صناعة الأحذية يدويا في الأردن تقاوم من أجل البقاء

إغراق السوق بالسلع المستوردة رخيصة الثمن يرهق المصانع ويتسبب بتسريح العمال.
الثلاثاء 2021/11/23
العين بصيرة واليد قصيرة

يواجه المئات من أصحاب المهن اليدوية في الأردن ومن بينهم صانعو الأحذية شبح التوقف عن النشاط تماما بعد أن ألحقت بهم الجائحة ضررا بالغا، ولم تقدر حتى الحكومة على مساعدتهم للنهوض مجددا، ما وجّه ضربة شديدة للكثير منهم كونها مصدر رزقهم الوحيد لإعالة أسرهم.

عمّان - يجد الكثير من الحرفيين وأصحاب المشاريع الصغيرة في الأردن أنفسهم في ورطة بعدما توقفت أعمالهم أو باتت على وشك التوقف بسبب الجائحة، مما دفع الكثيرين منهم إلى ترجيح دخولهم في أزمة عميقة بسبب تراكم الديون أو قد تضطرهم الأوضاع المالية إلى غلق أبواب محلاتهم بعد تقلص أعداد الزبائن.

وتعاني الكثير من الحرف التقليدية بالبلاد من غزو البضاعة المستوردة، حيث اندثر العديد منها بحجة عدم مواكبة الموضة إضافة إلى تكاليفها الباهظة، بينما بقيت أخرى تكافح من أجل البقاء رغم كل التحديات التي تمر بها نظرا لأنها تعد مصدر الزرق الأول لأغلب من يعمل فيها.

ولا يبدو صانعو الأحذية يدويا في أحسن حال بعد أن تراجعت أعمالهم بشكل واضح خلال السنوات الماضية، وباتوا معها في حيرة بشأن كيفية مواجهة مصاعب الحياة في ظل إغراق السوق المحلية بالسلع المستوردة رخيصة الثمن.

وتعتبر صناعة الأحذية من أهم الحرف التي تمر بأزمة غير مسبوقة في الأردن، حيث تصارع المنتوجات المستوردة التي تتنوع بين مواكبتها لأذواق الشباب أو رخص ثمنها خاصة تلك القادمة من الصين.

جميل قبطي: بدأت مهنتنا بالتراجع أمام سيل الأحذية الرخيصة المستوردة

ويخشى جميل قبطي الذي كان يطلق عليه لقب “ملك الأحذية” والبالغ من العمر 90 عاما من أن تقضي الأحذية المستوردة على حرفته بعد عقود من تصميم الأحذية لملوك وأميرات ووزراء ونواب وأعيان وتصنيعها يدويا.

ويقول القبطي الذي يعد أقدم صانع أحذية بالبلاد والذي بدأ بمزاولة الحرفة عام 1949 عندما كان في الثامنة عشرة من العمر “بدأنا نفقد زبائننا الواحد تلو الآخر ونخسرهم، حتى وصل بنا الحال إلى إغلاق ثلاثة محال لعرض وبيع الأحذية التي نصنعها”.

ويضيف لوكالة الصحافة الفرنسية وهو جالس في ورشته بمنطقة الجوفة الشعبية وسط العاصمة عمّان يراقب بنظرات حزينة خمسة عمال هم آخر من تبقى من مؤسسته التي كانت مزدهرة يوما ما مع نحو 42 عاملا، “في السنوات الخمس الأخيرة، بدأت مهنتنا بالتراجع أمام سيل الأحذية الرخيصة المستوردة التي أغرقت الأسواق”.

ولم يتبق من زبائن القبطي الذي كان يصنع في اليوم الواحد 200 زوج حذاء، اليوم إلا عشرة فقط، ما دفعه إلى الاتجاه نحو تصنيع الأحذية الطبية وأحذية الأطفال.

وفي السابق، كان يستورد الجلود من فرنسا وإيطاليا وألمانيا إلى محله، الذي يضم على رفوف المئات من قوالب الأحذية التي غطاها التراب.

