صراعات الهياكل الرياضية تُرجئ عودة الدوري التونسي

يتعطش الشارع الرياضي في تونس لاستئناف نشاط الدوري المحلي بعد فترة طويلة من التوقف، غذتها الصراعات المتتالية بين المؤسسات والهياكل الرياضية، وسط إجماع المحللين والمتابعين للشأن الرياضي على أن جمود النشاط أصبح يؤرق الجماهير الرياضية أكثر من أي وقت مضى.
تونس - طرحت المطبات المتكررة في واقع كرة القدم التونسية، والتي حرمت الجماهير من متابعة نواديها المفضلة في مسابقة الدوري، تساؤلات بشأن الأطراف التي يمكن أن تتحمل مسؤولية ذلك، فضلا عن تسببها في تغذية الأزمات التي رمت بظلالها على كامل الجسم الرياضي في البلاد.
وقال الصغير زويتة المدير الفني للجامعة التونسية لكرة القدم إن “إيقاف نشاط بطولة الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم من شأنه أن يمسّ من جاهزية عدد من لاعبي المنتخبات الوطنية “. وأضاف المدير الفني في بلاغ نشرته الجامعة التونسية لكرة القدم مساء الاثنين أن “3 منتخبات وطنية وهي منتخب الأكابر والمنتخب الأولمبي ومنتخب الأواسط تستعد جميعها لخوض مباريات هامة من ذلك منتخب الأكابر الذي تنطلق في تحضيراته لمونديال 2022 يوم 6 نوفمبر القادم”.
هلال الشابة يطالب بإعادة القرعة من جديد وإعادة "رزنامة" البطولة بالكامل على ضوء القرعة
وينشط كل حراس مرمى المنتخب التونسي وعدد من لاعبيه ضمن بطولة الرابطة المحترفة الأولى. وتم تأجيل انطلاق بطولة الرابطة المحترفة الأولى إلى موعد 7 أكتوبر الجاري بعدما كانت الجولة الافتتاحية مقررة ليومي الجمعة والسبت الماضيين، وذلك إثر المستجدات الطارئة المتعلقة بقضية هلال الشابة وقرار محكمة التحكيم الرياضي “التاس” القاضي بإعادة إدماج الفريق في بطولة الرابطة المحترفة الأولى.
وكان المكتب الجامعي قد قرر إدماج هلال الشابة في المجموعة الأولى للرابطة المحترفة الأولى إثر الحكم الصادر عن “التاس” مع إجراء مقابلتين فاصلتين تجمع الأولى الترجي الجرجيسي بنادي حمام الأنف يوم 8 أكتوبر الجاري على أن يلاقي الفائز منهما نجم المتلوي. وسينضم الفريق الفائز في المواجهة إلى المجموعة الثانية لبطولة الرابطة المحترفة الأولى.
مسؤولية مشتركة

