صفقة طائرات تفتح آفاق التفاؤل أمام الخطوط التونسية

يتفق خبراء على أن السلطات التونسية تسير في طريق وعرة في محاولات إنقاذ الخطوط التونسية الغارقة في الديون، على الرغم من ظهور بوادر لإعادتها إلى النشاط، تتمثل في تعزيز أسطولها عبر صفقة طائرات جديدة قد تفتح آفاقا للتفاؤل بأن تبتعد الشركة الحكومية عن دائرة المؤشرات السلبية مع زيادة رحلاتها وتحسين جودة الخدمات.
تونس- فرضت الظروف المالية القاسية التي تمر بها الخطوط الجوية التونسية على المسؤولين في الشركة المتعثرة المملوكة للدولة الإسراع في إعطائها نفسا جديدا لمواجهة التحديات الكثيرة التي أثرت على أعمالها خلال السنوات الأخيرة.
وفتحت السلطات منذ التدابير التي اتخذها الرئيس قيس سعيد أواخر يوليو الماضي ورشة إصلاح كبيرة لإنقاذ شركة الطيران الحكومية الغارقة في الديون، تهدف لإعادة هيكلتها وفق معايير شفافة من خلال تعزيز الأسطول وخطة مرحلية لتسريح الموظفين لتعزيز قدرتها التنافسية التي تضررت في السنوات الأخيرة بسبب شبهات فساد وسوء تسيير في إدارتها.
ودخلت الشركة منعطفا مهمّا منذ الصيف الماضي، حيث يعكف المسؤولون على تنفيذ خطة لإعادة هيكلتها بالكامل، حتى تستعيد وتيرة نشاطها بعد أن فشلت الحكومات السابقة في إنقاذها.
ويرتكز المخطط الذي يشرف على تنفيذه الرئيس المدير العام خالد الشلي الذي تم تعيينه في شهر مارس الماضي خلفا لإلياس المنكبي، على تعزيز الأسطول وتقليص التكاليف وإعادة تنظيم الشركة، علاوة على تحسين جودة الخدمات خاصة على مستوى التموين.

