عبدالعزيز المسلم عاشق التراث الذي حفر عميقا في الذاكرة الشعبية الإماراتية

مثقف وباحث مهموم بقضايا التراث وسبل صونه وتوثيقه وإحيائه.
الثلاثاء 2023/09/12
باحث كرس حياته ضد النسيان

يعد الأكاديمي الإماراتي عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، أحد الرواد في مجال صون وتوثيق وإحياء التراث بكل صوره، وبجانب عمله الرسمي، فقد عُرف بأنه شاعر وكاتب وباحث شغوف بالتراث. وهو ما نرصده من سيرته وتجربته خاصة في مجال حماية التراث.

لا يتوقف عطاء الأكاديمي عبدالعزيز في مجال التراث داخل حدود الشارقة، بل يمتد إلى مختلف مدن العالم العربي، حيث عرف الرجل بسعيه الدائم لدعم المشاريع العربية الخاصة بحماية التراث، وتشجيع الباحثين والمؤسسات المعنية بذلك، إلى جانب مساهمته في الارتقاء بنظرة المجتمع للتراث.

وعلاوة على رئاسته لمعهد الشارقة للتراث فإن المسلم شاعر وكاتب وباحث شغوف بالتراث، وبحسب قول الباحث والأكاديمي منى بونعامة فإن المسلم هو عاشق التراث الذي حفر عميقا في الذاكرة الشعبية الإماراتية واستخرج دررها وجواهرها، ووثقها في أسفار رصينة، أتحف بها الأنام في هذا الزمان.

رجل التراث العربي

تجربة المسلم تنطوي على مسار طويل من البحث والكتابة والتحقيق والتدقيق، وارتياد عوالم مجهولة يتهددها النسيان

تعد الكتابة لدى الأكاديمي عبدالعزيز المسلم بمثابة نشوة من نوع خاص -بحسب وصفه- حيث يشعر حين يكتب وكأنه يتناول نوعا خاصا من المخدر اللطيف، فيعيش حالة من الغياب الواعي، أو الوعي الغائب، تقود إلى حالة إبداعية راسخة؛ “حالة من الغدو والرواح بين حنين وأنين، بين قلم وورق، إنه بث والتقاط”، وفق تعبيره.

وقد بدأ حب المسلم للكلمة مع حبه للشعر، وهو يرى أن الشعر ما هو إلا مزيج من المشاعر والكلمات، وهو تعبير عن كوامن النفس، ولواعج الإحساس بكلمات وأوزان شعرية تنتج موسيقى تلامس شغاف القلب، وتهدهد الروح لتسمو بها إلى فضاءات رحبة في سماء صدق الإحساس.

وكانت الحكايات الخرافية هي المحطة الثانية في رحلة الأكاديمي عبدالعزيز المسلم مع الكلمة، فقد كان يخاف كثيرا وهو صغير من جميع الحكايات الخرافية التي رويت له، أما اليوم فقد صار هو من يخيف الناس بحكاياته الخرافية التي جمعها من الموروث الشعبي الإماراتي، إذ تجاوز خوفه في الماضي وهو صغير من عناصر تحفل بها الحكايات التراثية مثل الظلام والأماكن الضيقة والصراصير، لكن ذلك الخوف اختفى اليوم، بحسب قوله.

وتدلنا سيرة ومسيرة المسلم على أنه مثقف من الطراز الأول، وباحث مهموم بقضايا التراث وسبل صونه وتوثيقه وإحيائه.

h

وقد أسهمت تجربته الغنية التي حوت تفاصيل حية عامرة بالبحث والتقصي، وكرست نموذج الشاعر الطموح والباحث المتأني الذي رسم ملامح مشروعه بدراية، في الوقوف على تفاصيل التراث ونقوشه المحفورة عميقا في ذاكرة الإنسان الذي عمر هذه الأرض.

