"عروستي" فيلم مصري يكشف أسرار اختيار شريك الحياة المناسب

استعادت السينما في مصر المزيد من بريقها الفني في الأشهر الماضية، وبدأت تتحلل من قيود كورونا وإجراءاتها الاحترازية، أو تتعامل معها كأمر واقع لا يؤثّر سلبا أو يفرض قيودا صارمة على الأعمال الفنية. ما أدّى إلى عرض مجموعة من الأفلام شجّعت شركات الإنتاج على مواصلة العمل وتحريك عجلات الأستوديوهات التي تعطلت، ودفع الرواج الجديد البعض نحو خروج أفلامهم من العلب وعرضها على الجمهور، وتجاوز فترة التردّد والخوف من عدم الإقبال.
القاهرة - حرض اشتياق جمهور السينما للأفلام على ارتياد دور العرض المصرية التي حفلت بالعديد من الأعمال الفنية الجادة والجذّابة، منها فيلم “عروستي” الذي بدأ عرضه في الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي، بطولة أحمد حاتم وجميلة عوض وصابرين ومحمود البزاوي وزينب غريب ومروان يونس، وهي مجموعة منسجمة في أدائها الفني بشكل وفّر عنصرا مهما لنجاح العمل.
وعزّز الفيلم مقولة أن القصة والحبكة الفنية والإخراج الجيد أهم من أسماء النجوم الكبار، فبعد تراجع زمن فتى الشاشة الأول، ونجمة الجماهير وغيرهما من المسميات التي راجت في سنوات ماضية أصبحت البطولة الجماعية والأسماء الجديدة من الثيمات المهمة التي منحت السينما المصرية دفعة إلى الأمام كانت في حاجة إليها، وتخلصها من عقدة النجم أو النجمة الوحيدة، فالبطل الحقيقي العمل وليس أحد أفراده.
خدعة العنوان
مع أن عنوان الفيلم “عروستي” يبدو محيرا أو خادعا للوهلة الأولى، غير أن توالي المشاهد يفكّ اللغز سريعا، فكلمة “عروستي” تحمل معنى مزدوجا، فهي تعني اختيار عروسة للزواج، وتعكس أيضا لعبة تحمل الاسم نفسه في مصر، يقوم بها شخصان، أو أكثر يتولى، أحدهما طرح أسئلة حول قضية معينة وكلما جاءت الإجابة خاطئة يقول “عروستي” ويمنح المتلقي (أو المتلقين) صفات جديدة لتقرّب إلى ذهنه الإجابة المطلوبة، وهي عملية تستغرق بعض الوقت.
ويتناول الفيلم قصة الشاب شريف كناري، وهو يعمل في تنظيم الحفلات ويقوم بدوره الفنان أحمد حاتم، وفتاة هي دليلة زقزوقي وتعمل في ترجمة الأفلام وتقوم بدورها الفنانة جميلة عوض، وتريد أسرة كليهما تزويجهما وفقا للمفهوم السائد في بعض المجتمعات العربية ويطلق عليه “زواج الصالونات”، حيث تقوم الأسرة بعقد لقاء للتعارف بين الشاب والفتاة ويقيس كلاهما مدى القبول والتفاهم المبدئي، وهو ما قامت به أسرة كناري مع شريف، وأسرة زقزوقي مع دليلة، كل على حدة.
الفيلم يحتوي في مضمونه العام دعوة للتفكير في اختيار الشخص المناسب أولا، انطلاقا من أن خطأ واحدا قد يكلف صاحبه تعاسة مدى الحياة، أو العكس
نجح المخرج محمد بكير، وهو صاحب رصيد درامي كبير، في تقديم لقطات فنية خفيفة وسريعة تصوّر انطباعات شريف السلبية مع العروس المرشّحة له، وكذلك ردّ فعل دليلة على العريس الذي جاء لخطبتها وعلى استعداد للتحرش بها، وبدت فكرة المفارقات مناسبة لهذه الحالة ومعبّرة في قالب يجمع بين الرومانسية والكوميديا.
وتظل مسألة الزواج والآلية السائدة في بعض المجتمعات العربية واحدة من المشكلات التي يمرّ بها الكثير من الشباب والفتيات، فمقاييس الاختيار تخضع لرؤية وثقافة وتكوين كل فرد ولا تصلح معها صيغة واحدة يمكن تطبيقها على الجميع، لأن الرواسب الاجتماعية والتربية والتنشئة تسهم بدور مهم في طريقة اختيار الشخص المناسب.
ومثلت العقدة التي صاحبت دليلة منذ الصغر مفتاحا لفهم رفضها المتكرّر للزواج، وعندما بدأت تستمع إلى كلام والدتها التي أدّت دورها الفنانة صابرين بخفة ظل واضحة، بدأت تلين وتتقبّل الفكرة وتوافق على لقاء أكثر من عريس رشّح لها، لكن دليلة وضعت مجموعة من الاختبارات لمن تقبل الزواج منه، بينما شريف تعامل مع الأمر بتلقائية.
قد تكون الصدفة التي اصطنعها المخرج بكير، والمؤلف مصطفى البربري في أول تجاربه السينمائية، مقبولة فنيا، وبدت محكمة ومرنة، فعقب رفض كليهما للزواج من خلال الصالونات التقيا في مكان واحد (كافيه)، وجاءت ردود فعلهما تقريبا متشابهة وشعرا بجاذبية خفية تجمع بينهما، وتواصلت المشاهد للمزيد من التعارف.
