ضغوط من أجل توفير غطاء دولي لترشح عبدالحميد الدبيبة للرئاسيات في ليبيا

تتجه الأنظار إلى العاصمة الفرنسية باريس، أين سيعقد مؤتمر دولي حول ليبيا، لبحث مسار تنظيم الانتخابات الرئاسية بالبلاد، قبل أكثر من شهر على موعدها المحدد، في وقت تراهن فيه قوى إقليمية ودولية فاعلة على ترشح شخصيات سياسية دون سواها للفوز بمنصب الرئاسة في البلد الغني بالنفط.
باريس - تحتضن باريس الجمعة المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي يرعاه الرئيس إيمانويل ماكرون وتشارك في إدارته كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والأمم المتحدة، بمشاركة واسعة وعلى مستويات عليا، وذلك قبل واحد وأربعين يوما من الرابع والعشرين من ديسمبر القادم الموعد المحدد لتنظيم الانتخابات الرئاسية.
ويأتي المؤتمر بعد أربعة أيام من إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن فتح الباب لقبول ملفات الترشح للاستحقاقين الرئاسي والبرلماني، وفي ظل استمرار الخلافات حول القوانين الصادرة عن مجلس النواب والمعتمدة لتنظيم السباق الانتخابي، وتهديدات الإخوان وحلفائهم بإفشال الحدث الكبير الذي يراهن عليه الشعب الليبي والمجتمع الدولي لتجاوز أزمة السنوات العشر الماضية.
وقالت الرئاسة الفرنسية إن “الانتخابات في متناول اليد، هناك حركة قوية تعمل في ليبيا حتى يتم إجراؤها، واستقرار البلاد معلق عليها لكن ’المعطلين’ (هؤلاء الذين يريدون تعطيل الدينامية الحالية) يتربصون بها، يحاولون إخراج العملية عن مسارها”، وشددت على أنه من الضروري بالتالي “جعل العملية الانتخابية غير قابلة للطعن ولا عودة عنها وضمان احترام نتيجة الانتخابات”، وذلك قبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الرابع والعشرين من ديسمبر والتشريعية التي باتت مقررة بعد شهر من ذلك التاريخ.
مصادر لـ"العرب" أكدت وجود ضغوط تستهدف فتح المجال أمام رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة للترشح للانتخابات الرئاسية
وعلمت “العرب” أن حلفاء لرئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة في الداخل والخارج يضغطون من أجل إصدار المؤتمر بيانا يدعو إلى إلغاء المادة 12 من قانون انتخاب الرئيس الصادر عن مجلس النواب في التاسع من سبتمبر الماضي، والتي تنص على أنه “وفي حال كان المترشح يشغل وظيفة قيادية عامة، ينبغي عليه التوقف رسميا عن ممارسة عمله قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر وتقديم ما يثبت ذلك من وثائق”.
ووفق مصادر مطلعة بالعاصمة الليبية، فإن الضغوط تستهدف فتح المجال أمام الدبيبة للترشح للانتخابات الرئاسية، وهو يعوّل على ذلك، ويرفض تنظيم انتخابات لا يكون مرشحا للفوز بها، ولاسيما بعد الحملة الدعائية الواسعة التي تم تنظيمها خلال الأشهر الماضية لتقديمه في صورة الزعيم الشعبي المؤهل لقيادة البلاد خلال الفترة القادمة.
وأوضحت المصادر أن رئيس الحكومة الليبية أبلغ المسؤولين الفرنسيين عن رغبته في الترشح للانتخابات، وأكد لهم أنه بذلك يمكن ضمان نجاح الانتخابات واعتراف الفرقاء بنتائجها.
ويجد الدبيبة دعما في هذا الاتجاه من قبل إيطاليا وألمانيا وتركيا والجزائر ودول أخرى، لكن تقارير أوروبية قالت إن خلافا إيطاليا – فرنسيا تم تسجيله في أروقة التحضيرات لمؤتمر باريس حول ليبيا، وذلك بخصوص نصّ البيان الختامي الذي يصرّ الإيطاليون على تضمينه مادة تسمح للجميع بالترشح للانتخابات، فيما يتمسك الفرنسيون بالشروط التي نصّ عليها قانون الترشح الصادر عن البرلمان والمعلن من قبل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، والذي يشترط توقف المرشح عن ممارسة وظيفته بشكل نهائي قبل ثلاثة أشهر على الأقل من تاريخ الاستحقاق الانتخابي.
