صراع انتخابي على إدارات الصحف المصرية لاصلة له بأزماتها الفعلية

صحافيون يبحثون عن الطموحات الوظيفية مع انعدام قدرة التحرير على التأثير المهني.
الأربعاء 2020/02/12
إنقاذ الصحافة لم يعد يشغل الصحافيين

يحتدم الصراع بين الصحافيين في الصحف الحكومية المصرية على عضوية الجمعيات العمومية، بعد تجميد الانتخابات لسنوات عدة، وفي ظل انعدام القدرة المهنية على التطوير، تبدو الغاية الوحيدة للمرشحين البحث عن مناصب وظيفية تحقق طموحات شخصية.

القاهرة - تحّولت العديد من الصحف المصرية إلى أماكن للدعاية الانتخابية، مع بدء المؤسسات الصحافية الحكومية تلقي طلبات الترشح لعضوية مجالس الإدارات والجمعيات العمومية، المقرر انعقادها مطلع مارس المقبل، فيما غاب الاهتمام بإيجاد حلول عاجلة لتطوير المحتوى مع تفاقم الأزمات التحريرية، وعدم القدرة على الوصول إلى جمهور عريض.

وبدت واضحة رغبة العديد من الصحافيين العاملين في تسع مؤسسات حكومية، ويبلغ عددهم حوالي ستة آلاف صحافي، في البحث عن مناصب وظيفية تحقق طموحات شخصية بالنسبة إليهم، في ظل انعدام القدرة المهنية على التطوير، بعد أن جرى تحميل الإدارات المختلفة مسؤولية فشل النهوض بأوضاع تلك المؤسسات إداريا، ولم يتم مناقشة القضية بصورة موضوعية تعيد صياغة المضامين التحريرية بالتوازي مع الإخفاقات الإدارية.

وساهم اهتمام الهيئة الوطنية للصحافة التي تدير شؤون تلك الصحف بالجوانب الاقتصادية على حساب المحتوى الإعلامي الذي تقدمه، في سعي الصحافيين إلى المناصب باعتبارها الأكثر حضورا وفعالية في مستقبل الصحف، بعد أن طغى الجانب المادي على جميع القرارات الخاصة بالتحرير التي أدت إلى انكماش فعاليتها خلال السنوات الماضية.

من المقرر أن تنتخب الجمعيات العمومية للصحف الرسمية التي تسيطر على النسبة الأكبر في سوق الإعلام المقروء في مصر، قريبا أعضاء جددا يتولون الجانب الإداري، بعد تجميد خطوة إجراء الانتخابات لسنوات عدة، دون توضيح الأسباب التي قادت إلى هذا الركود.

ويبلغ عدد العاملين في المؤسسات الصحافية الحكومية نحو 22 ألف إداري وصحافي وعامل، يتم اختيار 6 أعضاء بالانتخاب لمجالس الإدارات من إجمالي 12 عضوا، اثنان من الصحافيين واثنان من العمال واثنان من الإداريين، والأمر ذاته ينطبق على الجمعية العمومية التي يبلغ عدد الممثلين لها 17 عضوا، والباقي يتم تعيينهم من قبل هيئة الصحافة.

التحزب في انتخابات نقابة الصحافيين انتقل للصحف الحكومية، وانعكس في دخول حسابات سياسية في انتخاباتها

وتسببت خسائر الصحف القومية وتراكم ديونها في أن تتدخل الحكومة بشكل أكبر لدعمها، مع تراجع سوق الصحافة الورقية، وانخفاض حصة الإعلانات التي اعتمدت عليها في تنمية مواردها، وهو ما يجعل من يفوزون في الانتخابات أسرى توجهات حكومية تهيمن على طريق إدارتها في محاولة لترشيد سبل الإنفاق عليها.

وقال محمد إسماعيل، وهو اسم مستعار لصحافي بجريدة الأهرام، إن الأزمات المالية التي تعاني منها الصحف الحكومية تفتح الباب أمام تقديم المزيد من الوعود غير المنطقية لتصحيح الأوضاع، وكل صحافي يرتكن على علاقاته مع جهات مختلفة تتحكم في مستقبل هذه الصحف باعتبارها داعمة لبرنامجه الانتخابي.