تحت المنظار
وضعت دليلة شريف تحت اختبارها الضمني أو المنظار الاجتماعي، وكلما تجاوز امتحانا وضعته في آخر، ووسط توالي المشاهد التي جمعت بينهما استقرّا على أن كل واحد منهما وجد نصفه الآخر الذي أجبره على إعادة التفكير في مسلمة رفض الزواج.
ويحتوي الفيلم في مضمونه العام دعوة للتفكير في اختيار الشخص المناسب أولا، انطلاقا من أن خطأ واحدا قد يكلف صاحبه تعاسة مدى الحياة، أو العكس، فالاختيار الصحيح يفضي إلى السعادة، لكن الطبيعة البشرية تمرّ بفترات صعود وهبوط ولا تستقرّ على حال، وربما يكون التذبذب من السمات الإيجابية طالما أن التفاهم موجود.
وأسهمت الحبكة الفنية في ضرورة حدوث مفاجأة غير متوقّعة لتزيد السخونة في العمل الذي حافظ على تناغمه لأبعد مدى عندما اكتشف شريف أن دليلة وضعته مدة طويلة تحت مقياسها للزواج إلى أن رضيت به، وهو ما أزعجه واضطرّه لقطع العلاقة معها بطريقة درامية، ليس للانفصال عنها تماما، لكن كما قال لتلقينها درسا لا تنساه عندما عرف أن العقدة تكمن في المشاكل التي عانت منها والدتها مع والدها وقسوته.
اتفق شريف مع والدة دليلة (صابرين) على وضعها تحت اختبار مضاد للتخلّص من هذه العقدة وجرى تدبير مواقف مختلفة ومعظمها تصبّ في خانة الغيرة التقليدية لدى السيدات، نسجها شريف بالتحالف مع أفراد الأسرتين وصديقه (الفنان مروان يونس) وصديقتها (الفنانة زينب غريب)، حتى عادت دليلة إلى صوابها في النهاية وكأنها تخلّصت من عقدتها النفسية بعد هذه التمثيلية التي نسجها شريف.

واصل الفنان أحمد حاتم في هذا العمل تقدّمه للصفوف الأولى في مصر، وبدت اختياراته بها قدر من الذكاء الفني لأنه يحرص على تنويع أدواره وعدم حصره في شخصية الفتى المراهق التي ظهر بها في أول بطولة له من خلال فيلم "أوقات فراغ".
ويشير حرصه على عدم تكرار أدواره إلى أنه موهبة كبيرة، في كل مرة يكشف عن جانب منها، وفي فيلم “عروستي” بدا حاتم يتمتّع بخفة ظل كانت خافية في أعماله السابقة، وهي الميزة التي يقيس بها الجمهور أحيانا مستوى تقبله أو رفضه للفنان.
ودخلت بهذا العمل جميلة عوض، حفيدة الفنان الراحل محمد عوض، مرحلة مبكرة من البطولة التي صنعتها مؤخرا في حكاية “لازم أعيش” ضمن مسلسل “إلاّ أنا”، وبدأت تلمع وتستفيد من حرص شركات الإنتاج على تقديم وجوه جديدة في إطار من خلق منافسة بين الفنانين لتخفيض أجورهم، إذ أدّى تضخّمها سابقا إلى إصابة الإنتاج السينمائي بالتكلّس، ودفع للاستعانة بنجوم جدد ساعدوا على الثراء الفني.
ويحسب للمخرج أنه منح الفرصة للفنان مروان يونس الذي اعتمد على الكوميديا وحرصه على تقديم شخصية لها زيّ خاص في الملبس، وفرّ لها طابعا منحها خصوصية على كل المشاركين في العمل، لأن الجمهور المصري يقبل على الشاب “الفهلوي” الذي لا يفتعل الضحك، وأتاح هذا الدور ليونس الإعلان عن موهبته، فالمساحة التي وفرّها له بكير ساعدته على الكشف عن قدرات فنية واعدة.
في حين لا تزال الفنانة زينب غريب لم تخرج من أسر أقوى أعمالها مسلسل “بـ100 وش” الذي عرض في رمضان قبل الماضي، وتتمسّك بنمطية الشخصية ذات الضحك المفتعل، الأمر الذي يدقّ جرس إنذار لها ويحثّها على ضرورة الانتباه، فإذا واصلت هذا الطريق قد تضطر لإعلان إفلاسها الفني مبكرا.
وحفل فيلم “عروستي” بتقنيات فنية أو فواصل جاءت في بعض المشاهد، عبارة عن مقارنات مبهمة بين شخصية شريف ودليلة، وبدت مقحمة لأنها لم تفد حتى في كسر رتابة بعض الأحداث، وكان يمكن توظيفها بشكل أفضل لو حوت تفاصيل تمهّد للمشاهد اللاحقة.
يبقى أن الفيلم يحظى باهتمام جميع أفراد العائلة أو ما يعرف في الأدبيات الفنية بالجمهور العام، وهي الجملة التي أصبحت نادرة في الفترة الأخيرة مع كثرة تحديد الفئات العمرية لكل عمل بـ+12 و+18، وفرضتها الرقابة لاعتبارات اجتماعية.
وقد يحظى الفيلم بشعبية أكبر عند عرضه على شاشة التلفزيون، لأن العمل كان يمكن أن يجد إقبالا كثيفا لو نجحت الشركة المنتجة “هاي ميديا للإنتاج الفني والتوزيع” في القيام بحملة إعلانية تنفق عليها بسخاء أو ترويجه على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي التي يعتبرها البعض البوصلة التي تقاس بها جودة العمل.