صحافيون يتحدّون الحجر الإعلامي على فايروس كورونا في الصين

معلومات أميركية تشكك في تحسن الوضع في مدينة ووهان الصينية.
الاثنين 2020/03/16
التعتيم الإعلامي لا يفيد أحدا

الحكومة الصينية تفرض رقابة شاملة على التقارير الإخبارية في وسائل الإعلام في وقت يقول الصحافيون إن الأخبار عن انحسار فايروس كورونا في مدينة ووهان “كذبة”.

 بكين - يقاتل الصحافيون في الصين مدعومين من الجمهور لنشر “الحقيقة” حول فايروس كورونا في تحدّ للحكومة الصينية، الحريصة على ادعاء النصر في ما وصفه زعيم الصين شي جين بينغ بأنه “حرب شعبية” ضد الفايروس.

وتصدّر التداول على منصة ويبو هاشتاغ “نريد حرية التعبير”، ليتم التعامل مع المنشورات التي تنضوي تحته بسرعة رقابيا، وتم حذف الآلاف منها.

وشاهد العالم في سياق آخر تخلّي طاقم عمل أحد مستشفيات مدينة ووهان الصينية التي ظهر منها فايروس كورونا عن أقنعتهم بشكل احتفالي، إبان إغلاق آخر مستشفى طوارئ أُنشئ للتعامل مع الأزمة في البلاد.

وفي مقطع فيديو نشر الأربعاء، 11 مارس 2020، وشوهد الملايين من المرات عبر الإنترنت، ظهر العاملون وهم يخلعون أقنعتهم واحدا تلو الآخر، بينما تمرّ الكاميرا بهم موثقة اللحظة.

ويأتي احتفاء طاقم العمل في أحد مستشفيات ووهان بعد اقتراب الصين من هزيمة الفايروس بالكامل، والذي كانت نشأته في الصين، وسبق أن بنت الصين 14 مستشفى جديداً، بما في ذلك اثنان في مدينة ووهان، في أوائل شهر فبراير 2020، في غضون أسابيع وحسب، لتوفير الآلاف من الأسرّة للمرضى مع الانتشار السريع للفايروس.

خبراء يعتبرون الحرب الكلامية بين الصين والولايات المتحدة مقدمة لتغطية إعلامية مختلفة في الأيام المقبلة

لكن تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” نقل شهادة جاكوب وانغ، وهو صحافي يعمل في صحيفة حكومية بالصين، التي عبّر فيها عن غضبه عندما رأى تقارير غير صحيحة عن تحسّن الوضع الصحي في مدينة ووهان، مركز تفشّي الفايروس.

وكان وانغ يعرف أن ووهان لا تزال في أزمة، فقد سافر إلى هناك لسرد إخفاقات الحكومة مباشرة ولجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي لوضع الأمور في نصابها الصحيح، حيث كتب منشورا دامغا الشهر الماضي عن المرضى الذين يكافحون من أجل الحصول على الرعاية الطبية وسط بيروقراطية مختلّة. وتنقل الصحيفة عن وانغ قوله “تُرك الناس ليموتوا (..) أنا صحافي، لكنني أيضا إنسان”.

ويستخدم الصحافيون صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي للفت الانتباه إلى الظلم وسوء المعاملة، متحايلين على الأوامر الدعائية من الحكومة، وهدفهم نشر فضائح التستر الحكومي والإخفاقات في نظام الرعاية الصحية.

ووفق التقرير فقد تدفّق الكثيرون إلى ووهان قبل إغلاق المدينة في أواخر يناير.

وبإقامة مكاتب إخبارية مؤقتة في الفنادق، كان الصحافيون يرتدون بدلات المواد الخطرة والنظارات الواقية، ويغامرون بالدخول إلى عنابر المستشفيات لإجراء مقابلات مع المرضى والأطباء.

وقال وانغ، الذي قدّم تقريرا من ووهان أثناء الإغلاق “لم أتمكّن حقا من النوم ليلا، لأني أرى كوابيس عن هذه القصص الرهيبة”.

وقد أثارت قصص الصحافيين غضبا واسع النطاق في الصين، حيث رسمت صورة لحكومة كانت بطيئة في مواجهة الفايروس وعملت بثبات على إسكات أي شخص يحاول التحذير من انتشاره.

