدو لهم نادرا، غير أن العديد من الدراسات تسجل اعتداءات مرتفعة ومن مختلف درجات العنف وتجمع غالبيتها على أن الأرقام لا تعكس الحجم الحقيقي للاعتداءات في الواقع، وتقول إحصائيات نشرت في العام 2016 إنه في العالم العربي تراوحت نسبة ممارسة العنف ضد الأزواج بين 23 و28 بالمئة، وترتفع هذه النسب في الأحياء الغنية والطبقات الاجتماعية الراقية، كما تقدم الزوجات الأميات على غالبية هذه الممارسات، ونوه القائمون بالدراسة إلى أن هذه النسب في ارتفاع وأنها تقدم بعضا من الحقيقة وفي بعض المجتمعات العربية تقدر نسب اعتداء الزوجات على الأزواج بأكثر من 50 بالمئة ومن بينها مصر.
ويرجع علماء اجتماع هذه النسب المرتفعة إلى اضطرابات نفسية وسلوكية وإلى طغيان المادة ومشكلاتها على الأوساط الأسرية العربية، وربط هؤلاء ظاهرة عنف الزوجات بحدوث خلل في البناء القيمي في المجتمع.
وتحكي راوية.س (28 عاما) قصتها عن دوافع تعاملها العنيف مع زوجها قائلة “تزوجته وكان موظفا في إدارة أحد المصانع، ثم بعد سنوات تم الاستغناء عنه وظل عاطلا عن العمل، وأنا أقوم بالإنفاق عليه من راتبي الذي أتقاضاه من عملي بإحدى الوزارات الحكومية، وفقد الحماس عن البحث عن عمل آخر وكان يستولي على راتبي، فطلبت الطلاق ولكنه رفض، وفي يوم ما حاول الاستيلاء على راتبي وعندما قاومته صفعني على وجهي بشدة فقمت برد الصفعة ثم دفعته على الأرض وتناولت حذائي وضربته حتى دخل علينا الجيران وكان ينزف، وبعد فترة من تواصل شجاراتنا العنيفة اضطر إلى تطليقي”.
وتقول سامية رضا (32 عاما)، ربة بيت، “تزوجت من رجل أحببته وتعاونا معا لمواجهة مشاكل الحياة وأنجبنا ثلاثة أطفال، إلا أنه كان بخيلا جدا ويتعمد إهانتي أمام أولادي وحتى أمام أهلي وجيراني، صبرت كثيرا ثم أدركت أنه على علاقة بامرأة أخرى، وفي يوم كان يحادثها صرخت في وجهه فانتفض وسقط الهاتف من يده، وانهلت عليه بالصفعات والركل لا شعوريا وبعد تلك الحادثة انفصلنا”. وترى أستاذ الفقه سعاد صالح أن الزوجة التي تضرب زوجها لا يمكن أن تكون سوية، كما أن الزوج الذي يضرب زوجته يحتاج أيضا إلى علاج سلوكي.
ويؤكد أستاذ الاجتماع محمود السيد أن العديد من الأسر تشتكي من العنف الذي تمارسه المرأة في البيت والذي يتمثل في الاعتداء على الزوج بالعنف الشديد الذي قد يصل في بعض الحالات إلى القتل، وهي ظاهرة خطيرة في مجتمعاتنا، ويمكن إرجاع أسباب هذه الظاهرة إلى عدة أسباب منها القهر الدائم الذي كان يمارس ضد المرأة وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها، ثم خروجها للعمل وشعورها بالاستقلال المادي وقدرتها على الإنفاق على نفسها وعلى أولادها، وفي نفس الوقت تمسك بعض الأزواج بالنموذج النمطي للزوج الدكتاتوري المعروف بـ”سي السيد” وهنا يصطدمان فتمارس الزوجة العنف قبل أن يمارس عليها أو ضدها.
النسب المرتفعة ترجع إلى اضطرابات نفسية وسلوكية وإلى طغيان المادة ومشكلاتها على الأوساط الأسرية العربية
ويتابع السيد “تظهر الدراسات الاجتماعية أن هناك علاقة بين سوء الأوضاع الاقتصادية ‘الفقر والبطالة’ وارتكاب أفعال العنف داخل الأسرة، ففي دراسة عن العنف المتبادل بين الزوجين اتضح أن الأزواج الذين ارتكبوا أفعالا عنيفة ضد زوجاتهم كانوا أزواجا عاطلين أو غير ناجحين في أعمالهم وفي إعالة أسرهم. وأن الزوجات اللاتي يمارسن العنف ضد أزواجهن كن زوجات لرجال عاطلين أو فاشلين في حياتهم العملية أو الاجتماعية. واستنتج باحثون أن البطالة ذات صلة حتمية بارتكاب جرائم العنف”.
من جانبها ترى أستاذة الاجتماع وعلم النفس آمال رفعت، أن الظروف الاقتصادية لا تسمح للزوجة أو الزوج بأن يفكرا كثيرا في الانفصال، وبالتالي من الممكن أن يقبل الزوج الذي تعرض للعنف أن يعود إلى بيت الزوجية ويستأنف حياته الأسرية دون شعور بالراحة والأمان، فالاعتداء عليه يجعله حذرا وخائفا من تكرار الواقعة.
وحسب دراسات نفسية واجتماعية لمثل هؤلاء الأزواج الذين اعتادوا على اعتداء وضرب زوجاتهم لهم فإن معظمهم ليسوا ذوي شخصية قوية ومن الذين يؤثر في نفوسهم كثيرا اعتداء زوجاتهم، وبالتالي يشعرون بالمهانة ولا يقدمون على الشكوى وفضح هذه الممارسات ويعجزون أحيانا عن صدها، ومنهم من يستسلم لواقعه ومنهم من يختار الانفصال. وهذا ناتج عن قيم الأسرة والبيئة الاجتماعية التي تربوا ونشأوا فيها، والتي غالبا ما تكون غير متوازنة أو تكون الأم فيها هي المسيطرة، وتمارس على آبائهم وعليهم أيضا التسلط وربما العنف مما يجعلهم مستسلمين لعنف زوجاتهم.