عدم الاهتمام بمضامين كتب الأطفال يضع الأسر في مأزق

النائبة في البرلمان المصري داليا يوسف تقدم طلب إحاطة لمجلس النواب بخصوص كتب الأطفال المحرضة على العنف والتطرف.
السبت 2020/02/08
اهتمام بالصورة على حساب المضمون

لا تبالي أغلبية الأسر العربية بمضمون الكتب التي تشترى للأطفال، فيكفي أن تكون ذات عناوين جيدة وأغلفة خارجية بألوان جذابة وملمس ناعم وبأسعار مناسبة، حتى تنال الإعجاب. لكن عددا من الكتب والقصص الموجهة للأطفال قد تحمل في طياتها مضامين الكراهية والتعصب والإرهاب والعنف مما ينعكس سلبا على سلوكهم ويجرهم إلى المشاكل النفسية.

قدمت النائبة داليا يوسف، عضو لجنة الثقافة والإعلام والآثار بالبرلمان المصري قبل أيام، طلب إحاطة لمجلس النواب وطالبت باستدعاء وزيرة الثقافة بعدما تبين لها وجود الكثير من تلك القصص في منطقة سور الأزبكية بوسط القاهرة، وأعلنت عن مشروع تشريع جديد يقضي بمواجهة مخاطر تلك الكتب بما لا يتعارض مع حرية التعبير.

وقالت في الطلب الذي يستعد مجلس النواب لمناقشته قريبا، إن كتب الأطفال التي تُباع على الأرصفة تضم قصصا جنسية وتعذيبا وكراهية وتدعو للتعصب والإرهاب والعنف، وطالبت الأسر العربية بالحذر الشديد من المضامين التي تقدم للأطفال بسبب المخاطر الناجمة عن غرس تلك الأفكار في عقول الصغار.

لا يعطي الكثير من الأسر العربية بالاً لمضمون الكتب التي تشترى للأطفال أولاً، فقرارها محكوم مسبقًا باختيار عنوان جيد لقصة أو رواية يتسم غلافها الخارجي بألوان جذابة، وتعتبر في النهاية أن مطبوعات الصغار دائمًا خفيفة وساذجة، لكنها لا تتضمن خطورة.

يمثل شراء الأبوين الكتب للأبناء دون الاطلاع على محتواها مشكلة خطيرة في ظل فوضى نشر الكتب وتداولها في كثير من الدول العربية، ووقوع العديد من المكتبات تحت إدارة تيارات متطرفة، فتبث “السم في العسل”، بطريق مباشر عبر غرس أفكار تشكل وعي الصغار ضمن أحداث قصص تقليدية بعضها جذاب.

قبل نحو عامين، عرضت دار نشر سورية كتابًا بعنوان “اللهم أرزقني الشهادة” للدكتور محمد عمر الحاجي، موجها للأطفال دون سن العاشرة في معرض تونس للكتاب بدولارين فقط، في خطوة أثارت جدلاً بسبب تشبع المطبوع بأفكار تحرض على القتل، وسفك الدماء، وتم غلق الجناح.

تزداد مسؤولية الأسر في انتقاء المضمون الثقافي المقدم لأبنائها في ظل عجز بعض الجهات التنفيذية العربية عن ضبط أسواق الكتاب لتضارب اختصاصاتها، ففي مصر تتوزع مسؤولية سوق الكتب بين وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب وشرطة المصنفات الفنية واتحاد الناشرين، وفي سوريا تتضارب صلاحيات وزارتي الإعلام والثقافة في ما يتعلق بالمطبوعات.

استخفاف الأسر العربية بالكتب التي تشتريها لأطفالها يجعلهم فريسة لمضامين تروج للتطرف

يقول محمد هشام، صيدلي (30 عاماً) لـ”العرب”، إنه اشترى الكثير من تلك الكتب لأبنائه من باعة الأرصفة بأسعار رمزية لا تتجاوز خمسة جنيهات (30 سنتًا)، ولم يهتم ولو لمرة واحدة، بقراءة مضمونها باعتبارها إما قصصا تاريخية دينية مفيدة تعلمهم مكارم الأخلاق، والصدق أو ترفيهية هدفها إمتاع الطفل ولا تتضمن خطورة.

تعلي بعض الأسر فكرة الأسعار كعنصر أساسي للشراء، فميزانيتها لا تسمح بتخصيص مبالغ لشراء الكتب، وتختار الأرخص بين الكتب المعروضة، وفي اعتقادها أن المطبوع في النهاية منتج ترفيهي والهدف منه صرف إلهاء الأبناء عن إزعاج الوالدين أو محاصرتهما بالأسئلة التي لا تنقطع.

