عراقي مهووس بماركيز يموت ويعود إلى الحياة

رواية "حماقة ماركيز" للكاتب عواد علي تتناول واقع مرحلة الحرب والغزو والخراب التي شهدت من الأحداث ما يتجاوز المتخيل الغرائبي في الرواية الحديثة.
السبت 2019/05/11
حياة مختلفة

في اللحظة التي اطلعت فيها على عنوان رواية “حماقة ماركيز” للروائي والكاتب العراقي عواد علي، وقبل أن أقلب صفحاتها، أدركت أن للعنوان المذكور علاقة بالروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، وهو أحد أعظم الروائيين في تاريخ الرواية ومن أكثرهم حضورا وتأثيرا في هذا العصر.

ولأنني كنت أعرف من خلال بعض حوارات مع الكاتب، سبقت قراءتي الرواية التي نحن بصددها، مدى إعجابه بماركيز الذي لم يفتح أفقا واسعا للسرد فحسب، بل فتح أوسع الآفاق للكاتب الروائي في جميع الثقافات واللغات، ومنها الرواية العربية الجديدة.

وإذا كانت الرواية الجديدة قد أكدت حضورها منذ منتصف القرن الماضي، فيمكننا القول من دون تردد، إن الرواية في العالم تختلف بعد ظهور رواية ماركيز، عنها قبل ظهورها، واختلافها ليس في ما اصطلح عليه النقد السردي، بالواقعية السحرية، لأنني لا أتبنى هذا المصطلح، إذ تعرفت خلال إقامتي في إسبانيا في سبعينات القرن الماضي على عدد من السياسيين والكتاب والصحافيين والفنانين اللاتينيين واقتربت من تجمعاتهم ودخلت بيوتهم ومنتدياتهم، واكتشفت أنهم في كل مفردات الحياة لهم حياتهم المختلفة التي عرفها القارئ في بعض تجارب السرد اللاتيني، ثم كان وصف هذا المختلف بالواقعية السحرية، وهي واقعية الحياة اللاتينية، حيث حرية المتخيل وانفتاحه على الفكر واقترانهما بالحياة اليومية.

واقعية سحرية
واقعية سحرية

إن رواية “حماقة ماركيز” هي الأخيرة من ثلاثية الحب والحرب والاحتلال، وقد اختار الكاتب مدينة كركوك مكانا روائيا ينتسب إليه أشخاص الرواية وتدور فيها أحداثها، وهي في النص الروائي “آرابخا” وهو الاسم البابلي لهذه المدينة العريقة، وسواء تعلق الأمر بالمكان أم بالاسم البابلي، فاختيار كركوك لأنها المكان الذي يتسم بالتعددية على الصعيد الثقافي واللغوي والقومي والديني، وهو اختيار يفصح في ما أرى عن وعي يؤكد من خلاله الروائي عواد علي إرادة الرد على جميع العصبيات التي تحاول تجريدها من هذه التعددية ومحاصرتها بحدود أحادية طارئة.

كما أن اختيار الروائي هذه المدينة التي أطلق عليها في النص الروائي “آرابخا” لأنه ابن هذه المدينة، وذاكرته بعض من ذاكرتها، وهو كما يتبين للمتلقي عارف بجغرافيتها وبأسرارها وخباياها، وكل ذلك أفاد منه بجدارة في “حماقة ماركيز” كما أفاد من تعدد إثنياتها، وهكذا كانت انتماءات أشخاصها، حيث رأينا في هذا التنوع، نسيجا اجتماعيا متجانسا، بفعل حيوية الانتماء الوطني وعمقه.

أما حضور ماركيز، فقد كان من خلال الشخصية الروائية سلمان البدر، المعجب بماركيز حدَّ الهوس، والحالم بكتابة رواية من قبيل رواياته، ولا أدري إن كنت مصيبا حين أقول إن حماقة ماركيز، هي حماقة سلمان البدر، الذي يحاول أن يتمثل الروائي الكولومبي، إبداعا وسيرة! غير أن صدى مصطلح الواقعية السحرية في هذه الرواية، الذي قد يبدو للبعض بتأثير حضور ماركيز، وهو حضور يتجاوز النص إلى الروائي ذاته، والذين يعرفون عواد علي، يعرفون مدى إعجابه بماركيز، كما كان ذلك عند معظم روائيي وكتاب الرواية من أبناء جيله.

أما أنا فأراها، واقعية، واقع المرحلة التي تدور فيها أحداث هذه الرواية المتميزة، مرحلة الحرب والغزو والخراب، التي شهدت من الأحداث ما يتجاوز المتخيل الغرائبي في الرواية الحديثة وبخاصة الرواية اللاتينية وعلى الأخص رواية ماركيز.

إن حياة سلمان البدر مثلا، وموته وعودته إلى الحياة ليموت ثانية، التي تبدو فيها ظلال الواقعية السحرية، هي بعض جوهر واقعية مرحلة الحرب والغزو والخراب، التي عاشها العراقيون ومازالوا يعيشون آثار دمارها، وقد كان الروائي موفقا على صعيدي الموضوع وجماليات السرد، في قراءة هذا الواقع، كما كان موفقا في جديد تقنيات السرد، وفي لغته أيضا، فأهدانا عملا جديرا بالقراءة والتأمل والحضور.

14