أنيس العياري: تأخر استئناف نشاط الدوري سيخلق مشكلة في الجاهزية الفنية للمنتخب
تقول شخصيات رياضية، إن مسؤولية تأخر عودة النشاط مشتركة بين جميع الأطراف المتداخلة في اللعبة، حيث غذّت الصراعات بين الهياكل أزمات كرة القدم وعملت على إدامتها، وهو ما جعلها تفقد توهّجها ورونقها الرياضي والفرجوي. وقال أنيس العياري، المحلل الرياضي واللاعب الدولي السابق، “إن المسؤولية جماعية يتحملها الفنيون والمسيّرون ورؤساء الجمعيات، وعلى الجميع أن يلتف حول المسألة”. وأضاف لـ”العرب”، “تأخر استئناف نشاط الدوري سينعكس على مستوى المنتخب، والجميع يعلم أننا نملك ثلاثة حراس مرمى ينشطون في الدوري المحلي مع لاعبين آخرين وهذا سيخلق مشكلة في الجاهزية الفنية والبدنية أسابيع قليلة قبل انطلاق مسابقة كأس العالم”.
وشار العياري إلى أن “المسؤولية مشتركة، والكرة التونسية تفتقر إلى البرمجة الواضحة”. ويرى مراقبون أنه لا توجد إرادة سياسية لتغيير واقع الرياضة عموما في البلاد، كما أن الصراعات تحتدم بين الأشخاص المشرفين على المؤسسات الرياضية الذين لا تهمهم مصلحة كرة القدم بقدر ما يهمّهم تحقيق مصالح شخصية وتسجيل نقاط على حساب بعضهم البعض. ولم يخف هؤلاء انتشار ممارسات الفساد من خلال الحالة المتردية للملاعب والبنية التحتية و”استغلال المناصب الرياضية” لأغراض شخصية، فضلا عن إقحام قطاع التحكيم في تلك الصراعات وتوظيفه.
وأفاد فتحي المولدي، المحامي والمتابع للشأن الرياضي في تونس، إنه “من البديهي جدا أن يتعطش الجمهور الرياضي لاستئناف نشاط البطولة المحلية، وهي البطولة الوحيدة المتوقفة منذ أكثر من 3 أشهر، كما أن استئناف النشاط قبل أقل من شهرين من انطلاق مسابقة كأس العالم خطأ من الجامعة التونسية لكرة القدم، حيث أن النشاط كان من المفروض أن يستأنف في السادس عشر من أغسطس الماضي، وربما لأن الجامعة لها شكوك في استئناف فريق هلال الشابة بشأن عودته إلى القسم الأول”.
فتحي المولدي: الرياضة التونسية هي ضحيّة صراعات شخصية وهؤلاء لا تهمّهم مصلحة كرة القدم
وقال في تصريح لـ”العرب”، ” لو كانت الجامعة تفكّر في مصلحة منتخب كرة القدم لاستأنفت البطولة نشاطها، ومن حسن حظّ حراس المرمى الثلاثة للمنتخب أن نواديهم تنشط في المسابقات الأفريقية، كما أن كل المنتخبات تقريبا تعرف من هو الحارس رقم واحد ومن هو رقم اثنين، إلا في تونس لا نعرف إلى حد الآن، وهذا خطأ كبير”.
وأضاف المولدي “هناك صراعات بين الأشخاص الذين يشرفون على الهياكل الرياضية (وزير شؤون الشباب والرياضة كمال دقيش، رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم وديع الجريء ورئيس نادي هلال الشابة توفيق المكشّر)، ومن الواضح أن الوزير متعاطف جدّا مع هلال الشابة، والجريء يتحدّى الجميع فكانت الصفعة قوية للشابّة، وهناك تعنّت من الجريء في معاقبة الشابة وملاحقتها بكل الوسائل وباستعمال القانون، وتعاطف الوزير فيه تحدّ شخصي”.
وتابع “الرياضة التونسية هي ضحيّة صراعات شخصية، وهؤلاء لا تهمّهم مصلحة كرة القدم في البلاد، والمتضرّر الأوّل هو الجماهير والنوادي الرياضية..السلطة في تونس لا تهتم بالرياضة وترصد لها الميزانيات اللازمة، والجامعة دخلت في نزاعات مختلفة، وهناك أزمة ثقة عامة”.
وأردف المحامي “هناك شبهات فساد على كل المستويات في الهياكل الرياضية من الملاعب إلى البنية التحتية وفساد على مستوى التحكيم، والكل يتخفى وراء الترشّح لكأس العالم للمرة الثانية تواليا، وهذا الترشح هو الشجرة التي تحجب غابة كرة القدم التونسية”.
قرارات صائبة

مختار سالم: المسؤولية جماعية والهياكل المسؤولة هنا هي جامعة كرة القدم والوزارة
حملت أطراف رياضية جامعة كرة القدم ووزارة الشباب والرياضة بدرجة أولى مسؤولية التأخر في عودة النشاط، ما يعكس “فشلا” في تسيير الهياكل الرياضية وفقدان القدرة على أخذ القرارات الصائبة خصوصا قبل مشاركة المنتخب في التظاهرة العالمية.
وأفاد مختار سالم، وهو مدرب كرة قدم ، بأن “المسؤولية جماعية، وأي قطاع فيه مسؤول مباشر، والهياكل المسؤولة هنا هي الجامعة التونسية لكرة القدم وبدرجة أقل وزارة شؤون الشباب والرياضة، فضلا عن الصراعات بين الجامعة وبعض النوادي الرياضية، وهذا سينعكس سلبا على المنتخب التونسي قبل كأس العالم”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “المنتخب التونسي يكاد يكون المنتخب الوحيد الذي لا يملك لاعبوه نسق المباريات بسبب توقف النشاط وغياب الجاهزية البدنية، والجامعة هي المسؤولة عن ذلك لأنها دخلت في صراع حاد منذ فترة مع بعض الأطراف”.
وتابع سالم “الشعب التونسي متعطش لمشاهدة كرة القدم، وهذه الرياضة دخلت في نظام حياتنا، وعلى المسؤولين أن يضعوا مصلحة المنتخب فوق كل اعتبار، ولا بدّ من تدخل جذري بين الجامعة والوزارة حتى يعود النشاط ويستمتع الجمهور الرياضي، ونستغل ما يمكن استغلاله لتحضير المنتخب قبل الموعد العالمي”.
والسبت، أعلن هلال الشابة رفضه لجملة القرارت التي اتخذتها الجامعة التونسية لكرة القدم والمتعلقة بموعد انطلاق بطولة الرابطة المحترفة الأولى ونظامها. وطالب، في بلاغ على صفحته الرسمية، بإعادة القرعة من جديد وإعادة “رزنامة” البطولة بالكامل على ضوء القرعة.
وتقرر خلال اجتماع 15 جمعية معنية ببطولة الرابطة المحترفة الأولى، بمقر الجامعة، عودة بطولة الرابطة المحترفة الأولى نهاية الأسبوع المقبل، والمحافظة على نظام المجموعتين (تتكون كل مجموعة من 8 أندية). كما تقرر أن يشارك الهلال الرياضي الشابي ضمن المجموعة الأولى الفردية والتي تتكون من النوادي المتحصلة في الموسم الماضي على المراتب 1 و3 و 5 و7 و9 و11، إضافة إلى الملعب التونسي بوصفه وافدا من الرابطة المحترفة الثانية كصاحب المرتبة الأولى.