صمت السلطة يرهن مصير المبادرات السياسية في الجزائر

الجزائر - يتهيأ حزب جبهة القوى الاشتراكية لإطلاق مبادرة مفتوحة لجميع الفعاليات السياسية في الجزائر بغية تحريك الركود السياسي وبلورة مقاربة الخروج من الأزمة، لتكون بذلك المبادرة الثانية من نوعها بعد تلك التي أطلقتها أحزاب الموالاة منذ أسابيع، لكن صمت السلطة يرهن محاولات تحريك المياه الراكدة، ويبقي القوى السياسية بعيدة عن أداء دورها في المجتمع.
وكشف الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية المعارضة يوسف أوشيش عن تحضير حزبه لمبادرة سياسية تكون أكثر عقلانية تتمثل في الجلوس إلى حوار سياسي بين جميع الأطراف من أجل التوافق على خارطة طريق تسمح بإخراج البلاد من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها.
وأكد أوشيش أن “المبادرة لن تخرج عن الإطار العام لمقترحات قدمها الحزب في السابق، فهي استمرار لعقيدة الحزب، وتتماشى منطقيا في آن واحد مع ما يحصل وما حصل في بلادنا والعالم، إن كان على الصعيد الوطني أو الصعيدين الإقليمي والدولي، كما ستأخذ بعين الاعتبار التحديات الثقيلة التي ستواجهها بلادنا”.
ولفت زعيم أعرق أحزاب المعارضة الجزائرية على هامش فعالية سياسية انتظمت في شرق البلاد، إلى أن “المبادرة ستتوجه، دون إقصاء، إلى كل القوى السياسية الوطنية المؤمنة بقيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وتقف بكل حزم وعزم (…) في وجه المناورات الداخلية أو الخارجية التي من شأنها المساس بوحدة البلاد وسيادتها”.
وذكر في تصريحه أن “الخط الفاصل بالنسبة إلى الحزب هو ذاك الذي يميز ويفرق بين القوى ذات الحس الوطني من جهة، وتلك الدوائر المناهضة للبلاد ومصالحها الحيوية من الجهة الأخرى”، (في تلميح إلى بعض قوى المعارضة الراديكالية التي اتخذت مواقف مناوئة من النظام السياسي القائم منذ العام 2019).
وأكد المتحدث أن “جبهة القوى الاشتراكية هي حزب وطني ومسؤول وقوة اقتراح خصبة بامتياز، ومنذ نشأة الحزب نعمل دون هوادة وباستمرار على ترقية الحوار فلسفة ووسيلة حضارية لتجاوز الخلافات والتعامل مع الأزمة الوطنية، وأن خير دليل هو العديد من المبادرات التي أطلقها الحزب وقدمها للسلطة والساحة السياسية خلال كل حقب الجزائر المستقلة، والتي تمحورت حول عدم الحياد عن المشروع الوطني وبناء دولة الحق والقانون”.
وأضاف “لم نغلق يوما أبواب الحوار الجدي الشامل، ولكن ما حصل أن مبادراتنا التي أثبت الزمن صحة تقديراتها وجدية حلولها لم تلق آذانا صاغية من طرف السلطة”.
وتابع “ليس لكائن من كان أن يمنحنا دروسا في الوطنية أو الديمقراطية وليس لأحد أن يبث الشك في أنفسنا في ما يخص مساعينا المتجددة للحوار خاصة من طرف أولئك الذين تآمروا ضد الشخصيات الوطنية بغية تحقيق مصالح ضيقة”.
وكانت رسالة قائد جبهة القوى الاشتراكية موجهة إلى خصومه (داخل الحزب وخارجه) الذين يتهمون القيادة السياسية بتوجيه الحزب إلى مواقع مهادنة للسلطة، والانحراف عن الأفكار والمبادئ التي رفعها الجيل المؤسس بقيادة زعيمه الراحل حسين آيت أحمد.
وتعد هذه المبادرة السياسية الثانية من نوعها منذ وصول الرئيس عبدالمجيد تبون إلى قصر المرادية نهاية العام 2019، ولو أن المبادرة الأولى حملت رسائل التفاف حول السلطة بإطلاق مشروع “المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل”.
وتجاهلت السلطة الجزائرية في السنوات الأخيرة كل الوثائق والمبادرات السياسية التي أصدرتها أحزاب سياسية وشخصيات مستقلة، خاصة خلال ذروة احتجاجات الحراك الشعبي، ودعت إلى تفعيل الإطار الدستوري، وإبعاد القوى السياسية والحزبية عن المشهد، مقابل تشجيع فواعل المجتمع المدني كشريك اجتماعي وسياسي جديد لها.
السلطة الجزائرية تجاهلت في السنوات الأخيرة كل الوثائق والمبادرات السياسية التي أصدرتها أحزاب سياسية وشخصيات مستقلة
وكان عدد من الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الجزائرية قد أطلقت منذ أسابيع “المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل”، وهي مبادرة سياسية تستهدف تشكيل جبهة داخلية في مواجهة التحديات الخارجية، وهو ما يتواءم مع خطاب السلطة الذي يروج كثيرا لنظرية المؤامرة التي تستهدف أمن ووحدة واستقرار البلاد.
ونجح مرشح الانتخابات الرئاسية السابقة ورئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة في إقناع أحزاب سياسية وفعاليات اقتصادية واجتماعية ونقابية ومجتمعية ومرجعيات روحية ونخب وطنية بمشروع “المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل”، لتعلن بذلك الموالاة السياسية في البلاد عن نفسها في تكتل سياسي لأول مرة منذ قدوم السلطة السياسية بقيادة الرئيس تبون في مطلع العام 2020.
وذكر بيان المبادرة بأن العالم “يشهد تحولات جوهرية متسارعة أفرزت وضعا متأزما وتوترات متعددة وتناقضات للمصالح، وكانت لها انعكاسات سلبية على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لمختلف الدول، والجزائر ليست بمنأى عن تداعيات وانعكاسات هذه الأوضاع، مما يفرض علينا تفعيل الإرادة الوطنية وفاء بما يقتضيه واجب تعزيز التلاحم الوطني وتمتين الجبهة الداخلية، من خلال زيادة التأهب لمواجهة التهديدات والمخاطر التي تستهدف الجزائر في أمنها ومؤسساتها ووحدة شعبها وترابها”.
ودعا الموقعون على البيان إلى “ضرورة التعبئة العامة من أجل النهوض بوطننا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتأمين مستقبل أجيالنا وتحقيق تطلعات شعبنا في كنف الوحدة والانسجام والاستقرار والتطور، مع تزايد حجم المخاطر التي تحيط بالجزائر في فضائها الإقليمي والدولي، والتحديات التي تمس أمنها واستقرارها وسيادتها وتماسك نسيجها المجتمعي، والحملات الرامية إلى تشويه مؤسساتها”.
وتابع البيان أن المبادرة تهدف إلى “الالتقاء ضمن إطار جامع للتشاور والحوار والتنسيق والتعاون”.
ودعا “شركاء الساحة الوطنية بدون استثناء من الأحزاب السياسية والمنظمات والنقابات ومكونات المجتمع المدني والنخب والمرجعيات المجتمعية إلى الالتفاف حول المبادرة والعمل معا على تجسيد مقاصدها وبناء خطواتها ومساراتها وإثراء أرضيتها بالمقترحات والأفكار الكفيلة بتحقيق أهدافها”.