علي معلول ملك الحلول ومفتاح انتصارات الأهلي المصري

قائد منتخب تونس الملقب بـ"أسرع دليفري" في مصر.
الأحد 2023/05/28
أحد أساطير النادي الأهلي

ليس بالمفاجأة عند مطالعة صفحات المشجعين للنادي الأهلي المصري رصد مناشدات وأمنيات جمهوره مشاهدة النجم التونسي المحترف بصفوف الفريق علي معلول، وهو يرتدي شارة قيادة الفريق خلال نهائي دور أبطال أفريقيا أمام الوداد المغربي في الرابع والثاني عشر من يونيو المقبل، تكريما له على جهده وعطائه مع فريق الكرة.

تبدو حالة الوئام والمحبة والعشق من جانب جماهير النادي الأهلي للتونسي معلول فريدة من نوعها، ويمكن رصدها بسهولة عبر كل مباراة يؤديها الفريق ويكون فيها معلول أكثر من مجرد لاعب، حيث بات في نظر غالبية مشجعي الفريق الأحمر، جزءا من الكيان، وقائدا محنكا على أرضية الميدان.

صانع السعادة

خلال مباراة الأهلي وإنبي بالدوري المصري قبل أيام في القاهرة، بلغ شغف المشجعين لرؤية معلول يرتدي شارة الكابتن أنهم تمنوا ألا يلعب قائد الجبهة اليمني محمد هاني الذي عادة ما يتسلم الشارة حال غياب حارس المرمى المخضرم محمد الشناوي، لكن أمنية الجمهور لم تتحقق، فلم يلعب الشناوي للإيقاف، لكن كان هاني هو القائد رسميا في الملعب، وفقا لعرف يعمل به النادي الأهلي.

بوكس

وتؤكد العلاقة بين جماهير الأهلي المصري والتونسي علي معلول، إلى أي درجة أصبح في نظرهم أحد أساطير النادي، ولم يعد مجرد لاعب محترف يؤدي دوره في الملعب بكفاءة واحتراف واقتدار، ويستطيع بسهولة صناعة الفارق لصالح فريقهم، وتحول إلى أكبر من قائد للجبهة اليسرى وملك الحلول العلمية و”الأسيست” السهل.

ما إن ذُكر اسم النجم علي معلول القادم من فريق الصفاقسي التونسي أمام أيّ مشجع لفريق مصري، ولو لم يكن من أنصار الأهلي، إلا ويتبادر إلى الأذهان تلك المسميات التي التصقت بشخصيته مع الفريق الأحمر، فهو المعروف عنه إعلاميا بـ “أسرع دليفري في مصر”، أي أنه الأكثر قدرة على توصيل المهاجم إلى المرمى بلمسة واحدة.

هو أيضا “معلول ملك الحلول”، بحكم إمكانياته ومهارته التي تؤهله لإنقاذ فريق الأهلي من التعادل أو الخسارة، مهما كانت طبيعة الخصم، إذ يمكنه بسهولة أن يقدم حلا سحريا للمهاجمين يستطيعون من خلاله فك طلاسم المنافس، أو ينجح في ركل الكرة بالمرمى من أيّ زاوية معلنا انتصار فريقه.

صنعت إمكانيات علي معلول علاقة وطيدة له مع جمهور الأهلي حتى باتوا يصفونه بصانع السعادة في القلعة الحمراء، لكونه الظهير الطائر الذي يخشاه لاعبو الفرق المنافسة، ويمتلك قدما يسرى مصبوغة في اللمسات السحرية، والأهم أنه نجح في جميع الاختبارات التي خضع لها ليكسب شعبية كبيرة عند مشجعي الأهلي.

في كل مرة، يثبت معلول أنه الابن الشرعي للأهلي، وليس مجرد لاعب محترف، ومشجعو القلعة الحمراء في مصر بطبيعتهم لا يحبون اللاعب الذي يتعامل مع الفريق بمنطق احترافي ويؤدي دوره في الملعب لمجرد أنه وقع عقدا مع الفريق، ويستهويهم المحترف العاشق للنادي وشعاراته.

قد يكون الأهلي من أكثر الفرق المصرية التي تعاقدت مع محترفين أجانب، لكن هناك فئة من اللاعبين نجحت في كسب محبة الجمهور، ولا يتم تصنيف هؤلاء كمغتربين، بل من أبناء النادي الذين تربوا فيه وانغمسوا في تقاليده، من ضمن هؤلاء، معلول.

يمتاز الأهلي المصري بتقاليد وأعراف صارمة، لا تتغير مع مرور الزمن، ولا ترتبط بهوية رئيس النادي، حتى أن مشجعي الأهلي لهم سمات خاصة تميزهم عن مشجعي الفرق الأخرى، فقد لا يعنيهم المكسب، فالمهم أن تبقى الروح القتالية في الملعب، والدفاع عن شعار الفريق في الفوز دائما، لذلك لا يحبون سوى اللاعب المقاتل.

