عمرو دياب فنان مصري يحافظ على عرش الغناء على مدار 30 عاما

الفنان المصري عمرو دياب أول مطرب عربي يتعاون مع منصة “نتفليكس” العالمية.
الثلاثاء 2020/09/15
ظاهرة فنية لا شبيه لها

 لم يكن اختيار منصة “نتفليكس” العالمية أخيرا للفنان المصري عمرو دياب لتقديم مسلسل غنائي من بطولته مفاجئا، فهو ظاهرة فنية قد لا تتكرر بسهولة، حيث تربع على عرش الغناء بمصر طوال 35 عاما، باعت ألبوماته خلالها نحو 50 مليون نسخة حول العالم.

حرص دياب على التركيز في عالم الموسيقى أكثر من التمثيل، ولم يحاول الجمع بين المهنتين، فهو يرى أن صاحب السبع صنائع لا يتقن أيّا منها، وحتى تجربته الجديدة للتمثيل باتفاق مع “نتفليكس” جاءت بعد غياب استمر 27 عاما منذ آخر تجاربه السينمائية في فيلم “ضحك ولعب وجد وحب” مع عمر الشريف، وفضل قصة لا تبعد عن مجاله الأصلي، ولا تتطلب قدرات تمثيلية عالية.

 تعود أولى مغامراته التمثيلية إلى منتصف الثمانينات، حينما شارك في لقطات محدودة في فوازير “الخاطبة” و”ألف ليلة وليلة”، وحلّ بعدها كضيف شرف في عدة أعمال تجمع بين السينما والدراما مثل فيلم “السجينتان” مع إلهام شاهين، ومسلسلي “آسف لا يوجد حل آخر” و”ينابيع النهر” مع الفنان صلاح السعدني.

وسط العفاريت

اتسعت مساحة مشاركة دياب لتقترب من البطولة الثانية في فيلم “العفاريت” لمديحة كامل، ثم البطولة الكاملة في فيلم “آيس كريم في جليم”، ثم قرر الابتعاد عن السينما تماما بعدها بعام واحد، عقب “ضحك ولعب وجد وحب”، حينما شعر بأن دوره لا يتعدى المطرب المكمل للعمل وليس البطل، ما لا يتماشى مع شخصيته في تفضيل رقم واحد.

وخلال غيابه عن السينما والدراما، ارتبط بأعمال فنية تتعلق بسيرته بينها مسلسل لصديقه الكاتب مدحت العدل بعنوان ”الشهرة“ يتناول قصة حياته وتحول المشروع بعدها بعامين إلى فيلم سينمائي، قبل أن يتوقف المشروع لسبب غير معروف، لكنه يعود إلى تخوف دياب من التجربة، وتفضيله تأجيلها لسنوات قادمة.

ويبدو أن عودة دياب للدراما مجددا تقف وراءها الفنانة دينا الشربيني التي من المقرر أن تشاركه مسلسل “نتفليكس”، وقبلها أعادته إلى أماكن تصوير الأعمال الدرامية، وحرصت على حضوره تصوير مسلسلها “زي الشمس”، الذي شارك في الماراثون الرمضاني قبل عام والتقاط صور مع فريق التمثيل والإخراج.

وهج دائم

دياب أول مطرب عربي يدخل موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية
دياب أول مطرب عربي يدخل موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية

 يحمل عرض “نتفليكس” مغريات تجعله غير مرفوض، فالمنصة العالمية لعبت على وتر يحبه دياب كثيرا يتعلق بالصدارة، ومسلسلها سيجعله أول مطرب عربي يتعاقد مع منصة عالمية توفر كل الإمكانيات الإنتاجية والصلاحيات التي كان يحلم بتحقيقها ولا يتطلب قدرات تمثيلية كبيرة على عكس الدراما التقليدية، كما يقرّبه من جمهور الشبكة الضخم الذي يتجاوز 193 مليون متابع في أكثر من 190 دولة حول العالم.

يمثل المسلسل استراحة له من الغناء انتظارا لألبوم قوي يعود به للجمهور، مع وجود بعض الشكاوى في آخر أعماله من تكرار الكلمات بصورة لافتة كأغنية “تعالى” و”عدّى” التي تكررت عشر مرات في أغنية واحدة في ألبوم “كل حياتي”، أو افتقار بعض الأغنيات للمعنى الواضح من ورائها مثل “بتخلينى أقول“.

يمتلك دياب، الذي احتفظ باسمه الأصلي ولم يغيره، مؤهلات فريدة جعلته الوحيد تقريبا، الذي لم يختف وهجه من جيله حتى الآن، رغم الأسماء الكبيرة التي تزامنت مع انطلاقته الفنية، وقد تتقدم عليه على مستوى تميز نبرة الصوت وقوة طبقاته، مثل محمد منير ومدحت صالح ومحمد ثروت، فهو يمتلك مواصفات خاصة من الذكاء والتركيز ولا يسمح لأي عوامل خارجية لتشتيته.

