عرض مسرحي يغوص في عوالم بيرانديلو

يُذكر أن العرض الأول الذي أقيم في روما لمسرحية الإيطالي لويجي بيرانديلو “ست شخصيات تبحث عن مؤلف” عام 1923 تحول في نهايته إلى ما يشبه مشفى للمجانين، النقاد والجمهور والممثلون يتبادلون الشتائم والسباب ويركضون في أنحاء المسرح، بل حتى أن بيرانديلو اضطر للهرب وابنته من المسرح، حالياً لم يعد الأمر كذلك، لكن ما زالت الصدمة حاضرة في هذا العرض، إذ شهدت خشبة مسرح “تياتر دو فيل” في باريس عرض ست شخصيات بتوقيع المخرج الفرنسي إيمانيول دي مارسي موتا، العرض الذي تنقّل بين خشبات أميركا وآسيا بريطانيا ثم باريس، يترك الجمهور حائراً في فضاء يتداخل فيه الواقعي مع المتخيل، جاعلاً التساؤلات حول حقيقة التراجيديا والكوميديا معلّقة دون إجابة.
المسرح ضد المسرح
اشتغالات بيرانديلو المسرحية مرتبطة بالمسرح كبنية، لمساءلته كفن في سبيل سبر علاقته مع الواقع، فاللقاء بين الشخصيات والممثلين على الخشبة في صناعة “المأساة” أو المسرحية، يطرح على الفن المسرحي أسئلة مرتبطة بجوهره، ما هو الحقيقي، وما جدوى المتخيّل؟ أيّ الطرفين (شخصيات-ممثلين) أكثر قدرة على عكس الحقيقة، وما هي الحقيقة بحد ذاتها بالنسبة إلى كل منهما.
الجدل بين الشخصيات وبين الممثلين يعكس الاختلاف الجوهري بينهما، فمرجعية الشخصيات عمّا هو “حقيقي” أكثر اكتمالاً ووضوحاً من تلك التي عند الممثلين، فالشخصيات متخيّلة، وهذا ما يميزها، اكتمال عوالمها ذات التفاصيل المتماسكة، وقدرتها على الحضور إن توافرت الشروط، في حين أن الممثلين لا يمانعون اختلاف التفاصيل، فالشخصيات تعيش واقعها المكتمل، ومفهوم الحقيقة الدراميّة/الخيال غير مدرك بالنسبة إليها، بعكس الممثلين، هم يؤدّون، يُحاكون، لا يعيشون الحكاية.
فضاء اللاتحديد
تقنيات الانتقال ضمن الفضاء التي يحويها العرض تعتمد على نظرية بيرانديلو في “المسرح داخل المسرح”، ففضاء اللعب غير ثابت، يراوح بين مقاعد الجمهور والخشبة، ما يستفزّ وعي الجمهور حول آلية صناعة “المتخيّل”، لنرى تقنيات المَسرَحَة واضحة ومكشوفة في سبيل أن يشككّ المتخيّل في ذاته وفي الحقيقي.
|
المرايا واللعب
يعتمد العرض على “اللعب” كمفهوم، ما يجعله أقرب إلى مختبر، لا بالتوصيف الطبي، بل لأن العرض يكسر القواعد التقليديّة، لا ينصاع للـ”مسرح”، فيخرج عن المألوف ضمن العرف المسرحي، وهذا ما حاول أن يصل له بيرانديلو وتمكن المخرج الفرنسي من إبرازه، الفكاهة والصراخ وضياع خط السرد الأفقي تجعل حتى المشاهد يشكك فيما حوله.
لا يقين في العرض، هل هو مـسرح، أم هو محاكمة للخـيال والواقع على حدّ سـواء.
كاتب من سوريا