عاشوراء تجمع أحزان شيعة العراق على الحسين بأحزان الشباب على أوضاع البلد

مراسم محرّم وعاشوراء بعد أن كانت فرصة للأحزاب والقوى الشيعية الحاكمة في العراق منذ ثمانية عشر عاما لتأكيد التزامها دينيا وطائفيا، ولإعادة تقديم نفسها كملتزمة بمبادئ أهل البيت وبتعاليم الأئمة، تحولت إلى فرصة للشباب العراقي الناقم على تلك الأحزاب لإدانة فسادها وفشلها في حكم البلد وللتشهير بدورها في تخريبه والتنكيل بشعبه.
كربلاء (العراق) - كرّس إحياء ذكرى مقتل الإمام الحسين في العراق هذا العام ظاهرة مشاركة أعداد متزايدة من الشباب في الطقوس والمظاهر الخاصة بالذكرى التي تنطلق مع بداية شهر محرّم من كل عام هجري وتبلغ مداها في العاشر منه.
ويتميّز إحياء تلك الذكرى على وجه الخصوص بالتجمّعات البشرية الكبيرة التي أصبحت متنفّسا لهؤلاء الشباب، ليس فقط عبر اندماجهم في الأجواء الروحانية والعاطفية الغامرة، ولكن أيضا بالتعبير عن حالة من الألم والغضب من الأوضاع السيئة التي أصبح عليها العراق في ظل تجربة سياسية فاشلة تقودها بشكل أساسي أحزاب دينية تدّعي تمثيل الشيعة وتحكم باسم مظلومية الحسين بن علي وآل بيته.
وعلى غرار السنوات الأخيرة حضرت هذا العام مجاميع كبيرة من الشباب العراقيين، متدينين وغير متدينين، في طليعة المواكب والتجمعات البشرية المشاركة في إقامة الشعائر الخاصة بشهر محرّم مستغلة ما يمارس من طقوس وما يُلقى من قصائد للتعبير عن كم هائل من الحزن والغضب من الطبقة السياسية.
وفي مدينة كربلاء الواقعة جنوبي العاصمة العراقية بغداد وتضمّ مرقد الإمام الحسين ورمز واقعة الطفّ التي قتل فيها الحسين في المدينة نفسها قبل مئات السنين كانت الهيمنة الشبابية على الشعائر العاشورائية هذا العام واضحة، وذلك في انعكاس لارتفاع نسبة الشباب في العراق الذي يشكّل من هم دون 25 عاما نسبة 60 في المئة من سكانه.
واختار أمير محمد البالغ من العمر 26 عاما أن ينضمّ إلى “الطرفة العباسية” أحد المواكب الأكثر قدما في كربلاء والمعروف بـ”ردّاته” المميزة التي تحمل دائما طابعا سياسيا. وأمير “رادود” في الموكب أي أنّه يؤدي قصائد ندب للإمام الحسين وصحبه وعائلته.
ويقول “في الطرفة العباسية خصوصا تكتب الردات الثورية التي تتكلم عن معاناة الشعب العراقي. ونتمنى إيصال هذه المعاناة من الفساد والحروب وعمليات الخطف إلى العالم عبر الردّات الحسينية الثورية”. ويرد في نصّ إحدى هذه الردّات “يا شعبي لا تثق بالسياسي، كلّ همّه ومطلبه الكرسي الرئاسي”.

وتهيمن على المشهد السياسي في العراق أحزاب ومجموعات مسلحة شيعية بالأساس متهمة بالفساد وسوء الإدارة. وفي نهاية 2019 نزل العراقيون بكثافة إلى الشوارع منادين برحيل الطبقة السياسية لكنهم تعرضوا للقمع على أيدي مجموعات شيعية مسلحة متنفّذة وموالية لإيران. كما تعرض ناشطون ومشاركون في تلك الانتفاضة الشعبية خلال السنتين الماضيتين لعمليات خطف أو اغتيالات.
غير أن التنديد بالطبقة السياسية وفسادها لم يقتصر على ما يلقى من قصائد وما يردّد من “أهازيج” ضمن المراسم الدينية، ولكنه اتّحذ في وقت سابق من هذا الأسبوع شكل الاحتجاج المباشر في كربلاء عندما ردّد الآلاف من الزوار الشباب الشيعة الخميس شعارات سياسية ضد الأحزاب الحاكمة من بينها “ارحل ارحل يا فاسد”، و”هيهات منا الذلة، لن نرضخ للفاسدين والفساد”.