◙ معلول تحول إلى أكبر من قائد للجبهة اليسرى وملك الحلول العلمية و"الأسيست" السهل
معلول تحول إلى أكبر من قائد للجبهة اليسرى وملك الحلول العلمية و"الأسيست" السهل

يمتلك التونسي علي معلول ذكاء فطريا فقد استطاع التسلل إلى قلوب جماهير الأهلي من نقطة القتالية داخل الملعب، وعدم التعامل مع الفريق بمنطق احترافي فقط، ومنذ انضمامه إلى القلعة الحمراء في صيف 2016، وهو يضاعف من رصيده يوما بعد يوم، على مستوى المواقف والتصريحات والمهارة.

الأهلي أولا

تعرض النجم التونسي لإغراءات مالية ضخمة من فرق عربية، لكنه في كل مرة كان يفضل الأهلي المصري، ولو بأقل في المقابل المادي في أيّ فريق آخر، ولا ينسى الجمهور له أنه صرح بنيته الاعتزال داخل القلعة الحمراء.
بحكم أن جماهير الأهلي المصري تعرضت لصدمات نفسية من لاعبين كانوا مصنفين بأنهم أبناء النادي ورحلوا عن الفريق أمام الإغراءات المالية، فإنهم باتوا يتعاملون مع رفض معلول تكرار نفس الموقف بامتنان وعرفان يستحق رد الجميل للأبد.

وإذا كان أنصار الأهلي يتمنون رؤية معلول يرتدي شارة الكابتن كنوع من التكريم، لكنهم بالفعل يتعاملون معه كقائد للميدان، لأنه نجح في إثبات ذلك على أرض الواقع، إذ يتعامل معه اللاعبون مثل القائد الذي يحركهم ويوجه إليهم التعليمات في الملعب.

خلال مباراة الأهلي والزمالك المنافس التقليدي له، والتي فاز خلالها الفريق الأحمر بثلاثية نظيفة رصدت كاميرات النقل التلفزيوني، معلول وهو يقوم بتجميع اللاعبين حوله ليعطيهم تعليمات، مستغلا فترة توقف المباراة لعلاج لاعب مصاب، وتبين أنه كان يحفزهم على المزيد من الأهداف والقتالية.

بعدها علّق سيد عبدالحفيظ مدير الكرة بالنادي الأهلي على تلك اللقطة بتأكيده أن معلول قائد حقيقي للفريق، وهذا لا يزعج الجهاز الفني لثقته في أن التعليمات التي يوجهها النجم التونسي لزملائه صحيحة وقادرة على صناعة الفارق.

لم يكن ذلك الموقف الوحيد لمعلول الذي قام فيه بدور المدير الفني للفريق المصري، بل في مرات عديدة ظهر خلالها وهو يُعطي اللاعبين التعليمات أمام المدير الفني، ويشارك معه في اختيار زملائه الذين سيقومون بالتصدي لركلات الجزاء، إذا كانت المباراة مصيرية وتتوقف على الفائز بالركلات الترجيحية.

بوكس

أمام هذه الشواهد، تطمئن جماهير الأهلي لفوز فريقها دائما، أو على الأقل أداء مباراة قوية يمكن أن يكون لفريقها الغلبة فيها، طالما أن معلول في أرضية الميدان، فإذا لم يشارك في صناعة الفارق، عبر “أسيست” حاسم أو إحراز هدف، سيكون الملهم لحماس اللاعبين ودفعهم للقتال حتى آخر لحظة.

سجل معلول منذ انضمامه للأهلي 40 هدفا، وصنع 64 لزملائه، وساهم في تتويج فريقه بالعديد من الألقاب المحلية والقارية وتحقيق مراكز متقدمة في كأس العالم للأندية، بحكم قدرته الفائقة على صناعة الأهداف من الكرات العرضية التي أصبحت ماركة مسجلة باسمه.

إذا أخطأ وأضاع ركلة جزاء أو تسبب في تسجيل الفريق المنافس لهدف في مرمى الأهلي لأيّ هفوة دفاعية، يكاد يكون الوحيد الذي لا يتعرض له الجمهور بالنقد الجارح لرصيده الكبير عند المشجعين، وظهوره عقب المباراة وهو في حالة حزن تجعل أنصار الفريق يبادرون بدعمه لا توجيه اللوم له.

قال عنه مدير الكرة بالفريق الأحمر، إن معلول “معجون بالأهلي”، أي أن النادي جزء من شخصيته، ويبكي إذا انتهت المباراة بالتعادل أو الخسارة، ويشعر بأنه السبب في ذلك دون أن يكون أخطأ، فهو لا يقبل للفريق سوى الفوز والتتويج بالبطولات.