وضع لا يجب الاستهانة به
وضع لا يجب الاستهانة به

وتشير الصحيفة إلى تقرير نشرته مجلة “بروفايل”، وهي مجلة ذات أهمية عامة في الصين، والذي كشف عن نقص حاد في وسائل الاختبار في ووهان، مما أثار غضب السكان الذين طالبوا بمعرفة الأسباب التي تعيق جاهزية الحكومة للاستجابة مع تفشي المرض.

كما نشرت مجلة “كايجينغ” التجارية، مقابلة مع خبير صحي مجهول اعترف بأن المسؤولين في ووهان تأخروا في تحذير الناس من أن الفايروس قد ينتشر من شخص إلى آخر.

كما فصّلت مجلة “كايشين”، وهي مجلة إخبارية مؤثرة، كيفية إخفاء مسؤولي الصحة أدلة مبكرة على أن الفايروس أظهر أوجه تشابه صارخة مع مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) الذي تسبب في تفشي مرض قاتل في العالم في عامي 2002 و2003. وتساءلت “متى دق ناقوس الخطر؟”.

وأشاد العديد من الناس بتقرير “كايشين” ووصفوه بأنه “إنجاز كبير”.

وفي عهد شي، تحركت الحكومة بسرعة لوقف التقارير الحاسمة خلال الكوارث الكبرى، بما في ذلك الانفجار الكيميائي في مدينة تيانجين الساحلية في عام 2015 الذي أودى بحياة 173 شخصا.

لكنها وجدت صعوبة في مكافحة التقارير عن تفشّي فايروس كورونا، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الجماهير الصينية لجأت إلى أساليب مبتكرة للحفاظ على سجل لما حدث.

وقال لي داتونغ، رئيس تحرير الصحف المتقاعد في بكين “إن سيطرة الحكومة على حرية التعبير هذه المرة أضرّت بشكل مباشر بمصالح وحياة الناس العاديين، الجميع يعرف أن هذا النوع من الكوارث الكبيرة يحدث عندما لا تقول الحقيقة”.

وفي غضون أسابيع، بدأت السلطات في تشديد قبضتها، وأصدرت تعليمات إلى كل من وسائل الإعلام التي تديرها الدولة ووسائل الإعلام التجارية بالحد من القصص السلبية، حتى في المواضيع التي كانت تبدو واضحة في السابق، مثل التأثير الاقتصادي للفايروس.

الاعلام يتحدى الرقابة في متابعة جائحة كورونا
الاعلام يتحدى الرقابة في متابعة جائحة كورونا

ومع اشتداد الرقابة، اضطر الصحافيون الصينيون إلى الإبداع، وقد ركّز البعض قصصهم على أخطاء المسؤولين المحليين، بدلا من القادة الوطنيين، لتجنّب الرقابة. وشارك آخرون نصائح ومصادر إخبارية مع زملاء في منظمات متنافسة، في حالة قمع قصصهم الخاصة.

وقد ساعد الشعب وسائل الإعلام من خلال التصميم والابتكار لتجاوز الرقابة على الإنترنت.

ونشرت مجلة “بروفايل” هذا الأسبوع مقابلة مع طبيب حذّرته السلطات من الكشف عن المعلومات حول تفشّي الفايروس لأول مرة في ووهان، وسرعان ما اختفت المقابلة بعد نشرها.

ولكن سرعان ما أعاد مستخدمو الإنترنت الصينيون القصة إلى الإنترنت، باستخدام الرموز التعبيرية وشيفرة مورس وهي شيفرة التليغراف تستخدم في حالات الطوارئ لتقديم المقابلة بطرق من شأنها التهرّب من الرقابة.

من جانب آخر، أجبرت وسائل الإعلام إلى تغطية الحرب الكلامية التي استُدرِجت إليها كلٌّ من الولايات المتحدة الأميركية حول فايروس كورونا. إذ استدعت وزارة الخارجية سفير الصين لدى الولايات المتحدة، الجمعة 13 مارس، لتقديم شكوى من تعليقات ألقاها المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشير إلى أن الجيش الأميركي ربما يكون هو من أدخل فايروس كورونا إلى مدينة ووهان.

من جانبها قالت الوزارة إن سردية الصين عن الفايروس “كانت تبتعد عن سوق ووهان هوانان منذ منتصف يناير، مما يشير إلى أن الصين تحاول تجنّب تحمّلها المسؤولية عن تفشّي المرض”.

ويقول خبراء إن الحرب الكلامية مقدمة لتغطية إعلامية مختلفة في الأيام المقبلة.

18