وأضاف لـ”العرب”، أن حالة البطالة المقنعة في الصحف القومية نتيجة ارتفاع أعداد العاملين بها تسمح أيضا بالبحث عن أدوار إدارية من الممكن أن تحقق مزايا مادية عبر بدلات انعقاد الاجتماعات وغيرها من مصادر الدخل، في حين أن القلة قد تكون لديها كفاءة إدارية لكن من الصعب أن تحدث تأثيرا، لأن الأمر برمته يخضع لتوجهات الهيئة الوطنية للصحافة.

وأفضى قانون الهيئة الوطنية للصحافة الجديد إلى تقليص أدوار العاملين بالصحف الحكومية في مجالس الإدارات والجمعيات العمومية، وأضحى رئيس الهيئة يتولى منصب رئاسة الجمعية العمومية، بما يعني أن اعتماد موازنة أي صحيفة بيده، والأمر ذاته ينطبق على إقرار السياسة العامة وخطط المؤسسة الاقتصادية.

وأكد محمد خراجة، عضو مجلس نقابة الصحافيين، أن ضعف الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين أفسح المجال أمام اتخاذ زمام المبادرة بشكل شخصي للتصدي للمشكلات الإدارية، وعلاج أزمات تردي الأجور وغياب بوادر التطوير الحقيقي للمهنة.

وأوضح لـ”العرب”، أن غياب الأدوار الرقابية على مجالس الإدارات السابقة واقتصار دور أعضائها على التدخل لحل المشكلات الداخلية، شجّع البعض على خوض التجربة، لأن أيا من الأهداف المعلن عنها في السابق لم يجر تنفيذها حتى الآن.

صراع انتخابي يقابله ركود في المحتوى الصحافي
صراع انتخابي يقابله ركود في المحتوى الصحافي 

وتوقع خراجة، أن يكون التشكيل الجديد لمجالس الإدارات متماشيا مع رغبة الحكومة التي تسعى للتعامل مع المؤسسات الصحافية التابعة لها باعتبارها جزءا من شركات قطاع الأعمال والتخلص من أصولها لحل أزماتها المالية، ما يفسر كثافة الترشح المنتظر وارتباطه بالأجواء الانتخابية لتفتيت أصوات بعض المرشحين ودعم قوائم بعينها يجري تشكيلها قبل ساعات قليلة من بدء العملية الانتخابية.

وتتدخل هيئة الصحافة أيضا في إدارة العملية الانتخابية واختيار المرشحين، وشكلت لجنتين للإشراف على عملية الانتخابات ولجنتين لوضع معايير اختيار القيادات الإدارية قبل إعلان الكشوف بصورة نهائية، وهو ما اعترضت عليه نقابة الصحافيين التي رأت أن اختيار المرشحين سيجري وقفاً للأهواء السياسية.

وذهب بعض شيوخ المهنة، للتأكيد على أن هناك خللا في عملية الانتخابات من الأساس، لأنه كان من المفترض تعيين رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير جدد للصحف القومية أولا، بما يساهم في أن يكون هناك انسجام بينهم وبين الأعضاء الجدد، وإتمامها بتلك الكيفية يدعم إمكانية التخلي عن جزء كبير من الأصول خلال الستة أشهر المقبلة.

وأكد بشير العدل، رئيس لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة، أن عملية التحزب التي طغت على انتخابات نقابة الصحافيين انتقلت أيضا للصحف الحكومية، وانعكس ذلك على دخول حسابات سياسية لم تكن حاضرة من قبل بشكل كبير، لأن الجمعيات العمومية قامت بأدوار معارضة في السابق لكثير من السياسيات الإدارية بما ساهم في انضباط عملها.

وأشار إلى أن تدخل عوامل خارجية في عملية الانتخابات تجعل الكفاءة بعيدة عن المناصب الإدارية كما الحال بالنسبة للمناصب التحريرية بجانب أن أجواء الصمت وعدم القدرة على إبراز المشكلات التحريرية باعتبارها أساس أزمات وسائل الإعلام بشكل عام، من الأشياء التي تجعل من القدرة على تقديم حلول إدارية محدودة للغاية.

18