"صحوة أوزيريس" معرض فوتوغرافي يستعيد روح طيبة القديمة

انبهرت المصورة البلجيكية كارولينا عموري بعبقرية المصريين القدامى، فقررت توثيق علاقتهم بالنور وانعكاسات الشمس والقمر على المعابد والآثار، لتضيء على أجمل اللقطات والمشاهد التي توثقها بعدستها.
في إطار رحلة البحث عن النور في المعابد المصرية القديمة، والتي امتدت على مدار قرابة عقدين، التقطت كاميرا المصوّرة البلجيكية كارولينا عموري الكثير والكثير من المشاهد التي تُسجّل الدّور الذي لعبه النور في الحضارة المصرية القديمة، وتوثق لحظة تعامد الشمس وتسلل أشعتها الذهبية لتضيء ظلمة المقاصير والتماثيل والنقوش في وسط آثار الفراعنة في الجيزة والأقصر وقنا وغير ذلك من مدن مصر التاريخية.
بعضٌ من نتاج تلك الرحلة في البحث عن النور في معابد مصر القديمة عرضته كارولينا عموري في معرض حمل عنوان “صحوة أوزيريس”، واستضافه منذ فترة فندق المرسم الذي شُيّد قبل أكثر من مئة عام على مشارف جبانة طيبة القديمة غربي مدينة الأقصر الغنية بمعابد ومقابر ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات مصر القديمة، وشهد ولادة مراسم الأقصر التاريخية التي تأسست في القرن الماضي بقرار من الدكتور طه حسين وزير المعارف آنذاك.
وقبل سنوات مضت، وحين كانت تتنقّل كارولينا عموري ما بين بلجيكا وإيطاليا، وتقوم بزيارات متكررة لمدن مصر التاريخية، أقامت معرضا في مدينة تورينو بعنوان “النور”، وفي العام الماضي أقامت معرضا مماثلا في فندق المديرة التراثي الواقع على الأطراف الجنوبية من جبانة طيبة القديمة غربي مدينة الأقصر في صعيد.
وفي تلك المعارض تواصل عموري، التي يبدو أنها اختارت الإقامة بشكل دائم في مدينة الأقصر بصعيد مصر، بصحبة العشرات من الفنانين وعلماء المصريات والمئات من الأجانب الذين جعلوا من تلك المدينة سكنا دائما لهم، في كل تلك المعارض كما أسلفنا، تواصل تلك المصوّرة الأوروبية تقديم ما تسجله عدستها من صور التقطت داخل المعابد التي شيدها قدماء المصريين، والمناطق المحيطة بها، وفي كل صورة نجد مشهدا جديدا يوثق حضور النور في المعابد والمقاصير التي بُنيت وفقا لاتجاهات ذات علاقة بالشمس والقمر، وحسب مقاييس هندسية وفلكية دقيقة.
وطوال تلك الرحلة مع النور في معابد مصر القديمة تؤمن الفنانة بأن الحضارة المصرية قدمت إلى العالم أسرار الكثير من الفنون والعلوم والقيم الإنسانية النبيلة.
وقد نالت صور معرض “صحوة أوزيريس” إعجاب الكثير من الجمهور الذي توافد لأيام على فندق المرسم لمشاهدة صور كارولينا عموري، وعشاق سحر مصر القديمة.
وقالت دومينيك نافارو الفنانة التشكيلية والباحثة في علوم المصريات ومؤسسة “الأقصر أرت غاليري” إن كارولينا عموري تلتقط روح طيبة القديمة -التي ظلت عاصمة لمصر القديمة على مدار قرون- من خلال عدستها التي وصفتها بـ”المضيئة”.
وبحسب نافارو فإن المناظر الطبيعية للجبال والحفائر وكذلك المعابد تظهر جميعها نقية متوهجة تحرك المشاعر الساكنة بروحانيتها الغامرة، وتأخذ المتلقي في رحلة تأملية عبر صور تنقل لنا بحرفية عالية مرور الشمس من خلال الظلال التي تتجسد أمامنا وكأنها تقول للهواء كن ساكنا وتدعو لحظات الفجر والغروب إلى أن تبقى لوقت أطول.
