عبدالله السمطي لـ"العرب": علينا أن نصنع مخيلات وأنماطا مغايرة من الشعر

عرف الشعر العربي تطويرا كبيرا وتنويعا في شكله وأساليب بنائه ومضامينه حتى، ولكن مازال النمط الكلاسيكي العمودي حاضرا خاصة في الأمسيات والإعلام وغيرهما نظرا إلى ما له من طابع منبري، بينما يخفي ذلك مآزق كبرى يعيشها هذا الشعر ما حدا بالكثير من الشعراء إلى الدعوة إلى تطويره ومنهم المصري عبدالله السمطي، الذي كان لـ"العرب" معه هذا الحوار.
عبدالله السمطي، شاعر وناقد أدبي مصري يُقيم بالعاصمة السعودية الرياض، مسيرته مع الشعر تمتد لأكثر من أربعة عقود، كتب خلالها القصيدة العمودية والنثرية وقصيدة التفعيلة، وقد حظيت دواوينه الشعرية بدراسات نقدية متعددة.
وللسمطي مجموعة من الإصدارات النقدية التي يدور أغلبها في فلك الشعر، وقد أسهم في تطوير الوعي الشعري من خلال نصوصه الحداثية الحرة، ومن خلال قصيدة النثر ومن خلال دراساته النقدية حول الشعر العربي.
النمط السمطي
في البداية يقول الشاعر والناقد عبدالله السمطي لـ”العرب” إن إسهاماته في مجال تطوير بنية القصيدة العمودية سوف تغير كثيرا من تلقي هذه القصيدة، وطرق قراءتها، مشيرا إلى أنه يقوم بإنتاج قصائده العمودية الجديدة وفق ما يسميه بـ”النمط السمطي العمودي الجديد” الذي أبرزه في ديوانه “رايات بلا أوسمة” الذي صدرت منه ثلاث طبعات منذ العام 2021، ويضم 108 قصيدة عمودية من النمط الشعري الجديد.
وحول أهم ملامح التطوير التي قام بها في تحديث القصيدة العمودية، يقول السمطي “حقيقة الأمر أن فكرة تطوير الشعر لا تفارقني حتى في الأشكال الأخرى: التفعيلي، والحر وقصيدة النثر، وقد قدمت ذلك في قصيدة تفعيلية لي نشرت بصحيفة الحياة في العام 1991 كنت مزجت فيها عدة بحور، وضمها ديواني ‘فضاء المراثي’، الذي صدر بدار شرقيات بالقاهرة 1997، أما التطوير الحقيقي فكان للقصيدة العمودية التي تتهم – أغلب الأحيان – بأنها غنائية تطريبية إنشادية، حيث بدا هاجس التطوير قبل أكثر من 20 عاما، مع بعض القصائد التي ظهرت في ديواني ‘السماء الجنوبية للحب’، الصادر عن دار النابغة بالقاهرة في العام 2020، وضم أربع قصائد من النمط السمطي العمودي، لكنني في العام التالي أصدرت ديوانا كاملا من القصائد العمودية الجديدة هو ‘رايات بلا أوسمة’.”
وحول كيفية بروز فكرة التطوير والتغيير لديه في هذه القصيدة التراثية العريقة، يقول إن “مسألة التحديث والتطوير، تقوم على إضافة تفعيلة أو أكثر على تفعيلات البحر الشعري، لتصبحَ سبع أو ثماني أو تسع تفعيلات في البحر سداسي التفعيلات كالكامل أو الرجز أو الرمل، أو تزيد قليلا كما في البحر المتقارب أو المتدارك وقد أو صلتها إلى 12 تفعيلة في قصيدة لي من بحر المتقارب، وهذه نقطة أولى.
والنقطة الثانية تتمثّل في إلغاء هذا الفصل بين الشطر الأول والشطر الثاني، أو بين العروض والضرب، ليمتزج البيت الشعري في وحدة واحدة، لأن هذا الانشطار والتقسيم من آثار الأداء الشفوي الموروث في إلقاء القصيدة التقليدية في بدايات ظهورها منذ عصر ما قبل الإسلام وما بعده، هذا الإلغاء يكمل المشهد الإيقاعي والتعبيري للبيت الشعري وللقصيدة كلها دون توقف (مصطنع)، كما يلغي هذه البنى الشعرية المفككة التي تضع حواجز عروضية بين تفعيلتي العروض والضرب، بحجة الزحافات والعلل.”
والنقطة الثالثة والأهم – بحسب قوله – تتجلى في تغيير أداء الجمل الشعرية في البيت الشعري، فالأداء هنا أداء حداثي يقارب بين القصيدة العمودية والتفعيلية، ويكسر حدتها الغنائية، ويخلصها من التطريب، ومن الأداء الشعري التقليدي في بناء الجملة الشعرية وبناء البيت الشعري.
ويشير السمطي إلى أن من يقرأ قصائده في هذا الفضاء الجديد سوف يتبين له – لأول وهلة – أن هناك اختلافا فنيا وصياغيا وجماليا في أداء الأبيات الشعرية، حتى إنه يتصورها أنها قصائد تفعيلية حرة، وربما بصياغتها تستلهم روح قصيدة النثر الحيوية.
