صيف الحرائق

ثورة 2011 صنعت مناخا معاديا للدولة وفتحت الطريق لفوضى انتشرت في كل اتجاه تحرق كل شيء تمّ بناؤه منذ 1956.
الأحد 2022/06/12
جسم الدولة يحتاج إلى جرّاح ماهر لم يأت بعد

في فصل الصيف يحتمي الناس بأجهزة التبريد لمواجهة الحر، ومن لا يمتلك هذه الأجهزة خاصة في المناطق الفقيرة، فإنه يبحث عن الظلّ والأماكن الباردة. لكن المفارقة في تونس أن هناك أناسا يعملون عكس ذلك تمام بإشعال الحرائق في الغابات وحقول القمح.

الأمر يتكرر كل صيف وبشكل منظم ومتعمّد. لماذا تحترق الحقول والجبال دون غيرها لو أن الأمر تعلق بالحرائق التلقائية التي تتمّ بسبب الحرارة الشديدة.

أولا تونس تظل حرارتها عادية قياسا بالحرارة التي تشهد دول أخرى.

ثانيا أن تركيز الحرائق على المناطق الزراعية الكبرى كل سنة يظهر وجود نية مسبقة على تكرار الأمر خاصة أن الجهات القضائية لم تتوصّل إلى تفكيك الشبكات التي تقف وراء تلك الحرائق ما سمح لها بالاستمرار في لعبتها، والاستفادة من فكرة الفاعل المجهول الذي تردده السلطات ووسائل الإعلام المحلية.

لا شيء يفسر هذه المغامرة المجنونة سوى أن التمادي في تنفيذ الجريمة هو تحدّ للدولة

في قمة أزمة الغذاء، وحاجة العالم إلى القمح، تشتعل الحرائق هنا وهناك في حقول القمح. لا شيء يفسر هذه المغامرة المجنونة سوى أن التمادي في تنفيذ الجريمة هو تحدّ للدولة، هذه الدولة التي صارت في السنوات العشر الماضية ضعيفة وغارقة في أزمات صغيرة مبعثرة هنا وهناك، بعد أن تكاثرت عليها الأزمات.

هناك رواية كانت في السنوات الماضية تقول إن حرائق القمح في تونس تهدف إلى فتح الباب أمام لوبي مورّدي القمح من الخارج ليورّدوا كميات كبيرة ويحصلوا على عمولاتهم المنتفخة. وتجد هذه الرواية بعض المصداقية مع إتلاف كميات من المحاصيل في سنوات ماضية.

لكن هذه السنة سيكون التوريد محدودا إن لم يتوقف دفعة واحدة في ظل استمرار الحرب وصراع الكبار على الحصول على القمح قبل غيرهم من صغار أفريقيا وضعفائها ودولها التي لا تقدر على الدفع بالحاضر.

تبدو رواية الحرائق لأجل التوريد متهافتة، لكن الثابت أن هناك مشكلا حقيقيا لا يقف عند حدود إتلاف القمح أو حرق الجبال التي تعيش منها الآلاف من العائلات التي تسكن في محيطها. هناك نزعة لتحدي الدولة والاستهانة بها، وتبدو في التفاصيل الصغيرة كما في القضايا الكبرى.

صنعت ثورة 2011 مناخا معاديا للدولة، وفتحت الطريق لفوضى الإضرابات والاعتصامات، لكن هذه الفوضى المناهضة للدولة لم تبق عند هذا المستوى المنظور بل انتشرت في كل اتجاه تحرق كل شيء تمّ بناؤه منذ 1956 تاريخ استقلال البلاد..

حرائق القمح وحرائق الجبال إشارات ظاهرة عن حرائق أكبر تسري في جسم الدولة مثل الأمراض الخطيرة التي تحتاج إلى جرّاح ماهر يبدو أنه لم يأت بعد.

20