صورة المرأة في السينما العربية.. نسخة من الواقع

المخرجة السينمائية في الدول العربية لا تزال تشكو تعثر مشاريع أفلامها بسبب تعنّت شركات الإنتاج كما تظل الممثلات أقل حظا من الرجال في نيل فرص البطولة.
الخميس 2020/03/05
المرأة في السينما المغربية تلغي هيمنة الرجال (فيلم "صوفيا" لمريم بنمبارك)

لم تسهم مهرجانات السينما العربية التي حملت عنوان «أفلام المرأة» في تمتّع النساء بأدوار أكبر في صناعة السينما. هذه الأدوار الكبرى تفوق بالطبع ما تتيحه للمرأة مواهبها في التمثيل والإخراج، وتتعدى ذلك إلى القدرة على تغيير خارطة الإنتاج، باتخاذ ما يشبه صناعة القرار السياسي في مستويات إدارة الدول.

ولا تزال المخرجة في الكثير من الدول العربية تشكو تعثر مشاريع أفلامها؛ بسبب تعنّت شركات الإنتاج، كما تظل الممثلات أقل حظا من الرجال في نيل فرص البطولة؛ لتردد المنتجين وخوفهم من المغامرة بأموالهم، لأن رأس المال جبان يرفض أن تكون النساء في هذا المجال شقائق الرجال. باختصار يمكن القول إن صورة المرأة في الأفلام العربية تكاد تطابق أدوارها الواقعية في بلادها.

كتاب «صورة المرأة في السينما العربية.. حصاد 2019»، الصادر بالعربية والمصحوب بترجمة إنجليزية عن مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في دورته الرابعة (10 ـ 15 فبراير 2020)، يؤكد تراجع مكان ومكانة النساء في صناعة السينما في معظم الدول العربية. ويثبت الكتاب أن السينما لا تختلف كثيرا عن الثورة، يغامر بها الشجعان، ثم يستفيد بثمارها الجبناء، بعد اطمئنانهم إلى فائدة السينما كمشروع استثماري. ومسيرة السينما المصرية دليل على هذه المعادلة الظالمة، ففي عام 1927 خاضت المرأة المصرية مجال السينما، في التمثيل والإخراج والتأليف والإنتاج، مع فيلم «ليلى» لعزيزة أمير التي قدمت أيضا عام 1929 فيلم «بنت النيل». وكانت فاطمة رشدي مؤلفة وبطلة ومخرجة فيلم «الزواج» عام 1932. ومع تأسيس ستوديو مصر عام 1935، كذراع فنية لمؤسسة اقتصادية كبرى، هيمن الرجال على إنتاج السينما المصرية إلى اليوم.

في عام 2019 كان عدد المخرجات في المغرب 39 مقابل 55 مخرجا، وهناك 28 مديرة إنتاج مقابل 67 مدير إنتاج

شارك نقاد وناقدات في هذا الكتاب البانورامي، الذي يغطي أحوال السينما عام 2019 في معظم الأقطار العربية، ونظرا لتشابه المشكلات والعقبات الإنتاجية سأكتفي بمثالين من أقصى شرقي العالم العربي إلى أقصى الغرب، وعبر هذين القوسين يمكن قراءة ملامح مختلفة في إنتاج فن عابر للثقافات والحدود.

كتب الناقد الكويتي عبدالستار ناجي أن السينما الكويتية تحظى بدعم رسمي، مباشر وغير مباشر، وأنتجت ستة أفلام روائية طويلة، و18 فيلما روائيا قصيرا، و12 فيلما وثائقيا، ولكن حضور المرأة في الأفلام الروائية اقتصر على التمثيل. وقد دعمت الشيخة انتصار سالم العلي الصباح إنتاج أربعة أفلام، وأنتجت الفيلم الروائي الطويل «سرب الحمام» الذي يتناول جانبا من المقاومة الكويتية أثناء تحرير الكويت عام 1991. في الفيلم شخصية نسائية واحدة هي فاطمة، ولكن الفيلم «ضل الطريق إلى إثراء تلك الشخصية… وظلت شخصية المرأة بعيدة عن ذلك الصراع دونما تعمق أو دور يمكن أن يؤسس لقيمة ودور ونضال ومشاركة كبرى ترسخ حضور المرأة في تلك الفترة، وذلك الأمر المصيري الأهم في تاريخ الكويت الحديثة».