خالد الشلي: نسعى لتوفير السيولة وتجديد الأسطول وتحسين الخدمات
وفي تحرك وصفه خبراء بـ”المتأخر” لنفض غبار الأزمات المتراكمة عنها، أبرمت الخطوط التونسية الخميس الماضي اتفاقية مع شركة سيل آند ليز باك المتخصصة في إيجار الطائرات لشراء 4 طائرات من طراز أيرباص 320 نيو على أن يتم التعاقد على شراء طائرة خامسة في مرحلة لاحقة.
ولم تذكر الشركة قيمة الصفقة، لكنها قالت في بيان بعد توقيع العقد إنه “سيتم تسلّم الطائرة الأولى في ديسمبر المقبل أما بقية الطائرات فستحصل عليها الخطوط التونسية تباعا في العام 2022”.
وأوضح الشلي في البيان أنه “باعتماد هذه الصيغة التعاقدية البديلة وبحرص ودعم من الدولة وسلطة الإشراف وأعضاء مجلس إدارتها، فإن الخطوط التونسية ستتمكن من توفير السيولة وتجديد أسطولها تدريجيا وتحسين خدماتها”.
وبحسب البيانات المنشورة على المنصة الإلكترونية للشركة، فإن أسطول الخطوط التونسية الحالي يتكون من 29 طائرة، من بينها 22 طائرة من نوع أيرباص، و7 طائرات بوينغ.
وخلال السنوات العشر الماضية شهدت وضعية الشركة الحكومية أزمة مالية خانقة انعكست بشكل مباشر على جودة الخدمات بدءا من التأخير المستمر في موعد الرحلات وإلغائها مرورا بالصيانة ووصولا إلى مسألة التموين.
وتتالت المؤشرات على عجز الخطط الحكومية لإنقاذ الخطوط التونسية الغارقة في الديون نتيجة بطء القيام بالإصلاحات، وتفاقم موجة الإضرابات، ولم تتمكن حتى من استغلال المواسم السياحية التي سبقت تفشي الجائحة.
ومنذ العام 2016 فشلت خطط إعادة هيكلة الشركة، ولم يتمكن أي مسؤول استلم دفة قيادتها من تقديم حلّ جذري لإخراجها من أزمتها في حين ظهرت تحركات من بعض الأطراف السياسية لخصخصتها.
ويعتقد خبراء أن أزمة الشركة تكمن في السوق المحلية وليس المنافسة، خاصة وأن عددا من شركات الطيران الكبرى أوقفت رحلاتها لتونس منذ الهجمات الإرهابية في 2015 قبل أن تعود بعد نحو عامين تقريبا، ما يعني استحواذ الخطوط التونسية على تلك الحصة.
وكان الرئيس السابق للشركة قد أشار مرارا إلى أنه قد حذر من أن وضع الخطوط التونسية سيزداد صعوبة وتعقيدا في حال لم تتدخل الدولة لاتخاذ قرارات مهمة وأنها تحتاج إلى قرابة 1.3 مليار دينار (425 مليون دولار) حتى تستعيد أنفاسها وأن عدم قدرة الدولة على توفير المبلغ سيحول دون ذلك.
كما أكد أن أسطول الخطوط التونسية، التي تضم 8 شركات تابعة لها، مترهل، ولا يتعلق الأمر بالطائرات فقط، بل أيضا بالتجهيزات والمعدات وخاصة بمطار قرطاج الدولي، وهو ما يتطلب تطويرها بالكامل بقيمة 6.5 مليون دولار.
784.6 مليون دولار حجم ديون الشركة المتراكمة منذ سنوات بحسب الإحصائيات الرسمية
وتظهر التقديرات الرسمية أن حجم الديون الملقاة على عاتقها يبلغ حوالي 2.2 مليار دينار (قرابة 784.6 مليون دولار)، منها 440 مليون دولار ديون مستحقة لديوان الطيران المدني والمطارات، أما الديون المتبقية فتتوزع بين قروض وفوائدها حصلت عليها من عدة بنوك محلية وأجنبية والتزامات مالية تجاه الدولة.
وشكّل التوظيف العشوائي في عهد الترويكا بقيادة حركة النهضة أحد أبرز أسباب الخسائر، حيث بلغ عدد من تم توظيفهم في تلك الفترة 1200 شخص، مما تسبب في ارتفاع بند الأجور بنحو 32.7 مليون دولار سنويا.
ووفق الإحصائيات الرسمية، تشغل الشركة قرابة 8200 موظف، وهذه القوة العاملة أثرت بشكل كبير على التوازن المالي للشركة، في ظل أزمتها التي جعلتها تسجل عجزا ماليا بلغ في المتوسط السنوي نحو 220 مليون دولار.
وخسرت الخطوط التونسية العام الماضي من مواردها بسبب قيود الإغلاق بشكل مباشر ما يفوق 142 مليون دولار، بالإضافة إلى وجود خسائر وتكلفة غير مباشرة تتعلق بصيانة الطائرات وغيرها. ومن المتوقع ألا تستعيد الشركة نشاطها المسجل في عام 2019 إلا في 2023.
وفي أغسطس الماضي أنهى سعيّد الجدل حول خصخصة الخطوط التونسية بعدما تيقن خبراء من أنّ الحكومات المتعاقبة كانت تسير في طريق وعرة من أجل إنقاذ الشركة الغارقة في الديون بسبب مساعي بعض الأطراف السياسية التأثير على قرار إعادة هيكلتها من أجل بيع حصة لمستثمرين من قطر أو تركيا.
وأعاد حجز شركة تاف للمطارات التركية في فبراير الماضي كافة الحسابات المصرفية للخطوط التونسية لمطالبتها بسداد ديون عالقة بقيمة 10.2 مليون دولار الحديث عن محاولة للاستحواذ على الشركة على الرغم من أن الجامعة العامة للنقل (نقابة) تصدت لها.
وفي صيف العام الماضي كشف المنكبي عن وجود مساع لبيع الخطوط التونسية أو حصة منها لصالح مستثمرين قطريين، الأمر الذي نفته وزارة النقل ورئاسة الحكومة في وقت لاحق.

السلطات التونسية تعمل على إنقاذ شركة الطيران الحكومية الغارقة في الديون