ضغط الآباء يساهم في إرباك أبنائهم أثناء الامتحانات

الرغبة الجامحة في النجاح باتت تشكل عبئا على أداء الممتحنين.
الجمعة 2022/06/03
الوالدان ينقلان لأبنائهما ما يعرف بحالة قلق الامتحان

يؤكد خبراء علم النفس أن الحرص المبالغ فيه من الآباء على نتائج أبنائهم الدراسية وضغطهم عليهم أثناء فترة الامتحانات من شأنهما أن يولدا نتائج عكسية فيصابون بالتوتر ويفقدون التركيز ما يؤدي إلى إخفاقهم. وينصح الخبراء الآباء بضرورة اتخاذ مسافة من أبنائهم لتفادي المشاكل وتجنب التوترات.

الجزائر – يتفرغ الكثير من الأولياء في حملة مساعدة أبنائهم في دروسهم مع اقتراب موعد الامتحانات، خاصة تلك المتعلقة بالمرور إلى المراحل التعليمية الموالية كالثانويات والجامعات، لكن العملية لا تسير في بعض الأحيان وفق ما يتمناه هؤلاء، وتؤثر سلبا على أداء وتحصيل المعنيين، بسبب افتقادهم للأدوات البيداغوجية والتكوين، حيث يلجأ بعضهم إلى الضغط على أبنائهم على أمل تحصيل نتائج مرضية لكنها تأتي معاكسة لأمنياتهم.

ولا يستبعد مختصون في شؤون التربية، أن يكون ضغط الأولياء خلال عمليات المساعدة أحد أسباب الإخفاق في نهاية المطاف، وذلك أن بعض الأولياء ممن يستعد أبناؤهم لاجتياز الامتحانات يعيشون مرحلة الامتحان بالتبني ويحاولون إما إنتاج صورة مطابقة لهم إذا كانوا ممن نجحوا في الامتحانات، وإما رسم صورة للممتحن المثالي الذي حلموا به.

وبين هذا وذاك، يكون الأبناء تحت ضغط وتوتر نفسي نتيجة تخوف الأولياء الذين في غالب الأحيان وبدافع الحرص يسببون عن غير قصد توترا وضغطا نفسيا يؤثر سلبا على نجاح الأولاد ويدخلهم في حالة نفسية تعرف علميا بحالة قلق الامتحان، لأن الامتحان بالنسبة إلى الطالب سيرتبط بمسؤولية إرضاء الجميع والخوف من أن يكون سببا في خيبة الأولياء.

الإبقاء على مسافة معينة بين الوالدين والتلميذ الممتحن مسألة ضرورية لتفادي المشاكل والتوترات والخلافات السلبية

ويعتبر هؤلاء المختصين أن “الابن هو الذي يمتحن وليس الأم أو الأب، ولذلك يتوجب الإبقاء على مسافة معينة دون محاولة فرض أسلوب معين في المراجعة أو اختيار أوقاتها أو محاولة استنساخ تجربة معينة إلا من باب النصيحة، والممتحن هو المطالب بالأخذ بزمام الأمور، وأن يشعر بذلك، وأحسن خدمة يمكن تقديمها هي الاستمرار في حياة عادية وعدم ترسيخ التخوفات لديه، أو نقل هواجس الأولياء إلى الطالب، ولا يتطلب حرمانه أو منعه من المراجعة في أجواء مختلفة بدافع الخوف، ففي التغيير متنفس من ناحية، كما أنه محفز من ناحية أخرى“.

وباتت الامتحانات مصدر قلق حقيقي بالنسبة إلى الأولياء، حيث يبالغ بعضهم من الخشية في الإخفاق، ولذلك يبذلون جهودهم وأوقاتهم من أجل تقديم ما يعتقدون أنه إضافة لأبنائهم بغية مواجهة أسئلة الامتحانات، ولذلك يؤدون دورا في الضغط وزيادة التوتر دون قصد، بسبب امتلاكهم للمعلومة دون آلية توصيلها أو ترسيخها، كما هو الشأن بالنسبة إلى الأستاذ المتخصص.

