طقس متقلب ومناخ انقلابي

لدي صديق وصل إلى بريطانيا منذ 40 عاما. كان من أهم ما اكتشفه فور وصوله هو النشرة الجوية. يصغي إليها بإنصات كامل، ويتعامل مع مقدمي فقرة الطقس وكأنهم أولياء صالحون يأتون بالخبر اليقين.

زادت سعادته عندما اكتشف خدمة الجريدة التلفزيونية – التيليتكس. في عصر ما قبل الإنترنت والهواتف الذكية، كان هناك زر في الريموت كونترول للتلفزيون يقدم العشرات من الصفحات بنصوص قصيرة عن الأخبار والبرامج التلفزيونية والطقس. كان يضغط على الزر وينتظر بكل صبر إلى حين قدوم صفحة الطقس لترسم خارطة الجزر البريطانية ويعرف كم هي درجة الحرارة اليوم في لندن وهل ثمة أمطار قادمة أم لا.

سألته، هل كنت تهتم بالنشرة الجوية عندما كنت في العراق؟ رد: لا توجد نشرة جوية في العراق. هناك قيض في الصيف يستمر بلا انقطاع من منتصف نيسان/أبريل إلى أواخر أيلول/سبتمبر. تزيد الحرارة 5 درجات عن المعدل في النهار وهو 45 درجة أو تنقص، لا معنى لذلك ولا تأثير له. هل سمعت يوما أن السماء أمطرت في بغداد بعد نيسان؟ هل كان من العبث أن يردد مطربون عراقيون “حبك سحابة صيف كذابة ولا تمطر”؟ ثم يأتي خريف قصير قبل أن يهجم البرد القارس. هل يستطيع أحد أن يعد كم مرة تمطر خلال موسم الشتاء في وسط العراق أكثر من عدد الأصابع؟ ثم بعد برد المربعانية، يعتدل الطقس قليلا بما يسمى بالربيع، ثم يهجم الحر ثانية. اشرح لي ما معنى أن أتابع نشرة أعرفها عن ظهر قلب؟

الناس تأقلموا مع الحر عبر القرون، ولكن أن يجتمع الحر والجفاف معا، فذاك ما لا يمكن التأقلم معه

تطور اهتمام الصديق بالطقس بعد انتشار الهاتف الذكي. اليوم ثمة تطبيقات كثيرة تعلمك بالطقس. الآن صار خبيرا في تفسير اللغة المعقدة لقراءة الطقس التي كانت تربكنا. يستطيع التمييز بين زخات مطر متقطعة وزخات مطر متفرقة. ومع تقدم علم الأرصاد الجوية، صار يخطط إجازاته وأين يقضيها بناء على ما تقوله الخرائط العالمية لكل مدينة ومنطقة. لا تتصورون مقدار سعادته عندما شاهد إعلانا عن تطبيق دقيق على الهاتف الذكي يقدم جارين بينهما سياج، وكل واحد منهما تجهز لطقس مختلف؛ واحد مشمس ويحتاج إلى شمسية ويرتدي صاحب الدار الأولى ملابس صيفية، والآخر غائم ممطر حيث يرتدي صاحب الدار المجاورة للأولى معطفا مطريا ويفتح مظلة تقيه المطر. الدقة في قراءة الأرصاد الجوية تصل إلى مستوى الأمتار.

منذ فترة ساد الإحباط نبرة صوته. هو يحب الحديث عن التغيرات المناخية. كان يدرك أن الانقلابات المناخية قادمة، لكنه لم يكن يعتقد أنها ستحدث في حياته، بل مع أجيال من أحفاده. التغيرات الآن سريعة وخطيرة بحيث يمكن أن تغير خارطة الانتشار البشري على الكرة الأرضية. سيول في مكان وجفاف في مكان آخر. حوض البحر المتوسط، أجمل بقاع الأرض من حيث الاعتدال المناخي، صار يعاني من الاضطرابات المناخية إلى درجة أنه يمكن الإحساس بها بين عام وآخر. بسبب شدة الحر هذا العام ألغى صديقي إجازته السنوية. يعتبر أنه في أمان في الجزر البريطانية. لا يزال مزاج الطقس متقلبا في لندن، ولكنه ضمن المعقول. في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الطقس انقلابي لا يبقي ولا يذر. يقول إن الناس تأقلموا مع الحر عبر القرون، ولكن أن يجتمع الحر والجفاف معا، فذاك ما لا يمكن التأقلم معه. معه حق.