عندما يكون الطلاق مخرجا مؤقتا لتجربة جديدة

الأربعاء 2014/12/17
الطلاق مجرد نهاية لزواج فاشل وليس نهاية للحياة

ينظر كثير من الناس إلى الطلاق باعتباره نهاية لكل شيء؛ نهاية السعادة والاستقرار والحب والأمل، حيث يصوّر بعضهم شريك الحياة على أنه المحور الذي تدور في فلكه أهدافهم وطموحاتهم ومع غيابه أو ابتعاده عن شغل هذا المركز، فإن التوازن سيختل لتتساقط خارج إطاره الحلقات التي تكون تفاصيل حياتهم واحدة تلو الأخرى، في تتابع قد لا يتوقف حتى يأخذ معه أجمل الآمال واللحظات ولا يترك سوى مساحة فارغة من الحزن والوحدة والخوف من المجهول.

يقف متخصصون في إدارة أمور النفس البشرية إلى الضد تماما من هذا التوجه السوداوي؛ فالطلاق في نظرهم قد لا يعني بالضرورة ذبول شجرة الحياة، بما ينضوي تحت أوراقها من آمال وأحلام لم يتسع المجال لتحقيقها، بل قد يكون مخرجا مؤقتا لتحويل الاتجاه إلى طريق أفضل وإلى تحقيق آمال وأحلام أكبر أو للدخول في تجربة جديدة ربما يكتب لها النجاح والاستمرار.

وتؤكد أنجي هيلر، المحامية الأميركية المتخصصة في قضايا الطلاق ومؤلفة كتاب “الطلاق الحكيم، كيف نضع الخطط الإيجابية لحياة مقبلة”، أن بعض المطلقين قد يصابون بالصدمة بفعل الانفصال المفاجئ عن شريك الحياة، ومع صعوبة التأقلم مع هذا الواقع المؤلم لا يستطيع هؤلاء تصديق إمكانية تغيير الاتجاه الذي كانت تسير وفقه عجلة حياتهم، يدفعهم في ذلك الخوف من المجهول ومن خوض تجربة جديدة قد لا تكون مضمونة النتائج، والخوف من مواجهة الفشل مرة أخرى.

وترى أن هذه المشاعر نتيجة حتمية للتجربة السابقة، فضلا عن ذلك، فإن معاودة البحث عن الهوية الذاتية بمعزل عن الشريك وبعيدا عن دعمه وبعد أن يتم تحييدها لسنوات بسبب طبيعة الاندماج المعنوي والمشاركة في الأهداف والطموحات بين طرفي العلاقة، قد يجعل من حالة الانفصال وإعادة تشكيل الهوية الذاتية محاولة غير يسيرة، وربما يكتب لها الفشل عند أول منعطف.

تجربة الانفصال والابتعاد عن أحد الوالدين، يضع الطفل في تجربة غير سارة، حيث يتملكه الخوف من إمكانية خسارة الطرف الثاني

على العكس تماما، تؤكد هيلر من خلال تجربتها الثرية مع العشرات من الأزواج والزوجات الذين واجهوا تجربة الطلاق بكل تفاصيلها المادية والمعنوية، أن التحدي يقف دوما في بداية الطريق، لكن هذه البداية قد تكون العتبة الأولى لتغيير الاتجاه إلى خيارات ربما تكون أفضل وأجدى للبعض، حيث تسهل الوصول إلى أحلام وطموحات مكثت في الظل سنوات طويلة وحان الوقت لاستردادها. فالطلاق إذن، هو مجرد نهاية لزواج فاشل، وليس نهاية للحياة.

من جهة أخرى، توصلت دراسة بريطانية إلى أن 4 من بين كل 11 طفلا ولدوا في 2000 يعيشون تحت رعاية أسر لأبوين مطلقين، كما يشكل هذا الرقم أربعة أضعاف النسبة التي رصدتها دراسة مشابهة في العام 1960.

وألقى باحثون باللوم على الشريكين بسبب التهاون في الطلاق، وغياب الشعور بالذنب أو الخجل جراء اتخاذ مثل هذا القرار من دون وضع مصلحة الأبناء في الحسبان، وهم الطرف الأكثر تضررا عادة في حالة انفصال الأبوين، حيث يعاني أغلب الأطفال لوالدين مطلقين من مشاكل سلوكية مختلفة.

وأشارت نتائج الدراسة إلى أن البعض من هؤلاء الصغار بنسبة (1-7) قد شهد تجربة انفصال طرفي الأسرة أكثر من مرة، سواء أكان الانفصال لنفس الأبوين أو انفصال ثان لأحد الأبوين عن شريكه في زواج جديد.

الطلاق يسبب عاصفة من التغيير في حياة الطفل، حيث يواجه مشاعر متناقضة أهمها نهاية علاقة الحب والصداقة بين أبويه

ويؤكد روكسان كونلي؛ وهو كاتب وباحث أميركي، في تعليقه على هذه النتائج، أن الشريكين يجب أن يعملوا ما بوسعهم لرأب أي صدع في العلاقة الزوجية وأن يضعوا في حساباتهم أن إمكانية الإصلاح واردة في بعض الأحيان، إذ أن غالبية حالات الطلاق في هذه الأيام مردها إلى التساهل في اتخاذ هذا القرار الخطير، بحجة عدم الوفاق.

من جانبه، يرى كارل باكهارلد؛ عالم النفس الأميركي، أن الطلاق يسبب عاصفة من التغيير في حياة الطفل، حيث يواجه مشاعر متناقضة أهمها نهاية علاقة الحب والصداقة بين أبويه، إضافة إلى شعوره بالنقص جراء غياب أحد الوالدين ضمن برنامج حياته اليومية، حيث يعيش أغلب الأطفال لأبوين مطلقين في منزل أحد الوالدين.

ومع تفاقم مشاعر حادة بالحرمان والنقص، فإن شخصية الطفل تكون عرضة للاختراق من قبل مجموعة من العوارض المزاجية والإخفاقات السلوكية، وهي تقوده في المحصلة إلى دهاليز المرض النفسي.

كما أن تجربة الانفصال والابتعاد عن أحد الوالدين، قد يضع الطفل في تجربة غير سارة حيث يتملكه الخوف من إمكانية خسارة الطرف الثاني أو حدوث أمر غير متوقع، حيث يقع فريسة لمشاعر متناقضة من الخوف والحرمان وربما الهلع من توقع تغيير مفاجئ.

21