عمان تحتفي بناصر الدين الأسد في كتاب جديد
ناصر الدين الأسد أشهر من تعريفه للقارئ العربي، فهو الناقد والمثقف والشخصية الثقافية المرموقة، ولد في العام 1922 بميناء العقبة الأردني، وتوفي في العام 2015 بمدينة عمان، واقترنت شهرته وحضوره المعرفي بكتابه الأشهر “مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية”، هذا الكتاب الذي ظل حاضراً على صعيد القراءة وعلى صعيد المرجعية الأكاديمية أيضاً، منذ صدور طبعته الأولى في العام 1956 ، حيث صدر حتى الآن بتسع طبعات، كان آخرها الطبعة الصادرة في العام 1995 عن دار الجليل بعمان.
لقد ابتدأت علاقتي بكتاب “مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية” منذ العام الدراسي الجامعي الأول، وقد كتبت من قبل عن هذه العلاقة، حتى كان يذهب بي الظن أحياناً إلى أنه كتابه الوحيد، مع أنه كان أطروحة الأسد لنيل الدكتوراه، وقد سبقتها أطروحته للماجستير “القيان والغناء في العصر الجاهلي”، وحين اطلعت عليها في ما بعد، وجدتها من المراجع المهمة في هذا الباب من أبواب الدراسات الأدبية والتاريخية.
إن ما أعادني إلى الدكتور الأسد كتاب جديد صدر مؤخراً في العاصمة الأردنية بعنوان” ناصر الدين الأسد وآثاره في اللغة والأدب” للدكتور إبراهيم خليل. ولئن كانت معرفتي بالدكتور الأسد قد توسعت، بعد أن أقمت في عمان منذ خريف سنة 2003، فقرأت من تآليفه ما لم أكن قد قرأت من قبل، والتقيته وكتبت عنه، وكتب عني يحييني، في عمود أدبي، نشره في صحيفة “الرأي”، وقد نقله سليم النجار في كتابه “سنين عمان مع الشاعر حميد سعيد”، فإن كتاب الدكتور إبراهيم خليل الذي عَرَّف فيه بنشاط الأسد في التأليف والكتابة والدرس الأكاديمي، أضاف إلى كل ما أعرفه وما عرفته عنه، ما لم أعلم.
في مقدمة الكتاب، وهي بقلم المؤلف، جمع بين سيرتين للدكتور الأسد، سيرته الشخصية وسيرته العلمية، حيث ينتهي منها المتلقي وهو على معرفة طيبة به، إنساناً وعالماً من خلال سيرتيه، حيث لا يمكن الفصل بينهما إلا في سياق الكتابة والتعريف به وبإنجازاته المعرفية. ومما جاء في المقدمة، مبيناً عمله في هذا الكتاب، قوله “هذا ‘الكتيب’ الذي رأينا أن نجمع فيه ما تفرق وتناثر مما كتبناه ونشرناه عن الراحل، في حياته وبعد مماته، لا يفي ببعض ما له في أعناقنا من دين”.
وإذا كان وصف “كتيب” الذي أطلقه المؤلف على كتابه هذا، يفصح عن تواضع الكبار، فهو عندي كتاب مرجعي في كل ما يتعلق بإنجازات الأسد المعرفية، وصفحات من سيرته الشخصية، فهو يتناول جميع مؤلفات الدكتور ناصر الدين الأسد بالعرض والنقد، معترفاً بفضل الأستاذ على التلميذ، محاولاً في الوقت ذاته أن يقدم رأياً في ما كتبه، مؤيداً أو معترضاً، وبخاصة تأملاته النقدية المهمة والجادة في “أمالي الأسد” التي جمعها وأصدرها الدكتور إسماعيل منيزل القيام، حيث انفرد بهذا الجهد المتميز من بين تلاميذ الأسد.
وللأسد كما يقول الدكتور ابراهيم خليل: الكثير من البحوث والدراسات الموسوعية والأدبية واللغوية، التي تجمع بين الشمول والتنوع، وتأصيل الدرس اللغوي والأدبي، ما يجعل القول بأن الأسد وحيد عصره ونسيج وحده، قولاً حرياً بالقبول، خالياً من التزيد والفضول.
أما على الصعيد الشخصي فيقول: بسبب هذه الجهود المتميزة، تسنم عدداً من المناصب السامية، التي سمت به ولم يسم بها، فكان أول وزير للتعليم العالي في الأردن، وأول رئيس للجامعة الأردنية الأم، وأول عميد لكلية الآداب فيها، وأول رئيس مؤسس للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية وأول عميد لكلية الآداب في جامعة بنغازي في المملكة الليبية سنة 1959، واختير عضواً في مجامع اللغة العربية في القاهرة ودمشق وعمّان، وفي الهند والصين، واختير أيضاً عضواً في المجلس الاستشاري للثقافة الإسلامية في لندن، وعضواً في هيئة تحرير الموسوعة الفلسطينية.
وأخيراً، لا بد من القول إن كتاب “ناصر الدين الأسد وآثاره في اللغة والأدب” جهد بحثي يضاف إلى جهود الدكتور إبراهيم خليل في البحث والنقد، ويعطي للعلامة ناصر الدين الأسد بعض ما يستحق.
كاتب عراقي