اختار طابعا غنائيا مغايرا منذ ظهوره الفني، وبحث عن الجديد دائما، حتى أصبحت أغنياته بمثابة أرشيف عاطفي لأجيال كاملة، فكلمات أغنياته وربما عناوينها مثلت حالات وجدانية تتعدى حدود التصنيف الزمني أو الربط بفئات عمرية بعينها لينجح في خلق جمهور مختلف الأعمار يجمع بينه الشغف الدائم بأعماله المستقبلية والجديد الذي يتضمنها.

نشأ دياب في أسرة ميسورة الحال آمنت بقدراته منذ نعومة أظافره، فوالده كان رئيسا لإدارة الإنشاءات البحرية وبناء السفن في شركة قناة السويس، ودفع به الأب نحو الفن منذ طفولته بإشراكه في مهرجان “بورسعيد” الغنائي على شاطئ القناة، وعمره لا يتجاوز السادسة، ليغني النشيد الوطني المصري “بلادي.. بلادي” ويلقى إعجابا من السلطات المحلية، وحينها أهداه محافظ الإقليم قيثارة موسيقية.

تعوّد على التنقل المتواصل، فبعد سنوات من الإقامة في بورسعيد نشبت حرب 1967 التي انتهت باحتلال سيناء وتعرض المدينة الباسلة للتدمير، واضطر للرحيل مع أسرته إلى مسقط رأس والده بإحدى قرى محافظة الشرقية، في شمال شرق القاهرة، قبل أن يعود مجددا إلى بورسعيد، ومنها إلى القاهرة لدراسة الموسيقى العربية في أكاديمية الفنون.

غناء بلغات متعددة

عودة دياب للدراما تقف وراءها الفنانة دينا الشربيني التي من المقرر أن تشاركه مسلسل “نتفليكس”
عودة دياب للدراما تقف وراءها الفنانة دينا الشربيني التي من المقرر أن تشاركه مسلسل “نتفليكس”

بدأت مسيرته الفنية عام 1983 بإصدار ألبوم بعنوان “يا طريق” الذي تعاون فيه مع أسماء كبيرة، مثل الملحن هاني شنودة، وبعدها بثماني سنوات حقق انطلاقة أخرى بإحيائه حفل دورة الألعاب الأفريقية مطلع التسعينات، وغنى أغنية “أفريقيا” في استاد القاهرة أمام عشرات الآلاف، بثلاث لغات العربية والإنجليزية والفرنسية، ليجذب انتباه القنوات الغربية التي كانت تبث الحفل بشكل مباشر. نجح دياب في تغيير جلده باستمرار ليواكب تطور الذائقة الفنية وتبدل العصور وتأثيراتها على الجمهور وصبره، فاختار الكلمات والألحان التي تواكب كل عصر، حتى أصبح أول مطرب عربي يدخل موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية، في فئتي عدد جوائز الموسيقى العالمية التي حصل عليها، ومبيعات ألبوماته بالشرق الأوسط تغيرت عادات الاستماع كثيرا في الربع قرن الأخير، لكنها لم تؤثر في شعبية الفنان الذي يشارف على الستين، فالجيل الأول من مستمعيه يتذكر طفولته مع أغانيه على أجهزة التسجيل الصغيرة، والمستمعون الحاليون يسمعون الصوت نفسه لكن عبر تطبيقات الهواتف الذكية. ولهذا تعرض، مؤخرا، خادم الإنترنت الخاص بتطبيق شهير لعطل مفاجئ مع الدقائق الأولى لبدء حفله المباشر نظرا للإقبال الجماهيري الكبير.

يتميز بعقلية مختلفة في انتقاء كلمات أغانيه، فرغم شهرته يعمل بأسلوب “الهاوي النهم” الباحث عن الجديد دائما، مع تنحية الصداقات الشخصية جانبا عن العمل، فلم يربط نفسه بأسماء ثابتة، مهما بلغ عدد مرات التعاون معها، واستعان بأسماء جديدة مغمورة تتواكب مع أفكار عصرها للاستفادة من ميل الشباب نحو التجديد. ويحلو لكثيرين اعتباره امتدادا للمطرب الراحل عبدالحليم حافظ، الذي كان يملك النهم ذاته والحرص على التجديد دائما وغنى باللهجتين الصعيدية والشامية، لكن دياب يرفض ذلك اللقب كثيرا، فهو يعتبر نفسه مختلفا، ولا يستطيع أن يصنع أو يقدم الموسيقى الكلاسيكية القديمة ذاتها، مع إيمانه دائما بضرورة التجديد.

جمع في أعماله بين قليل من التراث وكثير من الحداثة في الوقت ذاته، فوسط ضربات الموسيقى الغربية التي استحدثها داخل أغانيه، تتداخل آلة العود والوتريات الشرقية، فيحمل المستمع معه من الشرق إلى الغرب في دقائق دون تنافر.

لم يغير طريقته رغم تعرضه لهجوم عنيف باتباع الأسلوب الغربي في الأغاني ومقارنته بزملائه المحافظين الذين ساروا على درب جيل الكبار السابقين له، كان رده هادئا ومنطقيا ليؤكد أن العصر الذي نعيشه هجين بين السمعي والبصري، ومستقبل الأغنية سيكون لحيوية تصويرها، كما في موسيقاها وكلماتها، وهي معادلة أثبتت صحتها على مدار سنوات.

