عصيدة الزقوقو

النسيان أخطر ما يواجه المجتمعات في احتفائها بتراثها، والإحلال تحدٍ خطير أيا كان شكله، سواء أكان إحلالا سلعيًّا أم شعائريّا – دينيّا واجتماعيّا أو حتى سياسيّا.
الخميس 2023/09/28
ماذا يبقى لنا من ادعاء بالأصالة إذا اختفت هذه العادات؟

الحلوى جزء من احتفالنا بالمولد النبوي. على مدى التاريخ، ترتبط المناسبات الدينية بوجبة غذاء أو أكثر، وحلويات متنوعة تعكس تراث المائدة في ذلك المكان من العالم. الأسر تجتمع وتحتفل بما يعكس علاقات عميقة بالبيئة المحيطة والناس وطريقة النظر للحياة وللأشياء.

عصيدة الزقوقو من تراث المائدة التونسية في احتفال المولد النبوي. يحرص التونسيون على إعداد هذه الحلوى من حبات الزقوقو، وهو نوع من بذرات الصنوبر الحلبي البرية. تابعت وكالة أنباء تونس أفريقيا للأنباء خلال الأيام الماضية، فوجدت أكثر من مادة صحفية تشير إلى الزقوقو؛ بدءًا من نوعية المتوفر في الأسواق، مرورا برصد المخالفات، ووصولا إلى مقابلة مع خبيرة تغذية تنصح بكمية ما نتناوله من حلواها وكيفيّة تخزينها. ومن أصدقاء مقرّبين، أقدر أهمية المناسبة في المجتمع التونسي والحرص على مراسمها البسيطة التي تلامس جذورا في علاقة التونسيين مع أنفسهم ومجتمعهم ودينهم.

هذه الحلوى والأكلات والعادات الشعبية المرافقة تشهد تحديات كثيرة. فثمة ثقافة إحلال تجتاح مجتمعاتنا بقسوة شديدة. الكثير من العادات الدينية والاجتماعية تآكلت لصالح عادات دينية واجتماعية واستهلاكية بديلة. البعض منها مرتبط بالانفتاح على الثقافة الغربية وما تحمله من منتجات وأساليب تسويق. نحن محاطون بالسلعة الغربية شكلا وموضوعا حتى وإن كانت إنتاجا تركيًّا أو صينيّا. عروس المولد وفانوس رمضان في مصر صارا صناعة مستوردة. هذه أشياء تتجاوز مسألة كونها سلعا، وإنتاجها ليس صعبا إلى درجة تجعل المصريين يلجأون إلى استيرادها. هذا فضلا عن كون الأيدي العاملة في مصر بسعر لا يختلف عن أسعار الأيدي العاملة في شرق آسيا، حيث يتم تصنيع العروس والفانوس. هو نوع من الإحلال النفسي بالإغراء برخص البضاعة وجودتها.

وللإحلال وجه لا علاقة له بالسلع. اُنظرْ إلى الطريقة التي صار بها العراقيون يحتفلون بمناسباتهم الدينية وقارنها شكلا ومضمونا بما كانوا يحتفلون به قبل 50 عاما فستجد أن لا علاقة له بما نراه اليوم. بل ينبغي إجراء مقارنة باحتفالات عاشوراء وأربعين الحسين في العراق اليوم بالطريقة التي يحتفل بها الإيرانيون في مثل هاتين المناسبتين الدينيتين لمعرفة مدى الفارق والإمعان في الإحلال المفتعل لأشكال الاحتفال وما يصاحبه من شعائر ومأكل وممارسات.

ضياع العادات الاجتماعية، حتى ببساطة تضييع صنع الحلوى وتلاشي إحساس ربة البيت بأنها تجمع أسرتها على تناول عصيدة الزقوقو وتقدير هذا من قبل أفراد الأسرة، يشكل تحديا ثقافيا واجتماعيا لأنه بمرور الوقت يغير صورة المجتمع التي بناها لنفسه على مدى مئات السنين. النسيان أخطر ما يواجه المجتمعات في احتفائها بتراثها، والإحلال تحدٍ خطير أيا كان شكله، سواء أكان إحلالا سلعيًّا أم شعائريّا – دينيّا واجتماعيّا أو حتى سياسيّا. ماذا يبقى لنا من ادعاء بالأصالة إذا اختفت حتى العادات المرتبطة بمناسبة دينية أو اجتماعية؟

18