وفي مناسبة إعلان فوزه هذا العام بجائزة “رجل التراث العربي” من قبل الاتحاد العربي للإعلام السياحي، وذلك خلال حفل أقيم على هامش دورة 2023 من بورصة برلين السياحية، وتسلمه الجائزة في حفل أقامه الاتحاد في سلطنة عمان، صدر أخيرا عن معهد الشارقة للتراث كتاب حمل عنوان “رجل التراث العربي الأكاديمي عبدالعزيز المسلم: السيرة العلمية والمسيرة العملية”، من إعداد وتحرير الأكاديمي منى بونعامة، الباحث في شؤون التراث ومدير إدارة المحتوى والنشر بمعهد الشارقة للتراث.

واحتوى الكتاب على ثمانية فصول أولها يتحدث عن الشعر الشعبي، وثانيها يتناول موضوع الذاكرة الشعبية، وثالثها يناقش الأدب وموضوعاته، ورابعها يستعرض التراث الثقافي وقضاياه الكبرى التي شغلت البحاثة الأكاديمي عبدالعزيز المسلم، بينما يناقش الفصل الخامس موضوع الحكاية الشعبية والخرافية. أما الفصل السادس ففيه استعراض للتراجم وسير الأعلام، فيما يتناول الفصل السابع أدب الرحلة واستكشاف الذات، وأما الفصل الثامن فقد استعرض شهادات ومواقف من نخبة من الباحثين والخبراء والمفكرين حول تجربة الأكاديمي عبدالعزيز المسلم ومحطاتها المختلفة وأصدائها لدى النخب العلمية متعددة الاختصاصات والميول الثقافية، والتي زامنت وواكبت مختلف أطوارها، حيث نظر كل منهم إلى تجربة المسلم من زاويته الخاصة مستحضرا ما تعكسه من قيمة علمية وأخلاقية وإبداعية وما حققته من إضافة نوعية.

أما خاتمة الكتاب فقد استعرضت ما انطوى عليه المنجز الثقافي والتراثي للمسلم مما يتناسق مع مشروعه وحلمه الذي لازمه منذ صباه.

كان عبدالعزيز المسلم ومازال مدافعا بقوة عن التراث، جامعا وحافظا ما وعته صدور الرواة وسطور الكتب

وفي مقدمة الكتاب يقول محرره بونعامة إنه من الصعوبة بمكان اختزال تجربة طويلة وثرية لقامة مثل الأكاديمي المسلم في سطور، أو تلخيصها في صفحات بين دفتي كتاب و”بخاصة إذا كانت التجربة تنطوي في ذاتها على مسار طويل من البحث والكتابة والتحقيق والتدقيق، وارتياد عوالم مجهولة وأخرى مطمورة في تلافيف ذاكرة يتهددها النسيان من كل مكان”.

وتابع “فوق هذا وذاك، تتنازع صاحب التجربة مشاغل جمة تتوزع بين العمل الثقافي والإداري، وهذا ما يجعل الابتداء في تجربة البحاثة القدير والكاتب والمثقف الأكاديمي عبدالعزيز المسلم من نقطة معينة أمرا في منتهى الصعوبة بل هو عين المخاطرة، ومع ذلك لا بد مما ليس منه بد ولا بد من الغوص في أعماق هذه التجربة الثرية، التي تأخذنا في عوالم فسيحة متشبعة بالتراث، ومتشربة بروح الماضي وعبقه الجميل ومسكونة بحب الشعر والأدب”.

ويلفت بونعامة إلى أن مسيرة الأكاديمي عبدالعزيز المسلم بدأت في ثمانينات القرن الماضي، حيث كان ومازال مدافعا عن التراث، جامعا وحافظا ما وعته صدور الرواة وسطور الكتب في أسفار عكف عليها سنوات طوال أمضاها في دروب البحث والتحصيل، ليقدم الكثير من المؤلفات التي أثرت المكتبة العربية في ميادين متعددة.

البدايات الأولى

h

تناول الكتاب مرحلة البدايات في مسيرة الأكاديمي عبدالعزيز المسلم، حيث ولد في الشارقة في أكتوبر 1966، وبحكم شغفه بالتراث أعاد صياغة العشرات من الحكايات الخرافية التي ترجمت إلى عدد من اللغات العالمية: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والبرتغالية وغيرها.

