صنع في الصين

تمكنت الصين من إنزال مركبة فضائية على الجانب المظلم من القمر. هذا إنجاز تقني كبير بكل المعايير، وفيه الكثير من التحديات أقلها أن إرسال الإشارة من الجانب المظلم من القمر إلى الأرض لن يكون مباشرا ويحتاج إلى قمر صناعي في موقع مناسب ليقوم بإعادة إرسال الإشارة إلى المحطة الأرضية. وباستخدام اللغة التي صاحبت ملامسة رائد الفضاء الأميركي نيل أرميسترونغ لسطح القمر ومفردات الزعيم الصيني الراحل ماو، فإن هذا الإنجاز قفزة كبيرة للأمام.
عربة الفضاء التي كانت تدار بمحركين، واحد أميركي والآخر روسي، وجدت منافسا ثالثا لها. صحيح أن الصين أرسلت رائد فضاء في مدار حول الأرض عام 2003، لكن إرسال إنسان إلى منطقة في مدار الأرض شيء والتمكن من إرسال مركبة تحط على القمر شيء آخر. التمكن من تقنية السفر عبر الفضاء يمثل ذروة الإلمام بالعلوم بمختلف أوجهها.
لكن ينبغي أيضا أن نتذكر الفارق الزمني بين هبوط الإنسان على القمر وهبوط المركبة الصينية. مر حوالي 50 عاما بين الحدثين. انزعجت الولايات المتحدة من النجاحات الفضائية السوفييتية في السباق الكوني بينهما، عندما دار قمر سبوتنيك حول الأرض يصيح “بيب. بيب” عام 1957، ثم رحلة الكلبة لايكا (لم تعد إلى الأرض) في العام نفسه، وأخيرا إرسال الرائد يوري غاغارين إلى مدار حول الأرض في المركبة فوستوك وعودته سالما عام 1961. وعدت الولايات المتحدة شعبها بأن تضع رجلا على القمر قبل نهاية الستينات، وفعلت في صيف 1969.
خمسون سنة ليست بالوقت البسيط. عندما تزور متحف الطيران والفضاء في واشنطن وتلقي نظرة على كبسولة أبولو التي أعادت الرواد الأميركان الثلاثة إلى الأرض، تعرف كم من الجهد العلمي والتقني والإرادة الإنسانية استلزم هذا الإنجاز. هذا في عصر كانت الكمبيوترات فيه تحبو والوفرة العلمية في البحوث لا تقارن بما هي عليه الآن.
لعل إدراك هذه الحقائق يوضح الفارق في القدرات العلمية والتقنية بين الغرب (وروسيا أيضا) والصين اليوم. استلزم الأمر خمسة عقود لكي تصل الصين إلى ما تمكن الأميركان والروس من تحقيقه في الستينات ومطلع السبعينات، بل ولا يزال أقل نسبيا لأن المركبة الصينية أولا غير مأهولة، وثانيا لن تعود إلى الأرض.
لعل هذا ما يوضح الفرق بين الولايات المتحدة (ومرة أخرى روسيا) والصين. الصين تستطيع أن تنسخ التقنيات المتاحة وأن تحسنها وأن تنتجها بوفرة يعجز الغرب عن مجاراتها. لكنّ مشروعا فضائيا يجب دائما أن يبدأ من الصفر لأن كل تفاصيله الأميركية أو الروسية هي أسرار تبقى طي الكتمان. هنا من الصعب على بكين أن تنسخ سيارة أو هاتفا أو قطعة ملابس ثم تضع عليها “صنع في الصين”. “ميد إن تشاينا” هذه المرة احتاجت إلى 50 سنة.