ساهمت تلك المعادلة في ترجمة العديد من أغاني دياب إلى لغات عدة، بينها الإنجليزية والفرنسية والروسية، وتصدر خمسة من ألبوماته قائمة أفضل عشر أغنيات في تصنيف “بيلبورد” العالمية، والوحيد الذي فاز بثلاث فئات من جائزة “وورلد ميوزك أوورد”.

يعزو الفنان الشهير سر نجاحه إلى القدرة على الانتقاء ورؤية تفاصيل لا يلتفت إليها غيره، فيحرص على اختيار أغان مبهجة تشيع مناخا من السعادة وحب الحياة لإخراج الناس من الهموم التي يصادفونها في حياتهم، باستثناء مجموعة أغان حزينة لا تتجاوز اليد الواحدة أشهرها “ورجعت من السفر” وارتبطت ببداية حياته الفنية.

تحافظ أحدث أعماله “أماكن السهر” على صدارة المركز الأول في المشاهدة، بموقع المقاطع المصورة “يوتيوب” بعدما حققت ثلاثة ملايين مشاهدة في أول يومين، ومثلها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، بفضل التنوع بين أغنياته التي تضمنت أشكالا موسيقية متباينة بتوزيعات لطارق مدكور ونادر حمدي وأسامة الهندي ورامي سمير.

الهضبة

تجربته الجديدة للتمثيل باتفاق مع “نتفليكس” جاءت بعد غياب طويل
تجربته الجديدة للتمثيل باتفاق مع “نتفليكس” جاءت بعد غياب طويل

يمتاز دياب بقدر كبير من الانضباط الانفعالي ولا ينجر الفنان إلى ساحة المعارك الإعلامية بسهولة، ويعرف كيف يخفي أسراره الخاصة، فلم يعلق على طلاقه من زوجته الأولى الفنانة شيرين رضا، مهما تم استفزازه والإلحاح عليه ويكتفي بمقولة “الخطأ ليس مني أو منها”، لم يعلق على مطاردته إعلاميا بسبب علاقته الغريبة مع الفنانة دينا الشربيني وظهورهما المستمر معا، وكرر الأمر ذاته حين سؤاله عن وجود علاقة بينه وبين مديرة أعماله هدى الناظر، وانفصاله عن زوجته زينة عاشور. يعزو البعض حفاظه على شعبيته الكبيرة إلى زينة عاشور، التي غيرت من فكره تجاه الشكل الخارجي، فهجر الملابس التقليدية التي اعتاد ارتداءها وقصة الشعر الكلاسيكية وبدأ يظهر في كل أغنية وألبوم بشكل مختلف، وظلت السترة الشتوية التي ارتداها في أول ألبوماته بعد زواجهما عام 1993 “تملي معاك”، الأشهر لسنوات بين الشباب، ولا تزال الأغنية ذاتها الأكثر شعبية بين المستمعين في مصر، وفق استفتاء شمل 7500 شخص أجرته منصة عالمية للأغاني أخيرا.

يعشق دياب دائما لقب الأول، فكانت له الصدارة في الغناء بطريقة الرقص الهادئ والجمع بين الألحان الشرقية والأجنبية، وابتكار نمط غناء مصري على طريقة البوب الأميركي، واستغلال موسيقى الرقص الإلكترونية “الهاوس”، كما كانت له الصدارة في تصوير إعلانات تجارية مع مغنين ولاعبي كرة قدم عالميين، وتقديم عارضات عالميات لهن شهرة كبيرة في أغانيه المصورة. عشقه لعمله جعله يرتبط بعلاقة خاصة مع الجمهور وصلت إلى درجة تصدي المستمعين ذاتهم لمشكلة صادفته منذ سنوات في تسريب الكثير من أعماله قبل صدورها عبر مقاطعة تحميلها وانتظار صدورها رسميا، وطوّر فكرة جديدة بإصدار نسخة إلكترونيّة من ألبومات لمن يريد أن يشتري إحداها قبل صدوره رسميا. وظل يحافظ على جسد رياضي تقليدي، حتى أخذ يتحول إلى شبيه بأبطال كمال الأجسام في عمر الخمسين، مقبلا على صالات اللياقة البدنية ليرضي هوس جمهوره بعالم العضلات المفتولة، مضاهيا أجيالا جديدة ظهرت على الساحة الغنائية مثل محمد حماقي وتامر حسني في البنية الجسديّة والشّباب المتجدّد.

هوس دياب بالرياضة قديم لكنه ارتبط بكرة القدم كهاو يلعب في خط الوسط بفريق هيئة قناة السويس في أواخر السبعينات، وخلالها اكتسب لقب “الهضبة” الذي لا يزال يحتفظ به ويقدره، وجاء بسبب تميزه بالشراسة والعنف في الضغط على المنافس، ليشبه الهضبة الصخرية التي ينكسر أمامها المهاجمون، في الرياضة والفن.

13