وكان الرئيس الإيطالي سيرجيو متاريلا قد بحث خلال زيارته السبت والأحد الماضيين إلى الجزائر، مع الرئيس عبدالمجيد تبون وكبار المسؤولين الجزائريين الملف الليبي والانتخابات المرتقبة، بالتزامن مع بروز مؤشرات عن دعمهم لتطلعات الدبيبة، وتجاوبهم مع موقف الإخوان، ورفضهم لإمكانية فوز قائد الجيش المشير خليفة حفتر أو أحد رموز النظام السابق بمنصب رئيس ليبيا القادم.
وبعد مغادرة الرئيس الإيطالي، دعا تبّون نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني إلى لقاء عاجل، تمحور بالأساس حول الانتخابات وما قد تفرزه نتائجها، وحول ما يمكن أن يمارسه المجلس الرئاسي من ضغوط لتمكين الدبيبة من الترشح للرئاسيات، وذلك انطلاقا من مؤتمر باريس.
ولوحظ أن الكوني زار الجزائر مرفقا بوفد عسكري يقوده الجنرال محمد الحداد رئيس أركان قوات طرابلس المكونة بالأساس من الميليشيات، وعدد من الضباط، المرتبطين بمنصب الدبيبة كوزير للدفاع إلى جانب رئاسته للحكومة.

والإثنين تلقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالا هاتفيا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تناول مناقشة الاستعدادات الجارية لاستضافة باريس للمؤتمر الدولي حول ليبيا.
وقال السفير بسام راضي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية إن الرئيس الفرنسي عبّر عن حرصه على التشاور وتبادل الرؤى مع الرئيس بشأن القضية الليبية، وأن الرئيسين توافقا على دعم المسار السياسي القائم وصولا إلى إجراء الاستحقاق الانتخابي المنشود في موعده المقرر في نهاية الشهر القادم، وضرورة خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، وتقويض التدخلات الأجنبية غير المشروعة التي تساهم في تأجيج الأزمة.
وبعد ساعات اتصل السيسي برئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي وشدّد له “على أهمية عقد الانتخابات الوطنية في موعدها المحدد في الرابع والعشرين من ديسمبر من العام الجاري، بناء على القوانين التي أقرها البرلمان الليبي، وذلك كخطوة هامة وفارقة للانتقال بليبيا إلى واقع جديد ونظام سياسي مستدام يستند إلى إرادة الشعب الليبي باختياره الحر”، وفق بيان صادر عن الرئاسة المصرية.
لكن المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي الليبي حاول في بيانه الصادر عقب الاتصال تجاهل موضوع الانتخابات، واكتفى بالقول إن اتصالا هاتفيا بين السيسي والمنفي جرى لبحث آخر المستجدات السياسية، وتناول الاتصال تبادل وجهات النظر حول مؤتمر باريس، وأن المنفي ثمّن “الجهود المصرية في استضافة اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) مع ممثلي دول الجوار في القاهرة، وأشاد الرئيس السيسي بدور المجلس الرئاسي في تثبيت وقف إطلاق النار، وجهوده في المصالحة الوطنية، والعمل على توحيد مؤسسات الدولة”.
وبالتزامن مع ذلك، دارت محادثة طويلة بين المنفي والدبيبة حول الاستعداد لمؤتمر باريس الذي سينعقد الجمعة، وقال المجلس الرئاسي إنه تمت خلال اللقاء مناقشة الاستعداد للمشاركة في مؤتمر باريس الذي يعقد بمشاركة عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات، والمنظمات الدولية، فيما أكدت مصادر مطلعة أن أزمة طاحنة قد اندلعت حول تمثيل ليبيا في المؤتمر، رغم أن قصر الإليزيه وجه دعوات إلى المنفي والدبيبة ونجلاء المنقوش، وقالت إن الدبيبة يحاول الانفراد بتمثيل بلاده على أن يكون مصحوبا بوزيرة الخارجية المنقوش.
