"ظل راجل" مسلسل مصري يُبرز أصالة الحارة الشعبية

يحرص الفنان المصري ياسر جلال على تقديم الأعمال التلفزيونية من واقع المجتمع الذي يعيش فيه، ويقترب من القضايا التي شغلت الرأي العام سابقا. فقد أطل على الجمهور في السباق الرمضان هذا العام بعمل مختلف وجذاب استطاع من خلاله تحقيق نسب مشاهدة عالية، وهو «ظل راجل» الذي ترك بصمة أخرى لدى الجمهور، لأنه مسّ وترا مهما في قضية مجتمعية يخشى الكثيرون الحديث عنها صراحة.
القاهرة- جسّد الفنان المصري ياسر جلال شخصية “الكابتن جلال” في مسلسل “ظل راجل”، وهو مدرس تربية رياضية بإحدى المدارس الثانوية للبنات، ويعيش مع أسرته المكونة من زوجته التي قامت بدورها الفنانة نيرمين الفقي، وابنته التي جسّدتها الفنانة رنا رئيس، وشقيقتها وحماته (الفنانة إنعام سالوسة)، وحماه وخاله أيضا (الفنان أحمد حلاوة)، ويقطنون في بناية سكنية واحدة.
وتتوالى عليه الأزمات عقب اكتشاف زواج ابنته عرفيا من أحد الشباب بعد تعرّضها لحادث سيارة كاد يقضي على حياتها، ورغم صدمته الشديدة إلاّ أنه حاول طوال الحلقات ضمان حقها وهو ما حصل عليه في النهاية، وهي العادة التي لازمت الفنان في غالبية أعماله في الآونة الأخيرة.

وقال جلال في حواره مع “العرب” إنه يحرص دائما من خلال مسلسلاته على الاقتراب من أوجاع الجمهور، لذلك اختار هذه القصة التي تدور معظم أحداثها في الحارة المصرية التي تقف شاهدة على أصالة أهاليها الذين يعرفون الأصول والاحترام والشهامة وصلة الرحم والإنسانيات، بعيدا عن “البلطجة” والعنف.
وقدّم العمل شخصية جلال، وهو رجل من طبقة متوسطة تورّط في أزمة كبيرة كان من الممكن أن تصبح السبب في القضاء على حياته، وأظهر مدى التضحية التي يقدّمها “أولاد البلد” دفاعا عن شرفهم مهما كانت المغريات.
تفاصيل فنية
أكّد الفنان المصري في حواره مع “العرب” أن شخصية جلال صعبة تمثيليا لما تحتويه من تفاصيل عديدة، فهو رجل كان يعتقد أنه يعيش حياة مستقرة وآمنة إلى أن انقلبت الأحداث رأسا على عقب، ما جعله يمرّ بالعديد من التطوّرات المُركبة، حيث يحب زوجته المقعدة “هدى”، وكان حريصا على تربية بناته بالشدة واللين معا، كما كان مثاليا للغاية أيضا، حتى فوجئ بالواقع المرير عندما مرّت ابنته الكبرى “شهد” بحادث سيارة ونقلت على إثره إلى المستشفى ليكتشف أن الحادث محاولة إجهاض لها، لأنها حامل من أحد الشباب.
وهو في ذلك يوضّح أن شخصية جلال حدثت لها تحوّلات كبيرة جراء الصدمة التي واجهته، وأصبح شخصا مختلفا، يريد الانتقام لابنته ولشرفه، ويظل يبحث عن القاتل ليعرف أنه شاب ثري “سليم” (الفنان محمد يسري) خدع ابنته تحت مسمى الحب وأراد إجهاضها حتى لا يعترف بالجنين. وأثناء هذه الرحلة الشاقة تموت الأم هدى من كثرة تألّمها لِمَا تعرضت له ابنتها، وطوال الرحلة يقابل جلال نماذج متعدّدة من الناس، أهمهم الطبيبة “ملك” (الفنانة اللبنانية نور)، والضابط المخلص (الفنان محمود عبدالمغني)، لمواجهة شريحة كبيرة من الأشرار أرادوا تدمير حياته.
وأضاف جلال أنه في خضم هذه المشاهد التراجيدية كانت هناك بعض المشاهد الرومانسية التي جمعته بزوجته هدى، ليثبت أن الرجولة ليست كلمة فقط، إنما هي موقف وسلوك واحترام، فلا بد أن يكون الرجل مخلصا لأهله.
وأوضح في حواره مع “العرب” أن المؤلف أحمد عبدالفتاح والمخرج أحمد صالح حرصا على تقديم رؤية فنية اجتماعية تحمل رسالة مهمة للغاية، وهي القضاء على العنف ضد المرأة، وكان هناك نموذجان واضحان للغاية هما ابنته شهد والطبيبة ملك التي عانت في حياتها بعد طلاقها، حيث كان زوجها يضربها وقام بإجهاضها.