وقد أسهمت نشأة المسلم الأولى -التي سرد الكثير من تفاصيلها بكتاباته- في صقل شخصيته وبلورة وعيه ووجهتْه التوجيه الصحيح نحو تحقيق أحلامه، مستحضرا في سيرته ما تعالق في ذاكرته التي اختزنت تفاصيل الحياة على اختلاف تلاوينها، من حياة رخية إلى حياة قاسية، ومن الدخول إلى أول روضة في الشارقة إلى أعلى الدرجات العلمية (الأكاديمية) ومن شاعر إلى باحث متخصص ساهم في توثيق وتقديم صفحات من الموروث الشعبي لدولة الإمارات.

وتعرف الأوساط الثقافية والتراثية العربية المسلم مثقفا من الطراز الأول وخبيرا في التراث الثقافي، كما تعرفه مثقفا متعددا في المعنى متشبثا بمبادئه وقيمه وهويته وانتمائه، وتعد تجربته أنموذجا متفردا لما تميزت به من خصوصية طبعت مرحلة النشأة وواكبت مراحل حياته بمختلف مساراتها ومنعرجاتها الحاسمة، وهي في مجملها تترجم فلسفته في الحياة ونظرته للأمور، فهو يرى أن الأسس الصحيحة والتجارب الممتدة هي التي تطور الإنسان وتجعل نظرته أكثر عمقا، كما يؤمن بأن الظروف هي التي تصنع الإنسان، ومن دونها لا يمكن أن يميز دروبه السهلة والوعرة، وهذا ما يجعله يتجاوز الصعاب بقوة التحدي والإصرار والمثابرة وتجاوز العقبات غاضا الطرف عن المثبطات ماضيا في دربه متسلحا بإرادته القوية وعزيمته النافذة.

المسلم حاز على العديد من الجوائز مثل لقب شخصية العام الثقافية في الإمارات عام 2012، ووسام المبدعين الخليجيين عام 2014 من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي

ووفقا لصفحات كتاب “رجل التراث العربي الأكاديمي عبدالعزيز المسلم: السيرة العلمية والمسيرة العملية”، فإن من يتمعن في ملامح المشروع الثقافي والتراثي للمسلم ويغوص في أعماق تجربته، يلامس فيها العمق والجزالة والدقة والموضوعية وغيرها من الصفات والسمات التي لازمته في بحثه ودراسته وتوثيقه للتراث الإماراتي، وهو باحث خبر البحث ودروبه الوعرة، وامتلك أدواته المنهجية والموضوعية لجمع ما تناثر من روايات وحكايات شفوية اختزنتها صدور الرواة أو حوتها بطون الكتب.

ويكشف منهجه النقدي الذي اعتمده في تمحيص المعلومة التراثية عن باحث قدير أوتي ملكة العلم وهبة الفهم، وسخرها في خدمة تراث يذوي ويتآكل، ومهدد بالضياع والاندثار، لولا استنهاض الهمم ومراعاة الذمم، فكان هو الباحث الغيور الذي انبرى للقيام بتلك المهمة وأخذ على عاتقه حفظ تراث بلده وأمنه ومجتمعه، وتنقيح ما طاله التشويه منه وتصحيح الخطأ وتقويم المعوج.

وعديدة هي الجوائز التي حازها المسلم مثل لقب شخصية العام الثقافية في الإمارات عام 2012، ووسام المبدعين الخليجيين عام 2014 من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، وغير ذلك الكثير من الجوائز والتكريمات. وقد قدم إلى المكتبة العربية العشرات من المؤلفات في مجالات الشعر والحكايات الشعبية والدراسات التراثية، نذكر منها “سفر الليالي” (شعر) 1990، “طفولة حب وسلام” 1998 (شعر للأطفال)، “الذاكرة الشعبية” 1999، “الأزياء والزينة في الإمارات”، “مراود: ألغاز وأسئلة تراثية” 2002، “10 حكايات خرافية من التراث الإماراتي” 2018، “مدونة مسافر” 2021، وغيرها.

13