ويقول القبطي “بقينا متمسّكين بتقاليدنا وبشغفنا وعزمنا على مواصلة هذا العمل الذي لا يوفّر دخلا كافيا” مع ارتفاع الإيجارات وكلفة الحياة الغالية. لكن المتجر صامد بفضل زبائنه الأوفياء. ويضيف “عندي زبون يأتيني منذ خمسين عاما، فكيف لي أن أترك هذه الحرفة؟”.

ويؤكد أنه صنع أحذية أيضا للملك عبدالله الثاني ولمعظم الأمراء والأميرات في الأردن ورؤساء الوزراء والوزراء والنواب والأعيان والقادة العسكريين، مضيفا “كانت لدينا سمعة كبيرة بالبلد والكل كان يرغب ببساطة في امتلاك حذاء مفصّل يدويا”.

وشهدت محلات صنع الأحذية يدويا في عمان “عصرها الذهبي” في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، على ما يستذكر رئيس جمعية مصنعي الأحذية نصر الذيابات.

غير أن الأردن انفتح على الواردات، وسرعان ما طغت الأحذية المستوردة الصناعية على تلك اليدوية.

ويؤكد الذيابات لوكالة الصحافة الفرنسية أنه يأسف لأن “الكل تخلى عن العاملين في هذا القطاع من حكومة ومسؤولين حتى شارفت هذه الصناعة على الاندثار”.

ويضيف “لم يحصلوا على أي دعم، بل على العكس، حصلت سياسة إغراق وطوفان بالأسواق المحلية بالأحذية الصينية”.

وتشير تقديرات نقابة تجار الألبسة والأحذية والأقمشة إلى أن الأردن كان يستورد سنويا قبل الجائحة، أحذية من الخارج بحوالي 44 مليون دينار (62 مليون دولار).

100 مشغل أحذية صمد من بين 250 مصنعا كانت تشغل 5 آلاف عامل وفق جمعية مصنعي الأحذية

وبحسب الذيابات، “كان هناك حوالي 250 مصنعا ومشغلا يعمل فيها نحو خمسة آلاف عامل لم يتبق منها اليوم سوى حوالي مئة مصنع ومشغل وأقل من 500 عامل”، مشيرا إلى أن “أغلبهم تركوا المهنة واتجهوا ليعملوا في مهن أخرى”.

في ورشة مارينا الواقعة في بناية قديمة تقع في حي الأشرفية في عمان، يعمل ثلاثة من صانعي الأحذية على خياطة نعال على إطار أحذية وتركيب كعوب، ثم يقطعون الزوائد في الحذاء ويستخدمون المبرد حتى يصل إلى الحجم المطلوب تحت أعين صاحب الورشة المتعبتين زهير شيحة (71 عاما).

ويقول شيحة “منذ عام 2015، بدأنا بالتراجع بشكل رهيب في ظل إغراق السوق المحلية بالأحذية الصينية والفيتنامية والمصرية والسورية”.

وأضاف “كان لدي 20 عاملا لم يتبق منهم إلا هؤلاء الثلاثة، وكنا نصنع ما بين 60 إلى 70 زوج حذاء يوميا، ونصنع 12 زوجا حاليا”.

ويتابع بينما تبدو عليه علامات الامتعاض “انظر لقوة ومتانة أحذيتنا الرجالية وجودتها وجمالها. إنه بعشرين دينارا فقط (حوالي 30 دولارا).. ما نربحه شيء بسيط جدا وبالكاد أستطيع دفع إيجار هذا المكان”.

ويدعو الحكومة “إلى أن تدعمنا وتخفّف الضرائب والجمارك، فعلينا ديون لم يعد باستطاعتنا دفعها”.

ويقول يوسف أبوسرية (64 عاما) ذوالشعر الأبيض، وهو منحن يقوم بتقطيع الجلود وتجهيزها أمام ماكينة خياطة “منذ 50 عاما، منذ كان عمري 14 عاما، وأنا أعمل في صنع الأحذية. أنا أحب مهنتي ولا أعرف شيئا سواها”.

ويضيف “أمر محزن ما يحصل لنا. أغلب الورش أغلقت أبوابها ورحل عاملوها.. أنا على يقين بأننا سنواجه المصير نفسه، لكن لا أعرف متى”.

10