وعليه يصر مختصون في القطاع، على أنه في هذه المرحلة، الطفل أو المراهق بأمس الحاجة إلى كلمات المودة والثقة وهذا بتصرفات بسيطة وعفوية، كالحرص على أن يتغذى جيدا وينام بما يكفي، ومساعدته على إزالة أشكال الضغوط والخوف والقلق، وهو ما سيرفع من قابلية الاستيعاب لديه بشكل كبير.

ويرى محمد وهاب، مدير مدرسة متوسطة، أنه في مثل هذه الأوقات يتوجب عدم التحدث عن الفشل، فبعض العبارات مثل “إذا واصلت هكذا فستندم”، أو “لا أرى أن  النجاح سيكون حليفك”.. وغيرها، من العبارات المحبطة التي لن تزيد الممتحن إلا إغراقا، فمهما كانت الصعوبات التي يواجهها الطفل، هو محتاج إلى بعض من الثقة حتى لو قال له والداه إفعل ما بوسعك وستكون دعواتنا والحظ معك يوم الامتحان، حتى وإن كان هو نفسه صاحب العبارات المحبطة فيجب التزام الهدوء وبعض الثقة، لأنه في غالب الأحيان تكون كلماته هذه إشارات لبحثه عن  المساندة.

ويضيف أن “المهارة وروح المسؤولية يكمنان في إبقاء الهمة مرتفعة والثقة في النفس وإرادة النجاح، وهو ما سيضاعف المردودية عند الطالب ويجعله أكثر ثباتا، كما أنه سيواجه الأسئلة براحة نفسية تمكنه من التركيز واستعمال كل مخزونه العلمي عكس طالب لديه كل المعلومات، لكن الخوف والقلق يضعفان  تركيزه، لأنه كان تحت ضغط الفشل واهتزاز الثقة“.

وشدد المتحدث، على أن القلق والارتباك معديان، مشيرا إلى أنه يتعين على الوالدين التحكم في قلقهما وتوترهما، لأنه ينتقل عبر الكلمات والتصرفات والنظرات، فالظهور في حالة تماسك والعمل على التحكم في كل التصرفات، والإيمان والحكمة سبيلان لغرس الطمأنينة في الممتحن، كما أن الإبقاء على مسافة معينة بين الولي والممتحن ضرورية لتفادي كل هذه المسائل، خصوصا التوترات والخلافات السلبية.

◙ ضغط الأولياء خلال عمليات المساعدة أحد أسباب الإخفاق
◙ ضغط الأولياء خلال عمليات المساعدة أحد أسباب الإخفاق

ونصح محمد وهاب، في يوم دراسي انتظم حول التحضير للامتحانات، بأنه على الآباء إذا لاحظوا درجات عالية من التوتر والارتباك الزائد لدى الطالب الممتحن استشارة المختصين في الشأن كالمستشار التربوي أو الطبيب النفسي، أو إجراء الدورات التدريبية في التنمية النفسية، فإن لها نتائج طيبة تعزز الثقة بالنفس وتحفز الطالب.

وشدد على أنه إذا كان الهدف هو النجاح وبناء إنسان ناجح، فإن تأخر النجاح بسنة لا يجب أن يمثل مشكلة، بمعنى أنه يمكن للوالدين وللطالب التخطيط للنجاح على سنتين بدل سنة واحدة، أي ببذل ما يستطيع من مجهود للنجاح، لكن إذا لم يكلل العمل بالتوفيق لسبب ما، فإن الحياة وطريق النجاح لن يتوقفان هنا، وغالبا ما تكون فلسفة الامتحانات هذه أداة للتخلص من التوتر وتمكين الطالب من النجاح من المرة الأولى.

ويذكر شهود عيان أن مربين ومعلمين ومشرفين تربويين، وجدوا أنفسهم أمام حالات من الهستيريا والبكاء والخوف، وذلك في العديد من المدارس بمختلف المدن والمحافظات وصلت إلى حد الإغماء والتبول.

وبرر أحد الممتحنين، صراخه وبكاءه إلى حد الهستيريا بخوفه من أمه التي هددته بأن تبيته في الشارع إن لم يحصل على علامة جيدة، وأن أمه كانت في فترة المراجعة تحمل عصا  لضربه، الأمر الذي يعكس حجم الضغوط وتأثيراتها على أداء الأبناء خلال الامتحانات.

17