ما ضاعف محبة مشجعي الأهلي لمعلول أنه بالنسبة إليهم لاعب شديد الإخلاص لناديه السابق الصفاقسي التونسي لدرجة بلغت حد تصريحه بأن الأهلي إذا واجه الصفاقسي لن يشارك في المباراة، وهو تصرف يتعارض مع الاحتراف، لكنه يعبّر عن وفاء.

معجون بالفانلة الحمراء

◙ المدافع الهداف وصاحب الحلول في الوقت الصعب
المدافع الهداف وصاحب الحلول في الوقت الصعب

أعرب عن حزنه الشديد من الجملة التي قالها المعلق التونسي الشهير عصام الشوالي خلال مباراة النجم الساحلي مع الأهلي في بطولة أفريقيا قبل عامين، وهي التي كسبها الأخير بستة أهداف مقابل هدفين عندما قال الشوالي “قسوت على أبناء بلدك يا معلول”، حيث صنع وحده أربعة أهداف.

ما يزعج النجم التونسي ولا يخفيه أن بعض المشجعين لأندية بلاده يشعرون بأنه يلعب ضد الفرق التونسية بقتالية مبالغ فيها تصل حد الكراهية، وهو ما يراه معلول اتهاما باطلا ليس في محله لأنه لاعب محترف ومن الواجب عليه أخلاقيا أن ينتمي إلى الفريق الذي يلعب باسمه فقط.

وقال عن ذلك “أحترم جميع الأندية التونسية، لكنني أدافع عن تاريخ النادي الأهلي وجماهيره في أيّ مباراة تجمع الفريق بأحد أندية بلادي، ولا بد أن أكون مخلصا للقميص الذي أرتديه، ولا أنسى أن جماهير الأهلي منحتني محبة وشهرة لم أتوقعها”.

صحيح أن معلول ليس أول تونسي يتفوق داخل صفوف الأهلي المصري، لكن الفارق يكمن في أنه نجح في تأسيس علاقة متينة مع الجمهور جعلته ضمن قائمة أساطير النادي، رغم أن هناك آخرين رحلوا وتركوا رصيدا، مثل أنيس بوجلبان.

بوكس

بين مصر وتونس

انتقل بوجلبان للأهلي في صيف 2007، قادما من الصفاقسي ليحصد نجاحا كبيرا أيضا، وكان من أبرز لاعبي الفريق، ولا تزال ذكراه العطرة في النادي الأهلي مستمرة حتى الآن، فقد كانت نجاحاته بداية لتوافد عدد كبير من اللاعبين التونسيين للدوري المصري، ونجح أغلبهم في صناعة علامة فارقة مع أنديتهم، ومن هؤلاء فرجاني ساسي وحمدي النقاز وسيف الجزيري وحمزة المثلوثي في الزمالك.

يصعب فصل نجاحات التونسيين في الأندية المصرية عن التشابه الكبير في أساليب اللعب بين المدرستين التونسية والمصرية، وامتلاك اللاعبين مهارات وإمكانيات واضحة قادتهم لصناعة الفارق مع الأندية المصرية، وجعلتهم في مكانة كبيرة عند الجمهور، ما عزز شعبيتهم وتحفيزهم على المزيد.

يضاف إلى ذلك، أن الكرة المصرية باتت تشهد تطورا واضحا في مستوى اللعب وقوة المنافسة، وهي أجواء تدفع أي لاعب تونسي محترف ومهاري لخوض التجربة وهو واثق تماما من النجاح وتحقيق الشعبية، لاسيما وأن جمهور الكرة في مصر تصل علاقته باللعبة حد الإدمان، وليست مجرد هواية مفضلة.

ولأن تجارب النجوم التونسيين كانت متميزة مع أنديتهم المصرية، أصبحت لدى هذه الأندية قناعة كبيرة بأن اللاعب التونسي يملك إمكانيات جيدة للغاية وبمقدوره تقديم الإضافة، ومن المتوقع ارتفاع عدد اللاعبين التونسيين المحترفين في الدوري المصري.

بغض النظر عن إمكانية زيادة حضور النجوم التونسيين في الملاعب المصرية من عدمه في المواسم المقبلة، فسيكون من الصعب على أي نجم تونسي تحقيق نفس الشعبية والنجاحات التي وصل إليها قائد المنتخب التونسي علي معلول مع الأهلي الملقب بـ”نادي القرن” في أفريقيا، مهما كان ولاؤه وانتماؤه إلى الفانلة الحمراء.

ما يبرهن على ذلك أن جمهور الأهلي لا يتمنى أن يأتي اليوم الذي يعلن فيه معلول اعتزاله كرة القدم، وإذا حدث فليظل ضمن الكوادر الإدارية والفنية بالنادي، وهي حالة لم يصل إليها تونسي من قبله في علاقته بالأهلي أو أي فريق مصري آخر.

 اللاعبون يتعاملون مع معلول كابن للنادي وليس محترفا وافدا

 

7