"عربي المستقبل 5" قصص مصورة تحيّي المعلمين

كتاب "عربي المستقبل" يعتبر سيرة ذاتية للفنان لكنها تساعد على فهم معنى الجنسية والنشأة والهوية والواقع العربي.
الخميس 2020/11/05
رياض سطوف فنان يقدم سيرته بشكل ناقد وساخر

باريس – شاء مؤلّف القصص المصورة الفرنسي السوري رياض سطوف أن يكون مجلّده الجديد “عربي المستقبل 5″، وهو الجزء الخامس من سلسلة تُرجِمَت إلى 22 لغة باستثناء العربية، بمثابة تحيّة للمعلّمين الفرنسيين الذين آمنوا به والذين “ينقذون المجتمع والجمهورية الفرنسية كل يوم”، على حد قوله.

ويتذكر سطوف على وجه الخصوص أستاذة الفنون البصرية في الصف التاسع في رين (غرب فرنسا) التي اكتشفت موهبته وقدراته الفنية مبكرا.

وقال سطوف “لدي ذكريات جميلة عن الكثير من أساتذتي، حتى أولئك الذين كانوا بغيضين. في مدرستي السورية، علّمنا المدرّسون القراءة والكتابة. كان الأمر بمثابة تدريب للأطفال. أما في فرنسا، فكانوا يربّون التلاميذ. مهمة المعلّم هي حقاً المهنة الأصعب، والأقل اعتباراً مع أنها الأكثر أساسيةً”.

وأضاف “نحن لا ندرك صعوبة الوقوف أمام طلاب الجامعات وتلامذة المدارس الثانوية، المعلمون هم الذين ينقذون المجتمع والجمهورية الفرنسية كل يوم”.

ولا تزال فرنسا تعيش صدمة قتل أستاذ التاريخ صامويل باتي بقطع الرأس في كونفلان – سانت – أونورين، في منطقة باريس، بيد شيشاني متطرف، لأنه عرض رسومًا كاريكاتيرية تمثل النبي محمد على تلامذته خلال حصّة تتناول حرية التعبير.

وفي هذا المجلّد، الذي صدر منذ أيام ويشكّل الجزء الخامس وما قبل الأخير من سيرته الذاتية، يروي رياض سطوف الحقبة الممتدة بين عامي 1992 و1994.

ويروي سطوف، بطريقة كوميدية، أن أحداً لم يكن ينظر إليه، وهو مراهق، على أنه عربي، على الرغم من اسمه، علما أنه من أم فرنسية.

كتاب يساعد على فهم معنى الجنسية والنشأة والهوية
كتاب يساعد على فهم معنى الجنسية والنشأة والهوية

وعندما اعتدى عليه في الشارع ثلاثة شبان، لم ينجح في إقناع زعيمهم الذي “بدا من أصل عربي”، بأنه سوري.

وذكّر الرسام البالغ اثنتين وأربعين سنة بأن شبكة الإنترنت لم تكن موجودة “وكان العالم أكثر غموضاً وأكبر مما هو عليه اليوم. كان مصدر المعلومات نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعات والصحف”.

وأضاف “عندما كنت أقول إني سوريّ، لم يكن الناس يعرفون ما هي سوريا، أو ما الذي يحدث فيها، ولا حتى أنها دولة عربية”.

لم تكن الاختلافات حاضرة بوضوح بالنسبة إلى التلاميذ الثانويين في تلك الحقبة، ولم تكن التوترات في شأن الإسلام موجودة.

وقال سطوف “شخصياً، لم أعانِ قط من العنصرية في فرنسا، ولم يسبق أن حالت أصولي دون تقدّمي. لم يتجاوز الأمر السخرية من اسمي”.

ويترجم التزام سطوف بحرية التعبير من خلال تعاونه مع منظمة “مراسلون بلا حدود” في ما يتعلق بمجلّده السنويّ وتعيد هذه “الرسوم المئة من أجل حرية الصحافة” رسم مساره الحياتي والفني الذي يعبر عنه بالفن.

وقال سطوف “لقد تشرفت كثيراً بأن منظمة مراسلون بلا حدود اتصلت بي لإنتاج هذا المجلّد”.

وأشار الفنان إلى أن مليوني نسخة من سلسلة “عربي المستقبل” بيعت في فرنسا منذ عام 2014، وقد تُرجمت إلى 22 لغة، ليست بينها العربية حتى الآن.

ويعتبر كتاب “عربي المستقبل” “سيرة ذاتية” للفنان، لكنها تساعد على فهم معنى الجنسية والنشأة والهوية، لاسيما وأن سطوف ولد في مقاطعة برتاني الفرنسية، من أب سوري قادم من قرية تير معلة في ريف حمص، وأم فرنسية، وقد عاش الرسام طفولته متنقلاً بين سوريا وليبيا والسعودية.

تتحدث رواية “عربي المستقبل” المصورة بأسلوب الرسوم الساخرة عن قصة طفولة رياض سطوف، الذي عاش فترة منها في ليبيا تحت حكم معمر القذافي، وفي سوريا تحت حكم حافظ الأسد. ويلخص الكتاب أيضاً حالة الرعب التي عاشها السوريون على مدار نصف قرن، في ظل حكم الأسد.

وكان سطوف لم يتجاوز بعد الثالثة من عمره عندما بدأ رحلته الصعبة بين مختلف الدول، لكنه احتفظ بذكريات كثيرة، أعاد تدوينها فنيا بأسلوب فريد، حيث يروي تفاصيل رحلته في قالب هزلي وفكاهي، يحاول من خلاله نقل صورة العالم العربي في تلك الفترة. أما من الناحية الشكلية فيعتمد سطوف على صور وألوان مختلفة للتعبير على مختلف الدول والأماكن التي عاش فيها خلال طفولته.

كما لا تتوقف القصص المصورة عند الماضي فقط، بل تتناول كذلك العالم العربي في أحواله الراهنة، رغم تركيزه إجمالا في أعماله وبصورة رئيسية على فترة طفولته وفتوته. ومن مواضيع صوره الروائية يتطرق مثلا إلى علاقة والده بوالدته بعد عودة الأب إلى التدين، ويحكي عن علاقات غرامية في المدرسة، ونظرة البعض إليه كشاب مزدوج الثقافة في أوساط عربية وفرنسية.

ونذكر أن رياض سطوف -فضلاً عن روايته المصورة هذه وأفلامه- اشتهر أيضاً بمنشوراته الأسبوعية في مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية الساخرة، التي كان عمل فيها على مدى عشر سنوات. وتعتبر المراهقة واحدة من المواضيع المفضلة لسطوف، إذ قام بجمع كتاباته لشارلي إيبدو من 2007 و2013 في كتاب “أسرار المراهقين”.

قصص سطوف المصورة تتناول كذلك العالم العربي في أحواله الراهنة
قصص سطوف المصورة تتناول كذلك العالم العربي في أحواله الراهنة (صورة من الصفحة الرسمية للفنان على أنستغرام)

 

15