وكأن كارولينا عموري تدعو من يشاهدون صورها إلى أن يظلوا معها ليعيشوا معا لحظة خالدة كخلود أرض طيبة القديمة، وأن يشاركوا هذه الفنانة الشغوفة رهبتها الدائمة وتلك اللحظات التي يهمس فيها الضوء كاشفا لها عن أسراره.
يذكر أنه خلال تجوالها الدائم بين المعابد المصرية القديمة، وعند إحدى رحلاتها لمعبد دندرة، قادت الصدفة المصوّرة كارولينا عموري إلى توثيق لحظات نادرة، هي تعامد شمس الظهيرة على لوحة للآلهة حتحور ربة الحب والفرح والموسيقى والسعادة والخصوبة والولادة لدى قدماء المصريين، داخل معبد دندرة الذي كُرٍسَ لعبادتها، فى يوم عيد زوجها الإله حورس، بالتزامن مع تعامد شمس الظهيرة على تمثال حورس، داخل قدس أقداس معبد إدفو، شمالي محافظة أسوان، وهو التعامد الذي يجري في يوم الانقلاب الصيفي في شهر يونيو من كل عام.
المصوّرة الأوروبية تواصل تقديم ما تسجله عدستها من صور التقطت داخل المعابد التي شيدها قدماء المصريين، والمناطق المحيطة بها
ومن المعروف أن قدماء المصريين اعتمدوا على ضوء الشمس في حياتهم، وفي عباداتهم أيضًا، وكانوا إذا أرادوا التعبير عن القوة العظيمة للشمس أطلقوا عليها اسم “رع”، وراحوا يصلّون لـ”آمون رع” الذي أطلقوا عليه اسم “سيد الضوء”. وحين قاد الملك أخناتون ثورة دينية غير مسبوقة، وانقلب على عبادة آمون رع وكهنة طيبة واتجه إلى تل العمارنة في المنيا بوسط صعيد مصر، ليتخذها مقرًا لحكمه، جعل من قرص الشمس ربًا يُعبَد، واختار له اسم “آتون”.
وبحسب علماء المصريات، فقد أدى الضوء دورًا مهمًا في تحديد التشكيل المعماري لمعابد قدماء المصريين، وهناك علاقة وطيدة تربط بين علوم الفلك ووجهة الكثير من آثار ملوك وملكات قدماء المصريين، نحو الشرق أو الغرب، وتشهد معظم المعابد المصرية ظواهر فلكية متعددة، مثل تعامد الشمس وتعامد القمر أيضًا.
وربط قدماء المصريين بين اتجاهاتهم ومبانيهم الدينية، ولعبت ملاحظة السماء دورًا جوهريًا -بحسب علماء الفلك والمصريات- في بناء تلك المباني من معابد ومقاصير وأهرامات، وربطوا بين العمارة وعلوم الفلك، فأقاموا المعابد وفقًا للنجوم والاتجاهات الأرضية الأصلية، واستخدمت المعابد كمراصد للنجوم وتسجيل الوقت.
وبحسب الجمعية المصرية للتنمية السياحية والأثرية تمكّن قدماء المصريين من تشييد معابدهم بإعجاز فلكي وهندسي، جعل الشمس تتعامد فوق قدس أقداس الكثير من المعابد في أيام محددة من السنة، ليتزامن ذلك التعامد مع مناسبات دينية وأعياد شعبية وأحداث تاريخية في كل عام، مثل تعامد الشمس على قدس أقداس بعض المعابد في يوم عيد الإله حورس ويوم عيد الربّة حتحور ويوم الانقلاب الصيفي وعيد الإله آمون، وغير ذلك من الأحداث التي عرفتها مصر الفرعونية.