صور "الزمن الجميل"

صور "الزمن الجميل" هي حسرات في "الزمن الرديء". طرافة الصور لا تلغي التحسر على زمانها.
الأربعاء 2022/09/21
"بيغ بين عدن" بين الماضي والحاضر

ثمة نوستالجيا طريفة تسود عالم تداول الصور على تطبيق واتساب. أمام وضع بصري واجتماعي وحضري متراجع، يسترجع متابعون صورا لماض قريب. الصور التي تستعيد مشاهد وأشخاصا من أربعينات أو خمسينات أو ستينات أو حتى سبعينات القرن الماضي، توضع جنبا إلى جنب مع مكافئاتها الحالية. كلما تراجعت حالة المجتمعات في بلد عربي زاد التمايز بين ما كان وما صرنا إليه.

البعض يتداول الصور بحسرة. المتقدمون في العمر يذكرون تلك الأيام. الشباب يتحسرون لأنهم لم يعيشوها.

الأمثلة كثيرة، بل أكثر من أن تذكر. لا شك أن الصور الفوتوغرافية تصور حالة معينة في وقت محدد، على عكس أشرطة التصوير السينمائية أو لقطات كاميرات الفيديو في مراحلها الأولى. أضف إلى ذلك أن الكثير من الصور القديمة تأتي بالأسود والأبيض فتزيد من جرعة النوستالجيا واستعادة الإحساس بـ”الزمن الجميل”، لكنها أيضا تخفي الكثير من التفاصيل التي كان يمكن أن نراها لو كانت الصور ملونة.

العراقيون مثلا أمعنوا في توزيع صورتين لمضيفات الخطوط الجوية العراقية بين زمنين: في السبعينات واليوم؛ رشاقة وأناقة مضيفات الأمس القريب، وسمنة وبدائية أزياء الزمن الحالي. شوارع بغداد وأرصفتها وحدائقها قبل عقود، وحالها اليوم حيث الفوضى مطنبة. السياسيون، والسياسيات خصوصا، لم يفتهم ذلك؛ فتجد صورا لناشطات عراقيات في الخمسينات يتمردن على العباءة، في حين تتدثّر النائبات العراقيات من هذا الزمن بالسواد وقماش الكفن وتاتو الحواجب وتنفيخ الأوداج.

وفاة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية كانت فرصة للبنانيين لتداول صورها مع الرئيس الراحل كميل شمعون، أو حتى الرئيس السابق ميشال سليمان. يقارنونها مع صور لنوعية من يلتقيهم الرئيس الحالي ميشال عون. صور ساحات بيروت أيام عزها في الستينات وجبة يومية لدى اللبنانيين. اليوم اللبنانيون يذكرون أنفسهم بأنهم عاجزون حتى عن الاستفادة مما تعمر من وسط بيروت في حي سوليدير الذي حوصر سياسيا ومات تجاريا.

أهل القاهرة يتداولون صور مسارحها وشوارعها وناسها في الخمسينات والستينات. يضعون صورة باص أو عربة قطار من ذلك الزمن، وصورها اليوم. من أين جاء كل هؤلاء الناس خلال 50 سنة فقط ليجعلوا الجلوس على سطح عربة القطار شيئا عاديا بسبب الاكتظاظ؟ لماذا كان الناس يرتدون “بدلا” وأربطة عنق، ولا تعرف ماذا يرتدون اليوم، ملابس “سبور”؟

خذ صورة يتداولها اليمنيون على حساباتهم بكثافة؛ إنها صورة ساعة عدن. أعتقد أنهم يسمونها بيغ بين عدن. كانت معلما جميلا هي وتلتها من تركة الاستعمار إلى حد التسعينات، في حين تختنق التلة الآن بأبنية عشوائية. لا يستطيع اليمني من أهل الجنوب أن يفسر كيف اختفت أحجار الأرصفة ولم يبق سوى التراب والغبار والأوساخ.

كثيرون من مواطني البلاد المنكوبة بالإهمال أو الحروب يتداولون أمثلة مختلفة. هذه صور لدبي أو أبوظبي قبل نصف قرن، وانظروا إليها الآن. كأنهم يقولون: في الوقت الذي كنا فيه نخرب ما تركته الأنظمة الملكية أو الاستعمار، كان الخليجيون يعمرون بلادهم.

صور “الزمن الجميل” هي حسرات في “الزمن الرديء”. طرافة الصور لا تلغي التحسر على زمانها.

Thumbnail
Thumbnail
20