صفات في غير موضعها

مجمل الحديث أن صاحبنا المنتشي بجائزة الأكاديمية واسعة الانتشار لا تقدر سوى أن تمدحه وتهنئه، وهو ينظر إليك من طرف خفي، وشعاره "يا أرض احفظي ما عليك".
الأحد 2023/06/18
بحث عن الأسماء الخالدة في الكتابة الشعرية

ينشر بعض الأصدقاء على مواقع التواصل شهادات مذهّبة حصلوا عليها من مواقع أدبية افتراضية كتبت عليها صفات من النوع "الشاعر الكبير"، أو "الحائز على الجائزة الأولى في قصيدة النثر"، أو "شاعر الهايكو" (قصيدة الأسطر القليلة). وبمثلها صفات عن القصة القصيرة والمقال النقدي، ومن مواقع تصف نفسها بالأكاديميات (أكاديمية القلم، أكاديمية اليراع، وتريات..).

بمعنى أنك لا تستطيع أن تخاطب "الشاعر" الفائز سوى بأن تبارك وتمدح وتصفق، فقد تكاثر الشعراء دون عناء.

استعنت ببعض خبرات سابقة في قراءة النصوص الأدبية لأبحث في هذه الظاهرة. فقبل أن تأخذني الصحافة إلى الكتابات السياسية، سبق أن نشرت قراءات لدواوين وقصائد تونسية وقصص قصيرة وحاورت شعراء ونقادا وأعرف النصوص كما أعرف ناسها دراسة وتجربة.

حين تتملّى القصائد المتوجة في هذه الأكاديميات تجد أن أغلبها من الصعب تصنيفه، فلا هي شعر قديم ولا قصيدة نثر ولا هايكو، ولا خواطر أدبية تعبر عن أوجاع صاحبها، هي صنف خارج التصنيف. أقرب إلى ما نسميه في تونس بالشكشوكة، أي مزيج من كل شيء.

◙ خلافات حول تقييم جوائز الشعر الافتراضي بين معجب ورافض
◙ خلافات حول تقييم جوائز الشعر الافتراضي بين معجب ورافض

فأنت تجد كلمات في آخر كل سطر تشبه الروي والإيقاع الصوتي، في نوع من الإيهام بالقدرة على كتابة القصيدة القديمة، ولكن دون التزام بالتفعيلة ولا السكن في أي بحر. أما علاقتها بالقصيدة الحديثة فتقوم على خلط مصطلحات من هنا وهناك في تتبع لآثار السياب ودرويش وشيء من أدونيس.

مجمل الحديث أن صاحبنا المنتشي بجائزة الأكاديمية واسعة الانتشار لا تقدر سوى أن تمدحه وتهنئه، وهو ينظر إليك من طرف خفي، وشعاره "يا أرض احفظي ما عليك".

وتحق فيه الحكمة الشهيرة للحصري القيرواني:

أسماء مملكة في غير موضعها

كالهِرّ يحكي انتفاخا صولة الأَسد

مع التحكم الذي أصبح لمواقع التواصل الاجتماعي في حياة الناس وأفكارهم ومشاعرهم، صار من السهل عليك أن تكون ما تريد، ودون وجع رأس، شاعرا، قصاصا، روائيا، صحافيا، ممثلا، نجما تلفزيونيا، وطبعا ومؤثرا لا أحد يزاحمك شعبيتك أو يشكك فيها، أو يقول "ثلث الثلاثة كم".

وبعد فترة قصيرة ربما نغير البرامج المدرسية، نقلبها رأسا على عقب. نخرج منها شعراء وكتاب الأزمة القديمة ونضع الشعراء الجدد المؤثرين الذين يمتلكون الجوائز من مواقع وأكاديميات براقة. فيم سنحتاج المتنبي أو المعري، ولماذا الشابي أو المسعدي أو طه حسين، وما حاجتنا إلى الملائكة أو السياب أو حاوي أو البياتي أو سعدي يوسف؟

اللغة العربية نفسها ما حاجتنا إليها مع الشعر الذي صار بين أيدينا، شعر خفيف شفاف لا يحتاج تكثيفا ولا استعارات ولا توظيفا لرموز وأساطير وحكايات الأقدمين. لدينا لغة الحياة اليومية التي تضيف إلى العاميات المحلية كلمات إنجليزية أو فرنسية مسقطة، يكفيها أنها مفهومة ويتغنى بها جماعة الراي والراب وتطرب لها آذان جيل جديد فقد مقاييس الذوق ومعايير النقد والفصل بين حدود الأجناس الأدبية.

18