وذكر جلال أن عنوان العمل “ظل راجل” جاء في محله ومناسبا للغاية، لأنه يعني الاحتواء والحب والأمان، وكان “الكابتن جلال” خير مثال على ذلك، مع زوجته وابنته التي ظل يحارب لاسترداد حقها، فالرجل عمود المنزل وعليه واجبات تجاه أسرته ومن واجبه تخفيف الأعباء عنها.
وأشار الفنان المصري إلى أنه واجه العديد من الصعوبات في المسلسل، لكنه اعتاد على ذلك في كل أعماله فكل دور له صعوباته، منها كيفية دراسة الشخصية والتعمّق فيها ومعايشتها، ثم الخروج منها بعد الانتهاء من التصوير.
ولذلك يرى أن أصعب دور قدّمه هو دور جلال في مسلسل “ظل راجل” لأنه يعتمد أولا وأخيرا على التمثيل وصعوبة الإحساس، فليس سهلا أن يكتشف أب أن ابنته تطل عليه بشخصية أخرى تماما، بالإضافة إلى وجود الكثير من مشاهد الحركة التي حرص على تقديمها بنفسه.
ولفت جلال في حواره مع “العرب” إلى أن العمل لا يشبه أي قضية حقيقية ويتناول مسألة قد تتعرّض لها الكثير من الفتيات باسم الحب، وهو في النهاية ليس حبا، فمن يحب يحافظ على حبيبته ويتمّم الزواج منها أمام الناس وليس في السر، ولا بد من التوعية وتمديد جسور الصداقة مع الأبناء، خاصة الفتيات لأنهنّ في بعض الأوقات يفتقدن للحنان، وبالتالي من المهم شملهنّ بالمشاعر الطيبة حتى لا يقعن في أي خطأ.
مصداقية الأداء
قدّم ياسر جلال الأكشن الذي يناسب مرحلته العمرية، فهو في “ظل راجل” مدرس تربية رياضية يقوم بالعديد من التمارين، ويسعى إلى مطاردة من هم وراء محاولة قتل ابنته وإجهاضها. ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي يحرص فيها على تقديم الأكشن بنفسه، حيث قدّمه من خلال شخصية “يحيى” ضابط الحراسات في مسلسل “ظل الرئيس”، و”أدهم” المصارع في مسلسل “لمس أكتاف”.
ويحرص الفنان المصري على تقديم مشاهد الحركة بنفسه دون اللجوء إلى دوبلير، باستثناء بعض المشاهد التي فيها مخاطرة كبيرة بحياته، فعلى سبيل المثال مشهد مثل تحطيم الزجاج بجسمه تمت فيه الاستعانة بدوبلير، لأنه كان يمكن أن ينفّذه بقوة فيتعرّض لجروح، أما مشاهد الجري والقفز والضرب فقد قام بها بنفسه لتحقيق المصداقية عند الجمهور، مستعينا بلياقته البدنية العالية، حيث يقوم بممارسة التدريبات الرياضية في حياته العادية.
المسلسل يحرص على تقديم رؤية فنية اجتماعية تحمل رسالة إنسانية تنتصر للمرأة، وترفض العنف المسلط ضدها
وكشف جلال لـ”العرب” أنه سيستأنف قريبا تصوير مسلسله الجديد “الديب” الذي سيعرض على إحدى المنصات الإلكترونية في موسم جديد خارج شهر رمضان، ويتكوّن من ثماني حلقات، وقصته جديدة في إطار من الدراما البوليسية، تأليف عمر عبدالحليم وإخراج أحمد نادر جلال.
وأضاف أن العرض على المنصات الرقمية له مستقبل كبير ويتيح مشاهدة الأعمال على مستوى العالم، ويجعل الفنان يواكب التغيّرات والتطوّرات، مؤكّدا أن هناك حالة ازدهار في الدراما التلفزيونية بمصر.
أما بالنسبة إلى السينما فقد أوضح جلال أنه لا يبتعد عنها بقصد، لكن التحضير لتصوير أي مسلسل يستغرق وقتا طويلا، وعندما ينتهي من التصوير يقوم بقراءة سيناريوهات لأعمال أخرى لاختيار الأفضل منها بعد أن يحصل على راحة بسيطة تمكنه من الاعتناء بأسرته، وبالتالي لا يجد لديه الوقت الكافي لخوض بعض التجارب السينمائية، إلاّ إذا كان النص مغريا.
وهو يعتقد أن التلفزيون يقدّم العديد من القضايا المهمة التي لا تبتعد كثيرا عمّا يتم تقديمه في السينما، وعندما يخوض تجربة فنية سينمائية سيركّز جيدا ويدقّق في الجديد الذي يستطيع أن يقدّمه عبر الشاشة الفضية.