وحول إيمانه بتلك الرؤية في تطوير وتغيير القصيدة العمودية، ورؤيته لمدى ما سيلقاه من القراء والنقاد فضلا عن الشعراء؟
يقول إنه علينا أن نجرّب ونبتكر، وأن نصنع مخيّلات جديدة أمام القراء، وأنماطا مغايرة من الشعر حتى تتطور الذهنيّات وتتعدّل وتعايش عصرها، فالشعر العربي في حاجة ماسة إلى نقلة حضارية جديدة، وإلى إبداع يحتضن همومه الراهنة.
ويضيف “أتصور أن تغيير هذا الشكل الموروث أمر مهم جدا لتطوير الشعر العربي، وبالتأكيد هو تطوير مختلف، يأتي في سياق التطوير الذي أحدثته ‘الموشحات الأندلسية’ من قبل، والتطوير الذي تجلى في ‘المقطوعات الشعرية’ والقصائد متعددة القوافي.”
ويتابع “لكن التطوير الذي قمت به مختلف لأنه يغير شكل البيت الشعري تماما، ويغير الأشكال العروضية الموروثة، وهذا، فيما أتصوّر، يمثل إضافة جديدة للشعرية العربية بوجه عام تحدث لأول مرة في تاريخ الشعر العربي والقصيدة العمودية، وهذا أمر مهم جدا فيما أعتقد.”
الجمهور والقصيدة
تسأل “العرب” السمطي هل يعتقد أن القصيدة العمودية لم يجددها شعراء كبار في مشهد الشعر العربي المعاصر؟ ليجيبنا بأن القصيدة العمودية بالتأكيد هي من أعظم ما أنتج من شعر عربي في عصورنا الشعرية الماضية، ولدينا مئات الشعراء الذين أبدعوا فيها من عصر ما قبل الإسلام منذ زمن امرؤ القيس وعنترة العبسي والشنفرى وطرفة بن العبد حتى عمر بن أبي ربيعة وجرير والفرزدق إلى زمن أبي نواس وبشار بن برد وأبي تمام والبحتري والمتنبي وأبي فراس الحمداني وأبي العلاء المعري وابن الرومي وغيرهم كُثْرٌ، وفي عصرنا الحديث هناك شعراء مبدعون رائعون بداية من أحمد شوقي وبشارة الخوري وعلي محمود طه وإبراهيم ناجي والجواهري وعمر أبوريشة.
ويرى أن من طوروا القصيدة العمودية بشكل حقيقي – وفقا لقوله – يعدون على أصابع اليد كنزار قباني وعبدالله البردوني وحسين العروي وجاسم الصحيح، وأيضا القصائد العمودية لدى أدونيس وصلاح عبدالصبور وأمل دنقل وبدر شاكر السياب ومحمود درويش، تمثيلا، ممن توجهوا لكتابة القصيدة الحرة التفعيلية.
ويؤكد الشاعر والناقد أن التجديد الذي يلامس البنية الإيقاعية ويلامس طريقة تركيب الجملة الشعرية لم يوجد حتى اللحظة، لأن أداء الأبيات الشعرية لا يزال يؤدى بشكل تقليدي، بالأسلوب نفسه على الأغلب، بتوجيه الخطاب، بأفعال الأمر نفسها، وبأدوات الشرط، وبالصفة والموصوف، مع الاستناد على معجم شعري مكرر.
التطوير الذي قام به عبدالله السمطي مختلف لأنه يغير شكل البيت الشعري تماما، ويغير الأشكال العروضية الموروثة
وحول رؤيته للقصيدة العمودية المنتشرة اليوم وتلقي الجمهور لها؟ يؤكد السمطي أن القصيدة العمودية بأدائها التقليدي لا قيمة كبيرة لها اليوم، لأن ماضيها الشعري أغلق الباب أمام أي تجربة تقليدية، بل إن وجودها أصبح مجرد إكمالا للمشهد لأن بلادا مثل مصر ولبنان والعراق، ربما تتوجه أكثر لكتابة قصيدة النثر، وأغلب إصدارات دور النشر تركز على هذا الشكل الشعري الحداثي المتجدد، وهذا لا ينفي وجود جمهور للقصيدة العمودية بسبب مناهج الدراسة والتعليم التي تصر على أن القصيدة التقليدية هي النموذج الأوحد للشعر، كما أن البرامج التلفزيوينة والمهرجانات الرسمية والمناسبات والحفلات تعشق الشعر العمودي ربما بسبب أدائه التطريبي والترحيبي الوديع. ومن يكتبون القصيدة التقليدية ربما يسايرون الجمهور ولا يسعون إلى التطوير والتغيير وهذا يضع القصيدة في مأزق أنها ضد العصرنة وضد تغيير مخيلة القارئ العربي.
وحول أعماله الشعرية الجديدة، يقول إنه لم يُصدر كل دواوينه الشعرية بعد، وأن دواوينه المخطوطة تبلغ أكثر من 30 ديوانا شعريا، وأنه يحاول إصدار ما يتمكن من إصداره منها، بما يواكب اللحظة، مع إضافة ما يكتبه من القصائد الجديدة، لافتا إلى وجود ديوان سيصدر قريبا في فضاء قصيدة النثر، ديوان آخر تتنوع فيه الأشكال الشعرية، ويضم عددا كبيرا من القصائد العمودية المطورة حسب الشكل العمودي الجديد.