لم يقل الكاتب إن تلك اللحظة التاريخية كانت فرصة ذهبية لتقديم وجوه من مقاومة وطنية تتحقق فيها الندية والمساواة بين الرجال والنساء، بحكم الظرف الاستثنائي، ولكن قصور الخيال أضاع تلك اللحظة، ربما بحكم ميراث من التهميش والإقصاء للنساء عن حضور فاعل في ما يراه الرجال من اختصاصهم.

يخلص الناقد إلى أن الإنتاج السينمائي الكويتي ينظر إلى الأفلام كمشروع تجاري، ويفضل المعالجات الكوميدية الخفيفة، ويتجنب قضايا المرأة في المجتمع الكويتي، «مما يشكل هوة واسعة بين السينما وقضايا المجتمع بشكل عام… الحضور يظل يعتمد على دائرة مكررة ومستعادة وهامشية بعيدا عن مكانة المرأة ودورها الحقيقي في المجتمع الكويتي».

الكتاب بانوراما شارك فيها نقاد وناقدات يرصدون أحوال السينما سنة 2019 في الأقطار العربية نظرا لتشابه المشكلات
الكتاب بانوراما شارك فيها نقاد وناقدات يرصدون أحوال السينما سنة 2019 في الأقطار العربية نظرا لتشابه المشكلات

سهولة الحصول على تمويل أو دعم للإنتاج، ووفرة عدد الشاشات التي تملك الكويت منها 71 دارا للعرض، ليستا شرطا لضمان الجودة الكيفية، وانخراط النساء في المهن السينمائية، فالرهان قبل التمويل وفرص عرض الأفلام جماهيريا يكون على الوعي، استنادا إلى تراث فني وفكري حاكم لصناعة السينما، كما هو الحال في المغرب الذي تقلص فيه عدد القاعات السينمائية «بشكل مهول في السنوات الأخيرة» إلى أقل بكثير من عدد دور العرض في الكويت، ورغم ذلك فإن الناقد المغربي محمد اشويكة يؤكد «الحضور القوي للمرأة المغربية في شتى مجالات القطاع السينمائي، وخاصة الإنتاج والإخراج»، إضافة إلى مهن ذات طابع جمالي ومنها هندسة الديكور وتصميم الملابس والمكياج.

أنتج المغرب عام 2019 نحو 25 فيلما روائيا طويلا و60 فيلما قصيرا. ويرصد اشويكة الدور الأكثر بروزا للمرأة في السينما المغربية، في كتابة السيناريو والتمثيل والمونتاج والإخراج. ففي الإخراج حققت أربع نساء حضورا بارزا في مهرجانات كبرى بأفلام روائية طويلة هي: «أنديكو» لسلمى بركاش، و«نبض الأبطال» لهند بن صاري، و«صوفيا» لمريم بنمبارك، و«آدم» لمريم التوزاني.

أما حضور المغربيات في التمثيل فيزداد قوة، وفي كل الأفلام أدوار حيوية للنساء، بل إن «هناك بطولات مطلقة للمرأة الممثلة» في أفلام أخرجها الرجال. ولا تختلف صورة المرأة المغربية في الأفلام عن حقيقتها في المجتمع، ولا يخلو الأمر من نموذج لامرأة «تقاوم نفوذ الرجل الذي لا يراها إلا متعة من متاع الدنيا»، مثل فيلم «هلا مدريد.. فيسكا بارصا» لعبدالإله الجوهري. وهناك أيضا المرأة «المنتصرة لنبل الصداقة والتعايش رغم الاختلاف الديني»، كما في فيلم «الميمات الثلاث.. قصة ناقصة» لسعد شرايبي.

في عام 2019 كان عدد المخرجات في المغرب 39 مقابل 55 مخرجا، وهناك 28 مديرة إنتاج مقابل 67 مدير إنتاج. وتترأس الإعلامية فاطمة الوكيلي لجنة دعم إنتاج الأفلام التي تضم في عضويتها سبع نساء مقابل أربعة رجال، وتضم لجنة دعم المهرجانات والأنشطة السينمائية أربع نساء وخمسة رجال. وكان الحصاد على مستوى الطموح، بأن «فرضت المرأة المغربية نفسها وطنيا وإقليميا وعالميا»، وأسهمت في انتعاشة مهمة في الإخراج حول العالم في عام 2019، وبلغت أفلام النساء حسب وكالة بلومبرغ 11 في المئة ضمن أهم 100 فيلم في عام 2019.

بهذه المفارقة يسهل الرهان على صحوة مغربية في عالم السينما، نور يشرق من أقصى غربي العالم العربي.

14