ويحلم أمير الذي ارتدى ملابس سوداء مثل كل المشاركين في مواكب عاشوراء، بأن يصبح يوما مثل باسم الكربلائي وهو من أكثر المؤدين شهرة في العراق والعالم العربي. وكان أوّل من أدخل تجديدا في أداء الندبيات والقصائد الخاصة بعاشوراء فجدّد في المقامات والتوزيع الموسيقي.
وتنظم المواكب العاشورائية عادة داخل كربلاء قرب مرقد الإمام الحسين خلال الأيام العشرة الأولى من محرم ويشارك فيها الملايين.
ومن المقرّ المتواضع للطرفة العباسية التي تأسست في العام 1888 والذي تَزَيّن برايات العزاء يقول الرادود كاظم الوزني إنّ “الحسين سياسي جاء لإحداث تغيير في النظام الذي كان مسيطرا آنذاك”، معتبرا أن هذه الفكرة تنطبق على واقع اليوم “فالحسين جاء للتغيير ونحن نحاول بثّ روح التغيير عن طريق شعاراتنا السياسية”.
شباب متدينون وغير متدينين يقبلون على المشاركة في الشعائر الحسينية كوسيلة للتعبير عن مواقفهم السياسية
ويستذكر الرجل الستّيني أيام نظام حزب البعث بقيادة الرئيس الأسبق صدام حسين حينما كانت الشعائر ممنوعة علنا. ويقول “كنا نذهب للمشاركة في مجالس العزاء لكن في الأروقة الضيقة والمظلمة كي لا يرانا رجال الأمن ونتعرض للاعتقال والتعذيب”. ويضيف أن الحاجة إلى تلك “الردّات السياسية لا تزال قائمة”.
ويقول الوزني “نلنا الحرية لكن من يديرون النظام السياسي يضيعون وقتهم في السرقة ويهملون معاناة الشعب”.
وفي سوق الشيوخ في ذي قار جنوبي كربلاء دخلت الإيقاعات الحماسية الجديدة في صلب الشعارات التي تؤديها المواكب.
ويكرّس كرّار عبدالأمير البالغ من العمر واحدا وثلاثين عاما والذي يعمل خادما في العتبة العباسية إلى جانب عمله كصائغ مجوهرات وقته كاملا خلال شهر محرم للاهتمام بموكب كله من الشباب يسمّى “عشاق علي الأكبر” في إشارة إلى علي ابن الحسين الذي قتل معه يوم واقعة الطف. وينظم مسيرات ويوزّع طعاما مجانيا على المشاركين.
ويقول كرار لوكالة فرانس برس بينما كان يحضّر لموكب عزاء وحوله عدد من الشباب الذين يعملون معه “غالبية الشباب متعبون ومصابون بالإحباط، فهم يدرسون في الجامعات لسنوات ثمّ يبقون من دون عمل”. ويتابع “ربما لا يكون الدين أولوية لهم، لكن الروحية في عاشوراء تختلف”.
وتبلغ نسبة العاطلين عن العمل في العراق اثنين من كل خمسة شباب. ويصف علي الطالب في هندسة الاتصالات والبالغ من العمر أربعة وعشرين عاما نفسه بأنه غير متدين كثيرا.
ويقول الشاب الذي شارك في تظاهرات أكتوبر 2019 التي خرجت ضد الفساد وسوء الإدارة إنّه يطمح إلى السفر إلى الولايات المتحدة والعمل في شركة آبل، مضيفا “الخدمة خلال شهر محرم أمر مهم جدا بالنسبة لي، تكريما للإمام حسين وما يمثّله من قيم”.
ويشدّد بينما يعمل إلى جانب كرّار على أن هذه الخدمة باتت حاجة ملحة وسط الظروف السياسية التي يمر بها العراق، مشيرا إلى أن هناك اليوم “طريقة جديدة في التعبير عن الدين”، تتمثّل بـ”الانفتاح وعدم إرغام أحد على التدين”.