تنتشر قصة “المختار الثقفي”، الصادرة عن دار المحجة البيضاء بلبنان، في العديد من الدول العربية، رغم أن مضمونها شديد الدموية، ويتضمن “اقطع يديه ورجليه، أحرقوا جثته لعنة الله عليه، وجاء الحراس ومعهم رأسا عمرو بن سعد وعبيدالله بن زياد”، بجانب الصور المرسومة التي تظهر أيادي وأرجلا ورؤوسا مقطعة في أيدي رجال يفترض أنهم أبطال العمل.

تعيد بعض دور النشر العربية طباعة كتب الأطفال القديمة باستمرار دون مراعاة لتغيرات الزمن أو التطور في عقليتهم، فمجموعة “أنيس الطفل” الأكثر انتشاراً، معظم قصصها مكتوب قبل 40 عامًا في أزمنة لم تشهد انتشارًا للعنف المرتكز على تصورات خاطئة للدين.

تعتبر المجموعات القصصية لمحمد عادل السحار مثالا على ذلك، فالكثير منها يتضمن عنفًا موجهًا إلى الحيوانات بالضرب والإيذاء في وقت لم تنشط فيه منظمات حقوقية تدافع عنها أو تغير ثقافة التعامل معها واعتبارها فردا من الأسرة لدى بعض العائلات العربية.

يقول أساتذة التربية، إن عقلية الطفل غير قادرة على النقد، ومع وجود مجموعات قصصية تعتبر تعذيب الحيوان أمرا طبيعيا سيكرر السلوك في الواقع الحقيقي.

أساتذة التربية يرون أن عقلية الطفل غير قادرة على النقد، ومع وجود مجموعات قصصية تعتبر تعذيب الحيوان أمرا طبيعيا سيكرر السلوك في الواقع الحقيقي
أساتذة التربية يرون أن عقلية الطفل غير قادرة على النقد، ومع وجود مجموعات قصصية تعتبر تعذيب الحيوان أمرا طبيعيا سيكرر السلوك في الواقع الحقيقي

أكدت منى عبدالهادي، معلمة بالمرحلة الابتدائية، لـ”العرب”، أنها تواجه أزمات في ما يتعلق بأسئلة الأطفال الصغار بعد تعرضهم لمضامين لا تراعي أعمارهم في ظل غياب دور الأسرة، كأن يقرأ الطفل في كتب الكبار عن أهوال يوم القيامة، والثعبان الأقرع، والمسيح الدجال، فيصاب بالرعب قبل أن يعرف حتى معنى الدين وفروض العبادة.

تخطئ أسر عربية بإتاحة الهواتف المحمولة المتصلة بالإنترنت للأطفال في سن مبكرة، لتصبح أمامهم ملايين الكتب والقصص الإلكترونية المقروءة أو المصنوعة بطريقة صوتية على موقع يوتيوب، ومليئة بمضامين شديدة العنف أو تصورات خاطئة للدين وتتخللها مشاهد تحمل إيحاءات جنسية.

أشار الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إلى أن الطفل كائن مقلد يحاكي ما يشاهده أمامه ويعتبره أمراً عاديًا دون تفكير، وتعرضه لمضمون عنيف يؤدي إلى حالة من الضغط النفسي تسبب اضطرابات النوم والكوابيس المفزعة، وقد يتحول إلى مرض نفسي.

وأضاف فرويز، لـ”العرب”، أن القصص التي تحتوي مضامين العنف والقتل تتنافى مع القيم والعادات التي يفترض أن تغرسها تنشئة الأطفال، ما يجعل الأسرة حائط الصد الأول بتوفير محتوى يضم غرسًا لقيم الأخلاق والصدق والأمانة والتعاون ومساعدة الغير.

وتعتبر الأسرة حارس البوابة الذي يحدد ما يتلقاه الطفل، فالخطر في كل مكان، سواء في أفلام الرسوم المتحركة التي لا تخلو إنتاجاتها من إيحاءاتٍ جنسيّة أو تلعب على وتر التّمييز العنصري، ويظل دور القوانين والتشريعات منظما فقط لكنها لا تمثل حلاً قويا في عالم التواصل الاجتماعي وانتشار الكتب الإلكترونية في كل مكان.

21