عشرات القتلى في حادث غرق مركب مهاجرين قرب قرقنة التونسية

غرق مركب صيد على متنه قرابة 200 مهاجر أغلبهم تونسيون، ونائبة بالبرلمان تقترح إنشاء مراكز مراقبة أمنية في قرقنة.
الاثنين 2018/06/04
الواقع مؤلم أكثر من الصورة

تونس – تم انتشال جثث العشرات من التونسيين والأجانب بعد غرق مركب صيد كانوا على متنه، قرب سواحل جزيرة قرقنة التابعة لولاية صفاقس، في محاولة للوصول إلى السواحل الإيطالية بطريقة غير شرعية.

وبحسب المعطيات الأولية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع التونسية، تم انتشال 46 جثة إلى حد مساء الأحد فيما تم إنقاذ 68 شخصا بينهم 60 تونسيا والبقية من جنسيات بلدان أفريقية أخرى.

وتواترت بيانات وزارة الداخلية، الأحد، في متابعة لتطورات الحادثة المؤلمة. وأكدت الوزارة غرق مركب صيد على متنه مجموعة من الأشخاص حاولوا عبور الحدود البحرية بطريقة سرية، موضحة أن الحادثة جدت في ساعة متأخرة من ليل السبت.

وأفادت الوزارة بأن “الوحدات البحرية التابعة للحرس الوطني بصفاقس ووحدات جيش البحر تحولت حال تلقيها نداء استغاثة إلى مكان المركب على بعد حوالي 5 أميال بحرية عن جزيرة قرقنة و16 ميلا بحريا على سواحل مدينة صفاقس”. وبينت الوزارة أن مركب الصيد “كان بصدد الغرق”.

وواصلت الوحدات البحرية التابعة لكل من القوات الأمنية والعسكرية عمليات البحث عن المفقودين في حادثة غرق مركب المهاجرين، وفق وزارة الداخلية.

وبحسب شهادات بعض الناجين من الحادثة، نقلتها وسائل إعلام محلية، فإن “مركب الصيد تحطم وانقلب بعد فترة وجيزة من انطلاق الرحلة نحو إيطاليا”. وكشف البعض منهم أن “عدد الجثث يتجاوز بكثير العدد الذي تم العثور عليه”. وقالت مصادر غير رسمية إن المركب كان يحمل على الأقل 180 شخصا، وأن طاقة استيعابه لا تتعدى 70 شخصا. وتشهد السواحل التونسية محاولات هجرة غير شرعية كثيرة باتجاه السواحل الإيطالية.

ويرجع المتابعون للشأن التونسي والمسؤولون أسباب محاولة الشباب السفر إلى البلدان الأوروبية بطريقة غير قانونية إلى كثرة أعداد العاطلين مقابل قلة فرص العمل وغياب برامج التنمية في الجهات الداخلية البعيدة عن العاصمة.

فاطمة المسدي: عائلات تشجع أبناءها على الهجرة غير الشرعية وتساعدهم للقيام بالرحلة
فاطمة المسدي: عائلات تشجع أبناءها على الهجرة غير الشرعية وتساعدهم للقيام بالرحلة

وزادت مشكلات تونس الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة منذ اندلاع الثورة مطلع عام 2011، بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد والتي كانت لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد وعلى عيش التونسيين.

وقالت فاطمة المسدي عضوة مجلس نواب الشعب في تونس عن دائرة صفاقس، لـ“العرب”، “الجميع يعرف أن المشكلة تتمثل في غياب التنمية وأن قلة الاستثمارات أثرت على عدد فرص العمل المتوفرة للعاطلين في البلاد”.

لكن المسدي تشير إلى مشكلة أخرى كبيرة وتصفها بكونها “مشكلة ثقافية”، إذ توضح أن العديد من العائلات التونسية تشجع أبناءها على خوض تجربة الهجرة غير الشرعية أو تساعدهم على جمع الأموال اللازمة للقيام بهذه الرحلة.

وأفادت بأن “العديد من الشباب التونسي في ظل واقع تنموي صعب في البلاد يسعى للهجرة إلى أوروبا اعتقادا منه أنه سيتمكن من جمع الكثير من الأموال هناك والخروج من الوضع الاجتماعي السيء الذي تعيشه عائلته”.

واستنكرت المسدي الرغبة في تحصيل الأموال بطرق سهلة وغياب ثقافة العمل لدى البعض من الشباب التونسي العاطل عن العمل، لافتة إلى أن الأموال التي يدفعها لمهربي البشر من أجل تسفيره إلى إيطاليا يمكن استثمارها في بدء مشروع خاص صغير في تونس. ويؤكد الملاحظون أن حل ظاهرة الهجرة السرية من تونس يتمثل في تعزيز برامج التنمية والتشجيع على الاستثمار بما يمكن من إحداث فرص عمل جديدة تستوعب العاطلين.

وتمكنت قوات الجيش والأمن التونسيين من إحباط العديد من محاولات الهجرة غير الشرعية التي شارك فيها شبان تونسيون وآخرون منحدرون من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، فيما قضى الكثيرون خلال هذه الرحلات غير المنظمة.

وأنقذ خفر السواحل التونسي، في مارس الماضي، 120 مهاجرا غير شرعي قرب جزيرة قرقنة أغلبهم من تونس كانوا ينوون التوجه نحو السواحل الإيطالية.  وسجلت محاولات الهجرة تراجعا نهاية عام 2017 بعد ارتفاع خلال شهري سبتمبر وأكتوبر.  غير أن مات هيربر، الباحث في المنظمة السويسرية “المبادرة الدولية ضد الجرائم المنظمة العابرة للقارات” والمتخصصة في شؤون الهجرة، أكد أن “هذا الانخفاض توقف منذ يناير 2018”.

وتابع الباحث أن “الكثير من الذين يركبون البحر” بحثا عن عمل، يختارون المغادرة “ما دامت لديهم موارد مالية” للقيام بذلك.

وفي أكتوبر 2017، قتل 46 شخصا في حادث اصطدام خافرة عسكرية بقارب يقل مهاجرين، وصفه آنذاك رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بـ“الكارثة الوطنية”. وأثارت تلك الحادثة جدلا واسعا في تونس، وفتحت وزارة الدفاع تحقيقا في اصطدام الخافرة العسكرية بقارب المهاجرين. وانتقدت المسدي الاتفاقيات التي يوقعها الاتحاد الأوروبي في مجال التصدي للهجرة غير الشرعية، وقالت إن “إيطاليا مثلا تتحصل على مساعدات مالية كبيرة لإنشاء مراكز لاستقبال المهاجرين”.

وتابعت “لماذا ننتظر وصول المهاجرين إلى السواحل الأوروبية حتى يتم التعامل معهم؟ لماذا لا نضع البرامج اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة قبل انطلاق الرحلات البحرية السرية؟”.

وتقترح المسدي أن تتضمن الاتفاقيات التي توقعها تونس مع الدول الأوروبية إنشاء مراكز مراقبة أمنية في قرقنة باعتبارها أصبحت في الفترة الأخيرة تشهد الكثير من محاولات الهجرة غير الشرعية.

4