عائلات داعش العراقية.. إهمالها وصمة أخلاقية وإدماجها معضلة أمنية

دفعات من عائلات داعش العراقية وقع توطينهم في مخيم الجدعة بناحية القيارة تخطط السلطات لإعادة تأهيلهم فكريا قبل الزج بهم في مجتمعاتهم الأصلية.
الخميس 2021/06/24
مأساة تأبى أن تنتهي

بغداد- يشكّل ملف عائلات عراقيين سبق أن انتموا لتنظيم داعش وقاتلوا في صفوفه وشاركوا في ارتكاب فظائعه وجرائمه المشهودة التي طالت الكثيرين من أبناء البلد، معضلة حقيقية للسلطات العراقية، إذ أن إهمالها وتركها لمصيرها في المخيمات بسوريا يشكل وصمة أخلاقية وحقوقية للبلاد، فيما إعادتها ومحاولة إدماجها بالمجتمع تمثلان مشكلة أمنية، فضلا عن الوقع النفسي الثقيل على ضحايا التنظيم وذويهم.

ويقول الشاب الثلاثيني سمير العيسى تعليقا على مرور عشر حافلات يستقلها أفراد عائلات مقاتلي داعش عبر ناحية القيارة جنوبي محافظة نينوى شمالي العراق، باتّجاه مخيم الجدعة قادمة من مخيم الهول بشمال شرق سوريا الشهر الماضي، إنّ “من الصعب أن يغفر ذوو الضحايا للجناة وعائلاتهم وهو ما قد يفتح الباب أمام أعمال انتقام ونزاع دموي جديد في العراق”.

تنظيم داعش لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في مناطق واسعة بالعراق ويشن هجمات بين فترات متباينة

وأعاد هذا المشهد إلى ذاكرة العيسى الفظائع التي ارتكبها داعش من أعمال الترهيب وقطع الرؤوس والإعدامات في الساحات العامة والقتل الجماعي بحق المناوئين له من المدنيين وأفراد الأمن، بينهم شقيقه الأصغر طارق الذي كان شرطيا.

ولا يخطر على بال العيسى أن ينسى يوما فظائع التنظيم أو يسامح المسؤولين عنها بما في ذلك أفراد عائلاتهم التي يقول إنها تحمل الأفكار السوداوية ذاتها.

ووصلت أول دفعة من عائلات مقاتلي داعش العراقيين في 25 مايو الماضي بواقع 94 عائلة مكونة من 381 فردا جرى توطينهم في مخيم الجدعة بناحية القيارة. وستصل دفعات أخرى تباعا من دون إعلان جدول زمني مسبق إذ تخطط بغداد لإعادة تأهيلهم فكريا قبل الزج بهم في مجتمعاتهم الأصلية.

ويقول عضو البرلمان العراقي عبدالهادي موحان لوكالة الأناضول إنّ “إعادة عائلات مقاتلي داعش خطوة خاطئة اتخذتها الحكومة”. ويرى أن هذه الخطوة “من شأنها المساهمة في إعادة هيكلة التنظيم مرة أخرى، ما قد يشكل تهديدا أمنيا كبيرا مجددا على العراق”.

مؤيد الجحيشي: إعادة عائلات داعش تتطلب وضع خطط طويلة الأمد

وفيما إذا كان البرلمان سيتخذ قرارا بهذا الشأن، يجيب موحان بأن “مجلس النواب عاجز عن عقد أي جلسة حاليا وبالتالي سيكون من الصعب الخروج بموقف محدد وموحد تجاه خطوة الحكومة العراقية وذلك لانشغال النواب بالتحضير للانتخابات المقبلة”.

وكان هؤلاء العائدون قد نزحوا إلى سوريا مع من تبقى من مقاتلي التنظيم عندما استعاد العراق كامل أراضيه من قبضة داعش عام 2017 إثر حرب عنيفة استمرت ثلاث سنوات.

وعندما خسر التنظيم آخر معاقله في سوريا عام 2019 ألقي القبض على مقاتليه وأودعوا السجون بينما جرى توطين عائلاتهم من النساء والأطفال في مخيم الهول. ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فإن 60 ألف فرد يقطنون في المخيم نصفهم من العراقيين ستعيدهم السلطات العراقية إلى البلاد على دفعات.

ويقول عضو مفوضية حقوق الإنسان المرتبطة بالبرلمان العراقي علي البياتي إنّ “التعامل مع ملف عائلات داعش يجب أن يكون بحذر ومسؤولية، على اعتبار أن أفرادها يحملون فكر التنظيم”. ويضيف “العراق لا يمكنه التعامل بمفرده مع هذا الملف، وعلى المجتمع الدولي مساعدته في هذا الشأن”.

ويرى أن الغموض يكتنف ملف إعادة هؤلاء، موضحا “حتى الآن لا نعلم من الذي يدير الملف على مستوى الدولة العراقية، ومن المسؤول عن إعادتهم وتقديم الدعم لهم وبرنامج إعادة التأهيل لهم، وفيما إذا كانت هذه الجهة قادرة على إدارة الملف”.

ويتابع “يجب عزل المخيم ووضع خطة أمنية محكمة لمنع زج أفراد هذه العائلات في المجتمع كون أغلب الأطفال يحملون فكر التنظيم ما قد يشكل خطرا على المجتمع العراقي”. وأعلن العراق عام 2017 تحقيق النصر على داعش باستعادة كامل أراضيه التي كانت تقدر بنحو ثلث مساحة البلاد التي اجتاحها التنظيم صيف 2014.

إلا أن التنظيم لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في مناطق واسعة بالعراق ويشن هجمات بين فترات متباينة. وخلال الأشهر الأخيرة زادت وتيرة الهجمات لاسيما في المنطقة بين محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى المعروفة باسم مثلث الموت.

ويعتقد الخبير الأمني العراقي مؤيد الجحيشي أنّ “إعادة عائلات مقاتلي داعش خطوة غير مدروسة”، مبينا أن “هكذا خطوات يجب أن تضع لها مجموعة من الخطط الطويلة الأمد، تحسبا لأي طارئ”.

وصلت أول دفعة من عائلات مقاتلي داعش العراقيين في 25 مايو الماضي بواقع 94 عائلة مكونة من 381 فردا جرى توطينهم في مخيم الجدعة بناحية القيارة

ويقول الجحيشي وهو رئيس المعهد العراقي للفدرالية ومقره بغداد “إنّ السلطات لا تستطيع فرز العناصر المنتمية إلى التنظيم من سواها، وقد تكون لذلك عواقب تستمر لسنوات طويلة مقبلة”.

ويرى أنّ “أغلب أطفال العائلات المنتمية إلى داعش هم التحدي الأكبر أمام الحكومة العراقية”، واصفا إياهم بـ”القنبلة الموقوتة، إذ سيشكلون خطرا أمنيا في السنوات القليلة المقبلة”.

ويعتبر أن “العراق غير قادر على إدارة هذا الملف وهذا هو السبب الرئيسي الذي يدعو إلى القلق، خصوصا أن الحكومة لم تجرِ أي تحضيرات حقيقية قبيل الموافقة على إدخال عوائل داعش إلى البلاد”. وبحسب الجحيشي، لن يكون أطفال مقاتلي داعش “خطرا أمنيا فحسب، بل قد يشكلون القاعدة الأساسية لظهور جيل جديد من التنظيم عبر تجنيد آخرين في مجتمعاتهم”.

3