وقام مسؤولون إيطاليون بإجراء اتصالات مع عواصم عدة بهدف إقناعها بالموافقة على مقترحها بفسح المجال أمام الدبيبة للترشح للرئاسيات، فيما بينت أوساط دبلوماسية أن روما تبرر موقفها بأن ذلك سيوفر ظروفا أفضل سواء لتنظيم الانتخابات في موعدها أو للاعتراف بنتائجها من قبل الجميع.
المؤتمر يأتي بعد أربعة أيام من إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن فتح الباب لقبول ملفات الترشح للاستحقاقين الرئاسي والبرلماني، وفي ظل استمرار الخلافات حول القوانين الصادرة عن مجلس النواب والمعتمدة لتنظيم السباق الانتخابي
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قالت إن تنظيم الانتخابات ضروري لإخراج البلاد من الأزمة السياسية والأمنية التي تمر بها منذ سنوات.
وأكدت الوزارة، في بيان لها، أن “إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية أمر ضروري للاستقرار والمصالحة السياسية في ليبيا، وهو يتوافق مع إرادة الشعب الليبي التي عبَّر عنها ملتقى الحوار السياسي وأيّدها مجلس الأمن الدولي”.
ووفق مصادر مطلعة، فإن مستشار الرئيس الفرنسي ماكرون لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط باتريك دوريل أدى خلال الأيام الماضية زيارة غير معلنة إلى طرابلس وبنغازي للإعداد للمؤتمر، ولجسّ نبض الفرقاء الليبيين، وذلك بالتزامن مع بوادر حملة تتجه بعض الأطراف الليبية وعلى رأسها جماعة الإخوان لإطلاقها بهدف التشكيك في أهداف المؤتمر والدور الفرنسي.
وأكد السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند دعم بلاده للغالبية العظمى من الليبيين الذين يريدون المشاركة في انتخابات سلمية، ولهم رأي في مستقبل ليبيا موحدة ومستقرة دون تدخل أجنبي.
وبيّنت السفارة الأميركية لدى ليبيا في تغريدة لها أن السفير الأميركي وصل إلى باريس الثلاثاء، ضمن وفد نائبة الرئيس كاميلا هاريس قائلا “نحن ندعم الغالبية العظمى من الليبيين الذين يريدون المشاركة في انتخابات سلمية في الرابع والعشرين من ديسمبر، ولهم رأي في مستقبل ليبيا موحدة ومستقرة دون تدخل أجنبي”.
ويرى المراقبون أن حضور هاريس سيكون مهمّا باعتبارها تمثل أعلى مستويات الحضور الأميركي في الاجتماعات المتصلة بالأزمة الليبية خلال السنوات الماضية، وهو ما يشير إلى رغبة في حسم الملفات المهمة، وخاصة ملفا الانتخابات والمقاتلين الأجانب.
كما أعلن المتحدث باسم الحكومة الفدرالية في ألمانيا شتيفان زايبرت أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سوف تتوجه إلى باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي ماكرون.
وقال إن المؤتمر سيركز على دعم ليبيا في طريقها إلى الاستقرار على المدى الطويل، وكذلك الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة وانسحاب القوات العسكرية الأجنبية.
وجدد سفير الاتحاد الأوروبي خوسيه ساباديل والسفير الألماني ميخائيل أونماخت لرئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الليبية عماد السايح دعم الاتحاد الأوروبي للجهود التي تبذلها مفوضية الانتخابات وصولا لإنجاز الانتخابات في ليبيا، مشيدا بالجهود التي بذلتها المفوضية في مراحل العملية الانتخابية التي تم إنجازها، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للمفوضية العليا للانتخابات.
وسيشهد المؤتمر حضور الرئيس المصري السيسي ورئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن ورئيس النيجر محمد أبوزوم ورئيس المجلس العسكري التشادي محمد ديبي ورئيس الكونغو دينيس ساسو نغيسو المسؤول في الاتّحاد الأفريقي عن الملفّ الليبي، وعدد آخر من الزعماء والقادة، فيما لم يتبين الموقف الجزائري من المشاركة بعد.