عسر غربي مزمن في فهم الإسلام السياسي والإرهاب

الإرهابي ليس مجرما ككل المجرمين، ولم تصل إلى تأكيد هذه الفرضية الكثير من الدراسات التي حاولت دراسة العلاقة ما بين المرض العقلي والإرهاب.
الأربعاء 2021/05/26
من العبث اعتبار الإرهابيين مرضى

يبدو أن الفهم الماركسي للتطرف الإسلامي في أوروبا قد انفضح وظهرت سذاجته للأغلبية الساحقة ما عدا بعض اليساريين الانتهازيين. لقد انهارت تلك الفكرة التي كانت تردّ الإرهاب الإسلاموي إلى عامل البؤس الاجتماعي، إذ ليس للمقهورين حسب هذه الرؤية الاختزالية سوى استعمال العنف ضد الدولة القاهرة. وهي فكرة انتشرت كثيرا في وسائل الإعلام وكتب أشباه المتخصصين حتى باتت شبه حقيقة.

ولكن لا فكرة خاطئة قادرة على الصمود أمام الواقع وبعض الأفراد النزهاء في مجال الإعلام والبحث والسياسة الذين يرفضون التدليس رغم الضغوط الكبيرة والذين بفضلهم عرف العالم بالأرقام حقيقة الإسلام السياسي، مصدر الإرهاب الجهادي: مثل بن لادن، ثلاثة أرباع المجاهدين الممارسين للإرهاب ينحدرون من الطبقات العليا والمتوسطة. أما هؤلاء الفرنسيون المعتنقون الجدد للأصولية الإسلامية، فلا علاقة لأغلبهم لا بالأحياء الفقيرة ولا بالبطالة ولا بالقهر، فجلهم ينتمون إلى الطبقة المتوسطة والبورجوازية. 

بعد سقوط هذه المقاربة السوسيو-اقتصادية للأصولية وإرهابها، يحاول الكثيرون اللجوء إلى التفسيرات السيكولوجية، فيريدون تقديم الإرهابيين على أنهم مرضى يعانون من أمراض عقلية أو اضطرابات في الشخصية وغيرها من التبريرات الزائفة. وفي الحقيقة تقف هذه الفرضية على اعتقاد مفاده أن كل مجرم هو مريض نفسي بشكل من الأشكال.

ولئن كان صحيحا أن في كل مجرم شيئا من الجنون يقل أو يكثر حسب الأفراد، فالإرهابي ليس مجرما ككل المجرمين، ولم تصل إلى تأكيد هذه الفرضية الكثير من الدراسات التي حاولت البحث في العلاقة ما بين المرض العقلي والإرهاب. ولكن لا يمكن نفي وجود بعض المضطربين نفسيا يتم استغلالهم من طرف عرابي الجهاد، هؤلاء الذين ينتحرون بأجساد المهمشين.

يؤكد جيرولد بوست الباحث الأميركي المؤسس لمركز علم النفس السياسي أن الدراسات التي أجريت حول بسيكولوجيا الإرهاب لا تسمح بالحديث إطلاقا عن وجود أدنى سمة باثولوجية لدى معظم الإرهابيين الذين تم فحصهم.

أما الباحثة في العلوم السياسة مارتا كرينشو الشهيرة بأبحاثها حول الإرهاب، فتقول في كتابها “أسباب الإرهاب” إن “من أبرز سمات الإرهابيين هي حالتهم الطبيعية”. وهو ما وصل إليه الباحث الأميركي مارك ساجمان المختص في بسيكولوجية الإرهابيين والضابط السابق في وكالة المخابرات الأميركية، بعد دراسته لعينة من عشرة إرهابيين منتمين إلى القاعدة، من بينهم أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، ومحمد عطا وزكريا موساوي. ينفي صاحب كتاب “الوجه الحقيقي للإرهابيين، علم نفس وعلم اجتماع  الجهاديين”، الأطروحات الشائعة حول شخصية الإرهابي التي ربطت زورا بمفاهيم “النرجسية الباثولوجية” و”جنون العظمة” و”الشخصية المتسلطة”.            

وفي الحقيقة تصل كل الدراسات المعمقة إلى تأكيد عدم وجود تلك الصورة الباثولوجية للإرهابي والتي لا يزال يبحث عنها الكثير من الباحثين والإعلاميين وعلى وجه الخصوص في فرنسا، رغم الدراسات الكثيرة التي دحضتها. وحتى وإن قام بعض المسلمين المختلين عقليا بأعمال عنف وهم يصرخون “الله أكبر” وغيرها، فهم يفعلون ذلك كمحاكاة، متأثرين بعدوى الإرهاب الذي يرونه على شاشات التلفزيون. فلا يقومون بالفعل الإرهابي لأنهم مرضى وإنما يقلدون الإرهابيين الأصحاء. ولا يجانب مارك ساجمان الصواب حينما يفيد بأن الإرهابيين ليسوا مجانين ولا مرضى نفسيين، وإنما هم  مؤدلجون. وربما يأتي الخطأ من صعوبة تعريف المرض العقلي، وأيضا من ذلك الميل إلى ربطه اليوم بكل الاضطرابات النفسية، الاكتئاب والإدمان على تناول الكحول، وازدواج الشخصية أو الفصام. ومن هنا فإن الزعم بأن التطرف الإسلاموي مرض عقلي ما هو سوى عبث لا طائل من ورائه بل هو الخطأ عينه.

من العبث واللامسؤولية اعتبار الإرهابيين مرضى. إنهم محاربون مقتنعون بأنهم يفعلون ما يأمر به ذلك الفهم الديني، الذي تعلموه من شيوخ الأصولية كيوسف القرضاوي وغيره. وكل محاولة لإلصاق نعت الجنون بهم هو تقليل من مسؤوليتهم ومن خطورة أفعالهم. لقد أعلنوا حربا على أوروبا والغرب كله، وعلى نمط حياته وتوقه لحرية الإنسان والحق في تفرده. وليس على الغرب فحسب بل على الإنسانية جمعاء الاستعداد للحرب، وليس التمادي في محاولة لإيجاد تبريرات طبية أو اجتماعية لجنود يحملون أيديولوجيا معادية لقيم العصر وعازمون على تقويضها.

13